18 ديسمبر، 2024 7:42 م

وداعاً عام / 2021 وداعاً للمشاكل

وداعاً عام / 2021 وداعاً للمشاكل

بعض من مشكلات المجتمع العراقي المعاصر
دراسة متواضعه في واقع المجتمع العراقي الحالي على ضوء أفكار وطروحات عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي(1913-1995 ).
المقدمــــــــــــــــــــــــــــة :
من المعروف للعامة إن طريقة حياة الناس أو ثقافتهم يصنعها عملهم ودخلهم فقط، وبالتالي فإن الاقتصاد ومستوي معيشتهم هو الذي يحدد طريقة تفكيرهم, وليس العكس : أي أن نوع العمل وأدواته والأشكال القانونية التي تضمن وجوده مثل الاتفاقيات والتعاقدات والقوانين المنظمة للعمل.. هي التي تحدد مكانة الناس في مجتمعاتهم، ومكانة المجتمعات نفسها في العالم، أي تحدد مدي سلطة كل منهم علي الآخرين.
مشكلة البعض أنهم لا يعترفون بالتطور العلمي ومخرجات الحضارة الغربية التي أحدثت انقلاباً كبيراً في مستوى المعيشة ونمط التفكير وقادت ثورة كبرى من الصعب تجاهلها ولكن بعض المتأسلمين لازالوا يعيشون في القرن الأول الهجري , بينما العالم يعيش في القرن الحادي والعشرين .
يحاول بعض رجال الدين من مدمني المنابر العاجية الرجوع بالناس إلى الماضي البعيد بكل سلبياته وإعادة صياغتها بثوب جديد فيه نغمة حزن وتأسي على ما فات ,تحت شعار إن هناك من سلب الحقوق من أحفاد النبي محمد (ص) وقاتلهم بحد السيف ,وكأن الخلافة الإسلامية نزلت من السماء على ارض الكوفة ويجب إن تبقى فيها إلى يوم القيام , وبما إن ذاك لم يحصل سوف يأتي مخلص من السماء ليعيد الحقوق المسلوبة إلى أصحابها ويحاسب المارقين والناكثين والقاسطين , وينشر العدل والسلام في الأرض .. ومثلهم هاذ كمثل من يبكي على أجداده الذين ماتوا قبل مائة عام ولم يراهم , ولكنه سمع بطولاتهم من جدته الطاعنة بالسن , التي بدورها ورثتها من أمها المتوفاة في بداية القرن العشرين.
يجب إن يفهم هؤلاء بان التجديد ضروري وان البكاء على الماضي البعيد نوع من الرياح العاتية التي تقتل الحرث والنسل.
الإسلام بالأمس :
الإسلام : نعم قامت قيامته على السلطة السياسية ولولاها لما انتشر ولظلة دعوته مركونة في أرض نجد والحجاز , و قد ينقرض كما انقرضت كثير من الدعوات وأصحابها، ولا يمكن الفصل بين الإسلام والسلطة قبل قيام الدول الحديثة والدساتير العالمية، لذا فكل إحداث الصراعات السياسية لا يمكن فصلها عن الإسلام ,إذ كان الخليفة والحاكم يمثل ظل الله في الأرض وخليفته فيها.
والآن الحركات الإسلامية والجهادية بكافة عناوينها تريد العود بنا إلى ذلك الزمن الغابر، اليوم نستطيع القول إن الأنظمة السياسية الحالية في الدول الإسلامية لا تمثل الإسلام بكل تفاصيله , ولا يوجد حاكم يقول : أنا ظل الله في الأرض، فقد أصبح الدين عبارة عن طقوس ومناسك يؤديها عموم الناس كالصلاة والصوم والذهاب للمسجد, وغيرها من الأمور التعبدية .
لكن المشكلة في كتابة تاريخ وسير الحكام من قبل بعض الكتاب الإسلاميين حينما كتبوا عن أولئك الحكام والقادة أمثال ( صلاح الدين الأيوبي ومعاوية بن أبي سفيان وخالد بن الوليد وأبو العباس السفاح ) . . وغيرهم , كتبوا عنهم بصفتهم حاملي مشاعل الإسلام ، وإنهم منزهون وأخطاءهم تغتفر بأمر الله ولا يسمح المساس بهم .. لهذا حسب ما قاموا به بأنه عمل ديني قائم على أحكام الشريعة .
فالدولة العباسية مثلاً كسابقتها الدولة الأموية قامت على سفك دماء مروعة في دمشق، وانتهت بسفك دماء أشد ترويعاً في بغداد.
