يُعَد الأِعلام في المؤسسات الأكاديمية والعلمية من أهم اسباب التطور فيها وهو بدون شك يسهم وبشكل فاعل في تعضيد الرصانة العلمية ويزيد من زخمها .
تجربة أكثر من خمس سنوات عمل متواصل في الأعلام في جامعة القادسية جعلتني أقتنع وبشكل قاطع أن الأعلام قطاع خطير ينبغي الأهتمام فيه وعدم أهماله أو التهاون في من يديره بحيث نأتي بشخص لمجرد أنه يشغل شاغر بعيد عن الخبرة المتراكمة في مجال الأعلام والصحافة . خاصة ونحن نعيش أجواء تختلف بالمطلق عن أجواء ما قبل عام 2003 . فالأعلام اليوم وفق تطوره الأعلامي جعل العالم مثل قرية صغيرة تجعل الأنسان يطلع عليها خلال ثواني وفي آن واحد في كل دول العالم ناهيكم عن الكم الهائل من القنوات الفضائية التي تعمل في العراق وهي تفوق ال 50 قناة .
الأعلام الجامعي خلال وزارات الدكتور طاهر البكاء والدكتور سامي المظفر والدكتور عبد ذياب العجيلي شهد تطوراً ملحوظاً نتيجة لأعتماد تلك الوزارات على شخصيات تملك خبرة متراكمة في الصحافة والأعلام وعدم اهتمامها بالألقاب لتشغل مواقع أدارة الأعلام وكان نجاح الأعلام الجامعي واضحاً في السنوات التي تحدثنا عنها والتي استمرت الى أن تولى الأديب الوزارة لينهار كل شيء في الوزارة وسنأتي على بعض اسباب ذلك الأنهيار الذي يتواصل حتى اليوم دون علاجات .
أتذكر في العام 2006 كانت محافظة الديوانية تشهد أعمال عنف ولايوجد في المحافظة مكان آمن ألا الجامعة . ونتيجة للحراك الجماهيري الجديد بحجة الديمقراطية نشأت بعض التجمعات الطلابية التي تقودها مجموعات أنتهازية متخلفة حاولت تدمير الجامعات وكان نصيب جامعة القادسية حيث كنت مشرفاً على أعلامها حصة من محاولات تلك المجاميع التي أرادت زرع الفوضى والقضاء على مسيرة التعليم في الجامعة . في هذه المرحلة دفعت تلك المجاميع طلبة الجامعة الى التمرد على التدريسيين وعلى عمادات الكليات ورئاسة الجامعة بحجة نقص الخدمات ورغم علمنا المسبق بأرتباطات تلك المجاميع ألا اننا مارسنا حكمة وخبرة قل نظيرها في التعامل مع تلك الأفعال البعيدة عن أخلاقيات الوسط الجامعي . وقد نجحنا نجاحاً كبيراً في تحييد تلك المجاميع بعد أن حاولت أن تعتدي على بعض الأساتذة ورئاسة الجامعة ومنعت الموظفين من الدخول الى الجامعة بحجة تنفيذ أعتصام للمطالبة بأقالة رئاسة الجامعة .
الأعلام الجامعي في تلك الأحداث أخذ دوراً كبيراً فهو كان السد المنيع لحماية الجامعة من التدخلات الحزبية والسياسية وقد كان مدعوماً من رئاسة الجامعة ومن الوزارة التي كان يديرها المربي الفاضل الأستاذ الدكتور سامي المظفر الذي انتصر للجامعة ووقف ضد كل من يتطاول عليها وبقيت الجامعة تمارس عملها وكان أن شكلت لجان تحقيقية ضد كل من حرض على الفوضى وأتخذت قرارات عقابية بحق مجموعة من الطلبة الذين كان لهم دور في تأجيج الحقد ضد الحرم الجامعي . وأتذكر ذلك التوجيه الرائع والذي طالب بأن تسجل عقوبات تلك المجاميع في وثائق تخرجهم وكان درساً كبيراً نجح فيه الأعلام الجامعي وهو يدافع عن التعليم العالي بشكل عام والوزارة بشكل خاص . وتواصل عملنا متخذين من دعم الوزارة لنا وفق منهج واضح يمنع خلاله تسييس الجامعات أو تحويلها الى ساحة للصراعات والمناكفات السياسية ومنع أدخال أي سلاح في حرمها . وأتذكر ذات يوم حين زارنا مستشار رئيس الجمهورية عام 2007 حيث استقبلته في البوابة الرئيسية للجامعة وطلبت منه ان يترك حماياته خارج الجامعة ويدخل وحده الى الحرم الجامعي فأستجاب بشكل مريح . كما أتذكر عندما كانت الدوريات الأمريكية تقوم بالتفتيش في المدينة وكنا أيام أحتلال كنت ومعي مجموعة من أبطال يعملون معي في الأعلام نمنع تلك الدوريات من دخول الجامعة ألا بعد ان تترك اسلحتها وسياراتها العسكرية خارج الجامعة ونصطحبها نحن الى داخل الجامعة منزوعة السلاح لتقوم بالتفتيش . كل هذه الأحداث يتذكرها أبناء الجامعة كما يتذكرها الأعلام الذي كان ينشر تلك التقارير الأخبارية وبشكل يومي ومنتظم . كانت ابوابنا مفتوحة لجميع القنوات الفضائية نسهل لها عملها زنرافقها وهي تعمل على اعداد تقاريرها وكانت علاقة الود والأحترام بين أعلام الجامعة الفضائيات في أفضل حالاتها حتى أننا كنا أذا مر يومان دون ان نشاهد تقرير في قناة فضائية نصاب بالحزن وتجدنا نصنع الحدث الأعلامي الجامعي بين الكليات وأقسامها .
