يكتسب اتحاد أدباء العراق أهميته من صفات عدة يتحلى بها، أهمها:
١. إنه اتحاد عريق، تأسس مع العراق الجمهوري، وترأسه في فترتين ذهبيتين، شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري.٢. إنه يمتلك تأريخا أبيض، ومنزلة ساحرة في قلوب المثقفين وعامة الناس، فحتى أيام النظام السابق كان الاتحاد عنصر جذب لأدباء العراق ومنهم الصامتون، وكان النظام السابق يخافه ويخاف الأدباء، ولا يثق بهم عموما.٣. إنه لم يُروّض – بعد عام ٢٠٠٣ – ولم يُدجّن ولم يُحزّب، ولم يكتف بدوره الأدبي بل تجاوزه إلى قيادة الحركة الثقافية العراقية ثم صار رمزا للتنوير والمدنية في العراق الجديد.٤. إنه يضع شروطا معقدة وصارمة للقبول والحصول على عضويته، لإعتماده معيارا نقديا جماليا خاصا، فنقابة المعلمين مثلا يكفيك لعضويتها أن تكون متخرجا في دار أ معهد أو كلية للمعلمين أو أن تمتهن التعليم، فيما كلّ كليات الآداب لا يمكن لها أن تقدم شاعرا واحدا إنْ لم يكن شاعرا، أي ان الاتحاد ليس مكانا لإسباغ صفة النخبة على كلّ مَن هبّ ودبّ، لكنه ـ أي الاتحاد ـ هو مكان للنخبة المتنورة. أما مهام الاتحاد فتتوزع على جبهات ثلاث:١. الجبهة المهنية: وأقصد دوره النقابي، فهو ليس نقابة، بل هو اتحاد وقسط من عمله يتركز على العمل المهني، فالأدباء ليسوا كالمعلمين والأطباء والصحفيين مثلا لأن الأدب ليس مهنة لذاتها، بل كلّ الأدباء يتعاطون الأدب هواية وإنْ احترفوها فالأدب يبقى رسالة موهبتهم، وتراهم يزاولون مِهنا وحِرفا مختلفة وينتمون لنقابات أخرى، فالأدب – على العموم – لا يمكن أن يوفّر الخبز والشراب والسكن ولكن الأديب قد يُضحي ببعض أثاثه لطبع (نزيفه)، وهنا على الاتحاد أن يعدّ لائحة بما يريد وما سيعمل على انجازه لأعضائه.٢. الجبهة الثقافية: وهنا يتجلى دور الاتحاد الحثيث في عقد سبع ندوات في الأسبوع، وهذا ما تعجز عنه أية منظمة أخرى، وبالطبع لا يقتصر هذا النشاط على الكمّ فقط بل جلّ هذه الجلسات والندوات من النوع المتميز ويشهد على ذلك عدد الحضور ونوعه وكذلك تغطيات وسائل الإعلام المتنوعة.٣. الجبهة الوطنية: دأب الاتحاد على أخذ دوره المدني التنويري وبمسحة وطنية ديمقراطية جليّة، فهو يبدي رأيه وبشجاعة في القضايا المفصلية دون أن يزج بنفسه في التفاصيل التي يسكنها الشيطان، وهذا يُحسب له، وجدير بالذكر أنه أول مَن بدأ حملة الاحتجاجات من شارع المتنبي، تلك الحملة التي حملت إسم (بغداد لن تكون قندهار) في خريف ٢٠١٠.
ولكن تلك الصفات الأربع وهذه المهام الثلاث أيضا لا يُمكن أن تُبقي الاتحاد في عاصم من أمره وسط بيئة سياسية مريضة لا تحاول تهميشه وإقصاءه وعزله فقط بل تجهر بمعاداته، وهذا يتطلب دوما توفير عاملين، ذاتيّ وموضوعيّ.وأقصد بالعامل الذاتي، ضرورة انتخاب العناصر الأكثر شجاعة في الحفاظ على هذا الصرح الوطني المائز، فيما أقصد بالعامل الموضوعي، ضرورة تأمين ميزانية وفيرة.ولتوفر العامل الذاتي، تقع المسؤولية الأولى والأخيرة على الأديب الناخب الذي عليه أن يُرشح مَن هو منسجم مع نفسه واتحاده، ومَن هو حقيقي في إبداعه، ومَن هو مهني في عمله، ومَن هو وطني في سلوكه، ومَن هو شجاع في قراره، ومَن هو أمين على اتحاده، ومَن يخلع معطف حزبه وطائفته وخصوصياته قبل أن يدخل من باب الاتحاد، وواجب أن يكون في اختيارنا مكان ومكانة للشباب وللأديبات وللمحافظات دون أن يكون ميل للصداقات والأخوانيات والمناطقيات فالأديب قدوة في مجتمعه ولمجتمعه.ولتوفير العامل الموضوعي، تقع المسؤولية الأولى والأخيرة على قيادة الاتحاد المنتخبة لتبادر إلى الاتفاق مع هيأة الاستثمار الوطنية وكيفية تحويل ٤٥٠٠ أربعة آلاف وخمسمائة متر مربع وسط بغداد (أقصد مبنى الاتحاد في ساحة الأندلس) إلى مشروع سياحي وحضاري هائل ولتتألق في جزء منه بناية زاهرة للاتحاد تضم – حتما – مطبعة حديثة جدا وناد اجتماعي ثقافي عائلي راق.
ومن هذا المشروع ومردوده المالي سيحافظ الاتحاد على صفاته الآنفة الذكر وسيزيدها رونقا، وكذلك سيؤدي الاتحاد مهامه بانسيابية وبتخطيط أدق وأرقى على الجبهات المهنية والثقافية والوطنية.ونقول لاتحادنا ترنيمة الجواهري:
كمْ هزّ دوحَك من قزم يُطاوله
فلم ينلْهُ، ولم تقصر، ولم يَطُل
وكم سعت إمّعاتٌ أن يكون لها
ما ثار حولكَ من لغو، ومن جدل
ثبّتْ جَنانك للبلوى فقد نُصبَتْ
لك الكمائنُ، من غدرٍ ومن خَتل
ودَعْ ضميرَك يحذر من براءته
ففي البراءات مدعاةٌ إلى الزلل
لا تنسَ أنك من أشلاءِ مجتمعٍ
يدينُ بالحقد والثاراتِ والدجل
حربٌ على كلّ موهوبٍ وموهبةٍ
لديه، مسرَجة الأضواء والشّعل
إنّ الحياةَ معاناةٌ وتضحيةٌ
حبّ السلامةِ فيها أرذلُ السبل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ* ألقيت هذه الورقة في الندوة الحوارية التي أقامتها “الجمعية العراقية لدعم الثقافة” صباح الخميس 7/ 4/ 2016، وشارك فيها الأساتذة: فاضل ثامر، ياسين طه حافظ، عبد جاسم الساعدي، طه حامد الشبيب، علي الفواز، حميد قاسم، حميد المختار، عبد الزهرة زكي، عالية طالب، فارس حرام، حسام السراي، وابراهيم الخياط. واستهلت بكلمة للأستاذ مفيد الجزائري، وأدارها الشاعر عمر السراي على قاعة “الثقافة للجميع” في الكرادة داخل ـ ارخيته