وبالرغم من أن حكم مؤسسها أبو العباس السفاح ( عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس أبن أبي طالب ) لم يتجاوز الأربع سنوات، لكن السيف كان منطقه، وسفك الدماء منهجه، وفرض الإرادة بالقوة ديدنه، وكان متأجج التفاعلات شديد الصولات، حتى تمزقت البلاد التي كانت تحت إمرة بني أمية، “وتقسمت ممالك الأرض عدة أقسام، وصار بكل قطر قائم يأخذ الناس بالتعسف، وينكبهم بالقهر”.
مأساتنا إننا اعتبرنا كل أفعال رجال الحكم منذ عهد الخلفاء الراشدين إلى إعلان انتهاء الخلافة العثمانية دين وممنوع المساس به , يا جماعة الصحابة حاربوا بعضهم البعض وآلاف المسلمين قتلوا في هذه المعارك وعشرات من المسلمات اغتصبن ( الم يأمر مسلم بن عقبة بن رباح المري قائد جيش بني أمية باستباحة مدينة رسول الله لجيشه فقتلوا واغتصبوا ونهبوا عشرات من الصحابيات في هذه الموقعة إي موقعة الحرة وعشرات من صحابة رسول الله قتلوا على يد جيش مسلم ) , هذا أيضا في تاريخنا . لماذا نتغنى بالانتصارات على الروم والفرس والفتوحات في شمال أفريقيا والأندلس ونتناسى جرائمنا بحق خلق الله , هل هذا يرضي رب العالمين بأن تساق فتيات آمنات في بيوت إبائهم إلى سوق النخاسة ؟ هل يقبل إي شخص بأن يحدث هذا لأبنته ؟ طبعا لا فكيف يقبل منك رب الرحمة أن تفعل بخلقه ما لا ترضاه على نفسك .
وكما قال (يوسف محمد أحمد زيدان1958) أستاذ جامعي كاتب وفيلسوف مصري، متخصص في التراث العربي المخطوط وعلومه.
(( اعلموا أن الذين جعلوا لكم فيما سبق مكانةً بين الأمم المتحضرة ، هم علماؤكم و شعراؤكم و الفنانون و الصوفية الذين أسهموا في صناعة الحضارة الإنسانية ، من أمثال البيروني و الرازي و ابن سينا و ابن رشد و ابن النفيس . . هؤلاء هم أبطالكم الحقيقيون ، و ليس أولئك المزيّفين من حُكّامكم السفاحين الحقراء الذين استباحوا الدماء من أجل السلطة ، أمثال عبد الرحمن الداخل و أبو العباس السفاح و الحجّاج بن يوسف و قطز و بيبرس و صلاح الدين المملوك الكردي الذي ترك قومه يعانون من ظلم العباسيين ، و خان الحاكمين اللذين أقسم لهما بالولاء : السلطان السُّني نور الدين ، و الخليفة الشيعي العاضد الفاطمي ))
القيود الدينية والقبلية :
الشعب اليوم يعيش نوع من الانحراف الجنسي الذي اخذ يزداد في المجتمع نتيجة القيود الدينية والقبلية على المرأة , ومحاولة الفصل بين الجنسين , نتيجة انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وظهور صرعة العصر (الموبايل ) واكتشاف وباء الانترنت الذي لا يقل خطورة في جانبه المظلم عن وباء الكورونا .
هل تعلم بأن 80 بالمائة من الأشخاص يستخدمون هواتفهم المحمولة وأجهزة الكمبيوتر لإضاعة الوقت والمشاركة في الأنشطة التي تجعلهم يندمون لاحقاً على كل الوقت الذي أضاعوه , في المقابل يستخدم 20 بالمائة فقط من الأشخاص أجهزتهم للتعلم وبناء المعرفة والبحث عن الفرص التي ستساعدهم في الوصول إلى حيث يريدون الذهاب.
في وقتنا الحالي، الكثير من الناس يريدون الحصول على المال، الثروة، الراحة، السعادة.. وبنفس الوقت تجدهم جالسين في مكانهم غير قادرين على القيام بأي شي، عدا تضييع الوقت بالأحلام الوردية ,النجاح لا يتعلق بالانتظار، والتفكير بشكل إيجابي، والتأمل بأنك ستحصل عليه في يوم من الأيام , يتطلب الأمر العمل الجاد والكثير من التعب.
هذا الوباء لا يمكن التخلص منه بسهولة لأنه دخل في كل بيت وشركة ومعمل وجامع وكنيسة , وخلق خصوصية لكل رجل وامرأة وطفل , من الصعب التدخل فيها أو فض الاشتباك بسهولة وبالطرق السلمية , لان هناك مواقع عدوانية لدول تريد غزو الدول الأخرى عن طريق الدس الطائفي والعرقي والديني والعطش الجنسي الذي تعيشه شعوبنا العربية والإسلامية نتيجة سيطرة بعض رجال الدين على مقاليد السياسة والثقافة المجتمعية أو ممن يعملون كوعاظ للسلاطين الحاكمين في هذا البلد المسلم أو ذاك.