مما لا شك فيه أن التقارير الأعلامية التي تبث عبر الفضائيات عن التعليم العالي بشكل عام تنال متابعات عربية ودولية وهذه المتابعات تجعل من التعليم باقياً تحت دائرة الأهتمام وبالنتيجة فأن الأعلام يساعد على تعزيز الرصانة العلمية والدور المطلوب للتعليم العالي في العالم فهو يعطي زخماً كبيراً للباحثين أثناء متابعتهم أعلامياً كما يعطي دعماً معنوياً لكل العاملين والكفاءات العلمية حين تجري متابعات حالاتهم الأبداعية فيشعرون انهم في دائرة الأهتمام والدعم .
لاأتذكر اننا كنا نجري خلف رئيس الجامعة ألا أثناء الأمتحانات لغرض تغطية سيرها ونجاحاتها وأثناء افتتاح مشاريع مهمة للجامعة أو أثناء الأستحداثات والمؤتمرات . وكانت رئاسة الجامعة قد وضعت ثقتها في أناس يعملون في الوسط الصحفي والأعلامي ويحملون خبرة متراكمة أكتسبوها حتى قبل عملهم في التعليم العالي وكان سر من اسرار النجاح للجامعة . هذه النجاحا انهارت وبسرعة بعد العام 2010 حين أخترقت الأحزاب الجامعات وتم تسييسها بشكل واضح وتحول جانب منها الى وكالات استخبارية ومنعت القنوات الفضائية من الدخول الى الجامعات لتغطية النشاطات العلمية والثقافية والمنع مستمر حتى اليوم وتحول الأعلام في الجامعات من وسيلة لنشر التطور العلمي الى وسيلة للتعتيم والأعتماد على قناة واحدة هي الجامعي والتي لايتابعها سوى نسبة قليلة من الناس الذين لهم علاقة بالتعليم العالي والقناة العراقية . أما نشاطات أقسام الأعلام فأقتصرت على متابعة رئيس الجامعة ومراقبة تحركاته حتى أن احد رؤساء الجامعات قد عاتب أعلامه عتاباً قاسياً نتيجة لهذا الفعل حينما يراهم يتابعونه في كل مكان يذهب اليه بينما أهمل الجانب الأعلامي في باقي أروقة الجامعة وكلياتها . تذكرت وانا استمع لهذه الحالة كيف كنا نسير بالأعلام الجامعي وفق سياسات هي الأنجح وتذكرت حينها من كان يدير الأعلام الجامعي عندما كان أعلام الوزارة يديره العزيز باسل الخطيب ومن بعده الدكتورة سهام الشجيري وكنا نحن نتميز دائماً معهما وأتذكر التفوق عندما كنت في اعلام جامعة القادسية والزميل العزيز على الرواف في الكوفة والزميلة أسماء عبيد في هيأة التعليم التقني والزملاء عدنان سمير في المثنى ةزملائنا في الأنبار والبصرة وواسط وكربلاء وبغداد والمستنصرية والنهرين والعراقية وديالى وغيرها من الجامعات العراقية .
وبالخلاصة أعتقد جازماً أن الأهمال الواضح للأعلام الجامعي كان له الأثر السلبي على رصانة التعليم العالي . كما أن محاولات خنق الأعلام الجامعي له أثر ليس جيداً على سمعة الجامعات بشكل خاص والتعليم العالي بشكل عام . ولهذا اجد من الواجب على وزارة التعليم العالي أن تهتم بالجانب الأعلامي وأن توجه بضرورة أعتماد ذوي الخبرة الأعلامية لأدارة أقسام الأعلام وعدم الأعتماد على الألقاب لمجرد مليء شاغر . هذا أذا ارادت الوزارة أن تنهض بالتعليم العالي وتحاول أعادته الى التصنيف العالمي من جديد . مع ملاحظة أن الخروج عن التصنيف العالمي كان نتيجة لسياسات العام 2015 وماقبلها بعام واحد وهي المدة التي كانت تحمل ركام وزارة عام 2010 …..