22 ديسمبر، 2024 6:23 م

وزارة النازحين !!

وزارة النازحين !!

عندما بدأ الإنسان الحاجة للبحث عن مأوى ومسكن وحماية أسسوا دولة قائمة على دعامات أساسية، ووزارات كانت اول الأمر متمثلة بأجهزة أمنية من قبيل نظام الحسبة أو العسس، أو جهاز حرس الحدود، وعندما إزدات الحاجة إلى بحث العلاقات الخارجية أجترحوا تأسيس وزارة للتبادل السفراء والدبلوماسيين والممثلين وسميت وزاره الشؤون الخارجية، وبعدما إنْ أمن الإنسان عن نفسه بدأ يبحث عما يسد رمقه أو جوعه والحاجة إلى مأكل ومشرب يحمي إنسانيته من الإنعتاق في خطايا العوز والفاقة فعمد على تشكيل وزارة للتموين أو للإعاشة أو الرعاية الإجتماعية؛ ليس هذا هو مقصد كلامنا بالمرة.
   فكلما بلغ الإنسان مرحلة من التقدم إزدادت حاجياته، ومتطلباته، وإزدادت بالتوازي معها الحاجة إلى من يُحقق تلك الحاجيات ويحفظ نظامها ويؤسس ويخطط لها تخطيطاً عمرانياً صائباً، وبسبب الثورة التقنية وازدياد حاجيات الإنسان تم إستحداث وزارات أو مؤسسات تبعاً لحاجيات الإنسان وتماشياً مع رغباته وتطلعاته، بمعنى إنْ دولة المؤسسات المدنية هي تلك الدولة التي تراعي كل معطيات الواقع وتعالج المواقف والتحديات التي تواجه مسيرتها، فهي تتقافز على الأحداث لتشكيل مؤسسات وزارية الغرض منها معالجة ذلك الإشكال أو بالأحرى الغاية منها تحقيق غاية الإسان من الرفاهية والسعادة كبلوغ كمالي تام.
  وفي العراق بعد الإحتلال الأمريكي للعراق ووصول حملة الإنتهاكات لحقوق الإنسان من عهد النظام البائد مروراً بالوجود الاستعماري إلى حد لا يُطاق لدرجة صار التفنْن بالتعذيب والخبرة البالغة الدقة واللياقة العالية والمران الناجح في هتك الحرمات وأغتصاب عذريات الوطن وحرائره، حتى بلغ حجم الإنتهاكات حداً لا يُطاق أندى له جبين الإنسانية وأركل منظمة هيومان رايتس ووج على قفاها وعلى أمعءها، وأهنا كرامة عقال هيئة الأمم (!!)، وبعد صراع وخلاف حول آليه إنقاذ كرامة الإنسان في العراق من وحل الإهانة تكرم علينا الحاكم المدني ول بريمر بوزارة حقوق الإنسان بعدما غُيب الإنسان هناك!
  وبعدما تحول الوطن إلى مقبرة ودكةٍ لغسل الموتى، وبرادات لحفظ الجثث، ونزوح وهجرة ابنائه خارج الحدود بحثاً عن ملاذٍ أمن، وتوديع الوطن بدموع الحرائب والثكالى، عمدت الكيانات السياسية وهيئات الأمم لإستحداث وزارة الهجرة والمهجرين للإعتناء بشؤونهم الخاصة ومتابعة ملفاتهم بين الوطن والمهجر، بين المنافي والحنين إلى الأوطان ومرابع الصبا، حيث كان هناك وقتئذ يعيش الإنسان نزوحاً إجبارياً خارج حدود الوطن وداخل أحضان الغربة وملاجىء المنفى، أما اليوم في ظل بركات الطائفية المشؤومة وكرامات “التطرّف المُحجب” والنزوع الأعمى للممارسة الإرهابية، وهيمنة فكر التطرّف على مناطق معينة وشاسعة من أرض الوطن، وإستيلاءها عليها وإجبار أهلها بين أنْ يكونوا دروعاً بشرية يفدونهم في الحفاظ على أرواحهم، أو تركهم لمنازلهم وممتلكاتهم والنزوح إلى أقليم كردستان والإسكان في مخيمات لا تصلح حتى للفرضيات العسكرية أو للسفرات الجوالة، أو الرحلات الكشافة، يواجهون العراء والجوع والفاقة بقلبٍ متكسر، متفطر آلماً، ليس لهم سوى الأرض العوراء سرائر والسماء أغطيةٍ مجانية، والأحلام المحطمة وسائد فارههة!!
   ومن هنا وباسم الإنسانية نلتمس من ذوي الشأن والحسبة وأهل الحل والعقد في وطننا المعتوق في وجداننا، في وطننا المشتاقون إليه ونحن في كنف أحضانه، أنْ يبحثوا تحت قبة البرلمان مشكلتنا كنازحين لا كمواطنين (!!) وأنْ يضعوا على جدول أهتمامتهم وسلم أوليات العقل والضمير الإنساني الدعوة لتأسيس وزارة للنازحين ترعى شؤون النازحين والمعذبين من أبناء الوطن بفعل أسياف الوطن، وتُعبر عن معاناتهم، وتنقل صوتهم المبحوح من نعي النائحات وعويل الأمهات على فقد الأحبة والوطن؛ نلتمس باسم الإنسانية والضمير العربي المثقوب .. أنْ تستحدثوا لنا “وزارة النازحين” على إنْ يكون وزيرها ممن ثبتت ولادته في مخيمات النازحين أو ترعرع في كنف كرفانات الوطن، أو ممن مات ذويه في مقابر الغربة رمياً برصاصات الحنين إلى الوطن، وهو ملفوف بعلم منظمة الإغاثة الدولية !!