4 نوفمبر، 2024 9:18 م
Search
Close this search box.

وزارة التربية : ( من غشنا فليس منا )

وزارة التربية : ( من غشنا فليس منا )

نشر مرقع وزارة التربية بتاريخ 30 / 8 / 2018 خبرا نصه ( قررت هيئة الرأي في وزارة التربية السماح للطلبة الراسبين بالغش بأداء الامتحان في مواد الغش في الدور الثاني تقديرا لظروف العراق الاستثنائية ) ، وإذا لم تخوننا الذاكرة فهذه هي المرة الأولى منذ أبصرنا النور التي نسمع بها بهكذا قرار فقد حصلت العديد من حالات الغش منذ الدراسة الابتدائية وحتى دراسة الدكتوراه وانتهت بالرسوب أو ترقين القيود دون تساهل أو الرجوع عن تلك القرارات ، وقد تم التشدد بالموضوع لدرجة إن بعض الإعلانات للدراسة أو غيرها كانت تتضمن ( أن لا يكون المتقدم مقبولا سابقا وراسب بسبب الغش ) والأكثر من ذلك إن تعريف الغش لا يشمل من ضبط بهذا الفعل بل انه يتضمن كل من غش أو حاول و ساعد على الغش ، وخلال السنوات الدراسية السابقة حكمت التربية على بعض الطلبة غيابيا بمعاقبتهم بعقوبة الغش الجماعي ليس من خلال الضبط أو التلبس أو الجرم المشهود وإنما من خلال توصيات لجان التصحيح والامتحانات التي تفرض عقوبة الغش الجماعي عندما تجد الإجابات متشابهة أو إنها تستجيب لتقارير مسؤولي المراكز الامتحانية ، وفي هذا الإجراء ربما احترق الأخضر بسعر اليابس فهناك سير دراسية للطلبة تدل على إنهم من المتفوقين ومن أصحاب المعدلات العالية و لعل سوء طالعهم هو الذي جعلهم في قاعات دراسية مورست فيها حالات الغش الجماعي ( فعلا أو ظنا ) رغم إنهم من ( المتفوقين فعلا ) لم يغشوا قط .
وقصدنا من تلك المقدمة إن التربية كانت ولا تزال تتصدى لموضوع الغش وترفض جميع الاعتراضات بشأنه ولم تتنازل عن عقوباته حتى في السنوات الأكثر استثنائية التي مرت بها البلاد ، لذا فان الجمهور بحاجة إلى إجابات وافية وشافية عن أسباب إصدار قرار هيئة الرأي فيها بالسماح بأداء امتحانات الدور الثاني في الدروس التي رسبوا بها بسبب ضبطهم بالغش ، كما إن هناك حاجة لتحديد أسباب إصدار هذا القرار قبل يوم أو يومين من الامتحانات النهائية للصفوف المنتهية التي ستبدأ في 1/ 9 /2018 ، فلو كان هدف التربية إفادة المشمولين لصدر قبل أسبوعين من اليوم على الأقل لإتاحة الفرصة للطلبة لاستثمار هذه الفرصة والاستعداد للامتحانات وبما يعدل ( ولو قليلا ) من نسب النجاح في الثالث المتوسط والسادس الإعدادي التي وصلت إلى مستويات متدنية ومخيفة للمهتمين والمختصين ولعوائل الطلبة ، سيما وان بعض العوائل باتت لا تولي اهتماما يشكل الأسبقية الأكبر لنجاح وتخرج أبنائهم بسبب ارتفاع نسب الرسوب وعدم وجود فرص عمل بعد التخرج وتضخم نفقات الدراسة نظرا للاعتماد على المدارس الأهلية واللجوء للتدريس الخصوصي وانتشار الملازم على حساب الكتب المنهجية ، ويقابل ذلك انخفاض بمدخولات العائلة وزيادة التضخم سنويا وضعف الإيفاء بالمتطلبات المعيشية التي تديم الحياة وظهور التزامات مضافة كالعلاج على النفقة الخاصة وانتشار الفقر فالعائلة تتوسع وأبنائهم يكبرون والرواتب تراوح مكانها أما نقصانا أو بدون تغيير.
