23 ديسمبر، 2024 5:00 ص

وزارة الصحة والبيئة واحدة من أكثر الوزرات العراقية تخلفا وفسادا

وزارة الصحة والبيئة واحدة من أكثر الوزرات العراقية تخلفا وفسادا

تحدث الدستور المسخ لـ “دولة العراق” عن كل ما من شأنه تقسيمه وخدمة مواطنيه، فهو بشكل خاص لم يتحدث عن حقوق الإنسان الصحية وحياته والإهتمام به. فمثلا، لم يشر دستورهم هذا بأي شكل من الأشكال لحقوق المواطن بتوفير رعاية صحية جيدة له خالية من الإبتزاز المادي والمعنوي من قبل الجهات والمؤسسات الصحية وكل العاملين في المجال الصحي والطبي في عموم العراق. إذ أن كل ما ذكره دستورهم بشأن الصحة بشكل عام هو ما ورد في المادة (31) التي جاء فيها فقط أن ” لكل عراقي الحق في الرعاية الصحية، وتعنى الدولة بالصحة العامة، وتكفل وسائل الوقاية والعلاج بإنشاء مختلف أنواع المستشفيات والمؤسسات الصحية”.

حسنا إذا، أين هو هذا الحق ولماذا لم تقدموه لهذا العراقي المسكين الذي أصبح يعاني من نظام صحي وطبي متخلف ومتهرئ، والأمثلة كثيرة على ذلك؟ فتغيير الدستور المسخ أصبح مطلب شعبي لا نتوقف عن المناداة به…

إضافة لأعلاه، فقد ذكر دستورهم، “أن للأفراد والهيئات إنشاء مستشفياتٍ أو مستوصفاتٍ أو دور علاجٍ خاصة، وبإشرافٍ من الدولة، وينظم ذلك بقانون.” ويعني هنا بإشراف الدولة أي بإشراف من وزارة الصحة والبيئة الفاسدة التي هي الجهة الحكومية الوحيدة المعنية بالصحة في البلد.

يجب أن نذكر أنه حتى وزارة الصحة والبيئة نفسها تحتاج للمحاسبة وللإشراف على عملها لأن الوزارة المعنية بالصحة برأينا لا تتقيد بأبسط القوانين والتشريعات الحكومية والبرلمانية، والأدلة والشواهد كثيرة على ذلك، وسأذكرها في مقالات لاحقة.

كلنا يعلم أن القطاع الصحي في العراق يواجه تحديات هائلة. فقد عانى نظام الرعاية الصحية تدهوراً كارثياً في ظل الأنظمة التي أعقبت إحتلال العراق في 2003 مما أدى إلى إرتفاع معدلات الوفيات بين الرضّع والأطفال والأمهات والشيوخ إرتفاعا كبيراً، فضلاً عن إنخفاض معدلات العمر المأمول. وتكمن العوامل الرئيسة وراء هذه الحالة بالتدهور المستمر في مستوى الصحة العامة خلال الستة عشر عاما الماضية، والزيادة المطردة في مستويات الفقر والبطالة وتردي التغذية وسوء خدمات الصرف الصحي ومشكلات توفير المياه الصالحة للشرب وتراجع مستويات التعليم فضلاً عن إنتشار أنماط حياتية غير صحية. ولاشك في أن معالجة هذه الآثار والنتائج سوف يستغرق وقتاً طويلاً إن لم يتم البدئ بها حالا.
كما وقد عانت الخدمات الصحية في العراق تدهوراً مماثلاً خلال الفترة ذاتها بعد أن كانت تمثل واحدة من أفضل الخدمات الصحية المتاحة في المنطقة. ومن العوامل التي أدت إلى هذا التدهور الخطير هو ليس إنخفاض الإنفاق بل الفساد الإداري والمالي المستشري في جميع مؤسسات وزارة الصحة والبيئة، وكذلك إنعدام الصيانة والإستثمار وسوء الإدارة. لقد فشلت وزارة الصحة والبيئة في مواكبة التطور الذي يجري في دول العالم، ومنها العديد من الدول العربية الأخرى، فيما يخص أبنية المستشفيات والمراكز الصحية وتطويرها المستمر أو إعادة بنائها بما يتماشى مع ضروريات العلاج الطبي ونجاحه. إذ لا توجد في وزارة الصحة حالياً دراسة عميقة لواقع المستشفيات في العراق، كما ليس للوزارة القدرة على التعامل مع الواقع لتغييره إلى مستوى متقدم، حيث:
تفتقر المستشفيات حالياً إلى أبسط المسائل الضروري توفرها في مؤسسة طبية علاجية حيث تفتقر جميع مستشفيات العراق إلى التهوية الصحية وتفريغ الهواء بشكل صحي وسليم ومرشحات الأتربة والجراثيم، خصوصاً في صالات العمليات. هل تصدقون أنه يتوقف إجراء العمليات الجراحية عند حدوث عواصف ترابية؟ أية مهزلة هذه؟؟؟
ولا ننسى أيضاً إفتقار المستشفيات إلى أنظمة كفوءة للتدفئة والتبريد المركزيتين والتي يجب أن تحافظ على درجات حرارة ثابتة في صالات العمليات والردهات والمكاتب وكل مرافق المستشفى الأخرى. كما لا تتوفر سبل إستمرار وضمان إشتغال تلك الأجهزة بشكل مستمر وكفوء رغم وجود المولدات الكهربائية.
تفتقر صالات العمليات إلى أجهزة المراقبة والتخدير الحديثة والنواظير التي تتماشى مع الحاجة الفعلية للمستشفيات، ويجب أن لا ننسى عدم توفر العديد من الأجهزة والمعدات الطبية المهمة جداً التي تستعمل في عمليات التشخيص والعلاج السريعين.
عدم توفر نظام صرف صحي فعال في أغلب المستشفيات، والكبرى منها على وجه الخصوص (مستشفى اليرموك نموذجاً)، يمثل الطامة الكبرى والخلل الكبير في أية مؤسسة صحية سواء كانت مستشفى أو مركز صحي، والشواهد كثيرة على هذه الحقيقة المرّة، إضافة لما يلي:
لا توجد مراقبة صحية مستمرة وفعالة للبيئة داخل المستشفيات ولا يوجد هناك برنامج بحثي أو روتيني يراقب ويدرس إحتمالية إنتقال الأمراض بين ردهات المستشفى أو حتى بين أسرّتها.
لا تتوفر الشروط المناسبة والأجهزة الضرورية في أقسام الطوارئ مع إفتقارها إلى أطباء متخصصين بطب الطوارئ وكادر صحي مساند. كما يغيب نظام فعال لإستقبال المرضى في أقسام طب الطوارئ.

ولهذا الحديث المر بقية …

* بروفيسور متخصص بالإدارة الصحية وخبير دولي بالصحة البيئية