في محافظة بابل (100كم جنوب بغداد ) ألقت مفارز الأمن الوطني القبض على احد السحرة المشعوذين وبعد التحقيق معه وتدوين أقواله اعترف انه مارس الجنس مع أكثر من 400 امرأة , ومارس اللواط مع 90 شاباً لغرض إكمال السحر ,ووُجد في هاتفه مقاطع فيديو وتصوير لبعض النساء والشباب المغرر بهم .
لذلك كثرت في تلك المجتمعات شبه المتدينة السرقة والقتل والزنا بالمحارم , عكس المجتمعات الأوربية التي يكثر فيها النوادي , وأماكن ممارسة الجنس المصرح بها من قبل الدولة والتي تخضع للعناية الطبية المستمرة .
والزواج المؤقت أو ما يسمى( صيغه ) موجود بأوسع أبوابه في إيران التي تشجع على زواج المتعة وتعتبر مدينتا مشهد وقم المقدستين مركزاً متقدماً لكذا ظاهرة اجتماعية , كذلك الأماكن السياحية في طهران وأصفهان وشمال إيران ,إذ توجد مكاتب رسمية وشرعية تحمل أسم (مكتب ازدواج ) يتم الترويج لها أحياناً عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي بأسماء مختلفة مثل ( ازدواج موقت نكاح حلال) و (صيغه يابي وازدواج موقت ) و(ازدواج نيكان ) و(صيغة يابي أسلامي) مقابل مهر شهري يصل إلى 750 دولار ,أو مهر أسبوعي يصل إلى 350 دولار ,أو مهر يومي يصل إلى 150 دولاراً , حتى هناك مهر ساعة واحدة يصل إلى 20 دولاراً , حسب عمر الفتاة ودرجة جمالها , ويختلف من مدينة إلى أخرى , و تلك المكاتب تتقاضى عمولة من الزبون تحت تسمية (مشاوره , كلفة الاستشارة ) ما يقرب من 50 دولاراً, وكلمة صيغه هي السائدة في إيران, وتعني الزواج المؤقت لديهم , وسبب ذلك الموروث الديني المشرع من قبل بعض رجال الدين المتنفذين ,والحصار المفروض على هذا البلد من قبل المجتمع الدولي لأكثر من ثلاثين عاماً .
****
والعراقيون بوجه عام ميالون إلى الجنس أكثر من شعوب المنطقة العربية والإسلامية الآخرين , وذلك لطول المدة التي يفارقون فيها بها نسائهم إثناء السفر من جهة , وعدم الدقة في اختيارهم للزوجة , أذا يعتمد البعض منهم على اختيارات أمه أو أحدى قريباته , كذلك البعض يخضع لإرادة عائلته بأن يتزوج أحدى بنات عمومته أو من عشيرته الأقربون , وهذا ما لاحظته من خلال اطلاعي على مواقع فتحوها على الفيسبوك تمجد وتشجع السفر إلى إيران وأذربيجان وتركيا وسوريا , وينشرون صوراً وأرقام هواتف للكثير من النساء اللواتي يلتقون بهٌن في النوادي الليلية ,والشقق والفنادق التي تسمح لهم بجلب المومس مقابل مبلغ معين لصاحب الفندق, كما أنهم يتفاخرون بتحويل مئات الدولارات للنساء الجميلات في بلدانها بعد تلقيهم رسائل منهن ( نو خيانة ).
والدول المذكورة هي دول أما منفتحة على الهواء الطلق , أو متحجبة يحكمها مسلمون من طوائف متعددة واغلب زائريها مسلمون عطشى لنسائها الطويلات الرشيقات الشقراوات .
عن (عبد الله بن عمر أبن الخطاب ) رضي الله عنهما قال : هلموا بنا نتمتع .. قالوا : ويحك منعها عمر قال عبد الله : أسنة الله أم سنة عمر؟ وجاء نص قراني صريح بذلك هل يمكن للمسلم أن يجزأ القران الكريم ؟ ولنسلم جدلاً إن الخلفية (عمر ابن الخطاب ) منع حلال لعلة زمنية أو مفسده معينة حدثت في ذلك الزمان , فهل كان المنع قطعي ؟ والمنع غير النهي باللغة العربية , وأنا استغرب من علماء الأزهر الشريف لم يلتفتوا إلى هذه الجزئية الإسلامية , ففي مصر الزواج العرفي و زواج المسيار في الخليج والزواج بنية الطلاق .