لقد ذكرت هيئة الرأي في وزارة التربية إن أسباب إصدار هذا القرار هو تقديرا لظروف العراق الاستثنائية ، ولا نعلم هل إن التربية وحدها التي تشعر وتتأثر بمثل هذه الظروف ، فوزارة التعليم العالي العراقية ( مثلا ) تقوم سنويا بترقين قيود العديد من طلبة الصفوف المنتهية وغير المنتهية لا بسبب الغش بل لأنهم بحاجة إلى درجة أو درجتين ، رغم إن الدولة تنفق مليارات الدنانير سنويا لحد بلوغ الصفوف المنتهية وحجتها في ذلك إنها تطبق الرصانة العلمية التي من عيوبها إن تحول الطالب إلى فاشل بدلا ن منتج ايجابي لان ما يحتاجه وتحوله للفصل عدد محدود من الدرجات أو محاولة أخرى (بالحلال ) وسيثير قرار التربية العديد من التساؤلات لاتهم ربما بحاجة إلى فرصة امتحانية لغير الراسبين بالغش للتخرج أو التقدم للأمام ، والعتب لا يقع على عاتق التربية المتساهلة والتعليم المتشددة بل على عاتق مجلس الوزراء الذي يجب أن يناقش في اجتماعاته الدورية هذه التناقضات ويعلن نتائج مناقشاته على الجمهور لكي يطلع الناس على واقع الحال ويشعر إننا نعيش في دولة واحدة وليس دويلات عندما تتخذ القرارات من جوانب أحادية المنظور ، ويعترض على كل ما ذكرناه آنفا البعض الذي يقول لماذا هذه القسوة على شباب في مقتبل العمر ينما تسكتون عن قرارات العفو التي تشمل القتلة والمجرمين والتماسيح والكواسج الذين يتعمدون الإضرار بالمصالح العليا وغالبا ما يكون منقذهم العفو العام أو الخاص ، كما يعترض البعض عن السكوت المطبق عن السراق والفاسدين الذين أصبحت الأغنيات والشعارات الرنانة تتغنى بهم ولكن يتم الإحجام عن ذكر أسمائهم وأفعالهم رغم إنهم معروفين للجميع ، لدرجة إن هناك من يتباهى في الفضائيات فيقول نحن سراق وأنا واحدا منهم ثم يتحدث عن العدل والمساواة وإنصاف الفقير .
إن ما يثير القلق هو إن التمادي في إصدار مثل هذه القرارات ربما يمهد لزراعة ونشوء ثقافات غريبة تترعرع يوما بعد يوم كأن يطالب المشمولين بحالات الغش بالتعويضات في حالة نجاحهم من الفرص الجديدة وتبوآهم لفرص معينة هنا وهناك ، وبشكل يثقل كاهل الدولة ويزيد من التزاماتها في وقت لم نفهم فيه شيئا من الارتفاع والانخفاض في الإيرادات فقد وصل سعر برميل نفط (برنت) لأكثر من 75 دولار هذا اليوم دون أن ينعكس ذلك على المواطن، فلأسعار في ارتفاع وجنون الرسوم والضرائب في تشريعات الدولة بمليارات الدولارات تذهب لجيوب الفاسدين الذين يزدادون غنى في حين ترتفع نسبة الفقر لأكثر من 40% والبطالة لأكثر من 35% حسب إحصاءات وزارة التخطيط ، وفي هذا لا نقف بالضد من الفعاليات والممارسات التي تعيد الأمل للشباب لرفع الحيف عنهم ليعيشوا كمواطنين صالحين ، ولكن معالجة الأمور بشكل عشوائي وغير محسوب النتائج من النواحي كافة يثير الشكوك فالعفو عن حالات الغش يفسره البعض بان الغرض منه التكفير عن الذنب فمن يتحمل جزءا مهما من مسؤولية الغش هي اجهزة وزارة التربية ومن يساندها وليس الطالب لوحده لأنه لو اتخذت الإجراءات المناسبة لذلك لقلت الحالات لتكون ضمن النسب المقبولة ، فالطالب لا يتحمل كامل المسؤولية عن تسرب الأسئلة وبيعها بشكل أدى إلى فضيحة بتأجيل الامتحانات ، وسنقف جميعا إلى جانب التربية والطلبة عندما تكون الاجرءات ضمن المعايير الموضوعية لأنها فعالية جمعية وليست منفردة ، ونشير هنا إلى ضرورة المحافظة على الموثوقية والمصداقية بشهاداتنا في الداخل والخارج بعد ان أصبحت موضع التشكيك لان تصحيح هذه الأمور وإعادة المكانة للشهادات ربما يحتاج إلى عقود وليس سنين ، فالبناء أصعب كثيرا جدا وأكثر جهدا وتكاليف من الهدم والترميم .

أحدث المقالات