مخلفات الحروب المستمرة :
ولا ننسى الوضع المزري الذي مر به العراق خلال الحقبة البعثية ( 1980- 2003) والحروب المستمرة التي عاشها العراق على يد الجلادين , كان كلام الجنود والمراتب الآخرين يدور حول الجنس وطرق ممارسته , وسبب ذلك أنهم كانوا يقضون مدة طويلة في خنادق القتال تمتد لثلاثة أشهر أحيانا, حتى أني حينما عدت إلى البيت بعد مدة شهرين من تواجدي في جبهات القتال ضمن قاطع عمليات لواء 27 المشاة-الآلي , وحينما دخلت المدينة كنت أنظر إلى ملابس الطالبات صاحبات الزى الموحد الذي أبهرني مظهرهن الجميل, وعند وصول البيت ذهبت إلى الحمام فوراً لكي أستحم لان رائحة جسمي أصبحت لا تطاق , بسبب عدم توفر أماكن صحية للاستحمام , وخرجت فورا إلى أقرب حانة لاحتساء البيرة حتى أتخلص من الرمل الذي تكدس في مثانتي نتيجة الماء والأكل غير الصحي وكثرة العواصف الترابية في قواطع العمليات.
والانحراف الجنسي قد يأتي أحياناً من ترمل النساء نتيجة مقتل أزواجهن في جبهات القتال بحيث دفعت البعض منهن إلى الانحراف نتيجة الظروف المعيشية الصعبة خلال تسعينيات القرن العشرين والحصار الاقتصادي الجائر المفروض على العراق بسبب احتلال دول الكويت من مقبل مراهقي السياسة العراقية, وهبوط قيمة الدينار إلى الصفر.
مطاردة النســـــــــــــاء:
لقد تفنن العراقيون سابقاُ وحالياً بمحاربة النساء , ففي نهاية ستينيات القرن العشرين اصدر وزير الداخلية آنذاك (صالح مهدي عماش 1924-1985) ) قراراً بمحاربة المتبرجات (السفور) ,وشكل شرطة خاصة أطلق عليها (شرطة الآداب ) لمطاردة النساء السافرات ممن يرتدين – الميني الجوب – برش الصبغ على ملابسهم .. و الميني جوب هو تنوره قصيرة تبرز مفاتن المرأة , وبعد مطاردة أحداهن في شارع السعدون دهستها سيارة وماتت , مما دفع الحكومة إلى إلغاء القرار وإعادة الاعتبار للمرأة مرة أخرى .
واليوم بعض الأحزاب المتنفذة تفعل العمل ذاته وتطارد النساء خاصة في منطقة الكرادة وسط بغداد التي تعج بالبارات والنوادي الليلية وأماكن المساج المتنوعة , كأن التاريخ يعيد نفسه ولكن بثوب جديد تديره العمامة السوداء والبيضاء , بدلا من أصحاب الملابس الزيتونية , طالبين من النساء الرجوع إلى البيت والتحجب في الشارع بغض النظر عن الدين والمذهب والقومية , كما معمول في جمهورية إيران الإسلامية.
التظاهرات المستمرة :
حتى اليوم نشاهد المتظاهرات من خريجات المعاهد والكليات وصاحبات الشهادات العليا تراهن يتظاهرن في الأماكن العامة , وأمام الوزارات والشركات الحكومية لغرض الحصول على وظائف ولكن دون جدوى, وقد يبرر البعض عدم التوظيف هو لعدم وجود درجات وظيفية شاغرة , وهذا المفهوم خاطئ… وإنا أرى أن جميع من يدير تلك الدوائر الحكومية هم من خلفيات دينية متطرفة لا تؤمن بعمل المرأة وخروجها لجو العمل الذي سوف يفشل أفكارهم المتحجرة.
وبصفة عامة تصبح الثقافة بكل أشكالها وأرفعها مقاما وقداسة مرهونة بالمستوي الاجتماعي الذي هو بدوره مرهون بالمستوي الاقتصادي للناس , الذي يديره ويشرف علية فئة فاسدة , عجزت عن أصلاحها حتى المرجعية الدينية في النجف الاشرف .
وهذا لا يعني أن الإسلام لا يسمح للمرأة بالعمل , بل الأحزاب وخلفياتها المتحجرة هي من جرت البلد إلى هاوية الإفلاس ,وجعلته يستدي ,لغرض تسديد رواتب الموظفين والعاملين في القطاع الحكومي, بعد هبوط سعر برميل النفط المصدر خارج العراق.
اليوم تتظاهر بناتنا أمام مبنى (شركة نفط ميسان ) وقد نصبن خيمة كبيرة إمام مبنى الشركة مع مجموعة من الشباب خريجي الاختصاصات النفطية وقد مضى على هذا الاعتصام أكثر من سنة ولكن دون جدوى.
قام احد المسؤولين بزيارة لإحدى القرى النائية وسال أهلها : ما هي مشكلتكم ؟ قالوا : يا سيدي نعاني من مشكلتين : الأولى لدينا مركز صحي ,ولكن ليس لدينا طبيب ؟ قال : حاضر , واخرج هاتفه من جيبه واتصل وقال : غدا ترسلون طبيب للقرية ,وأقفل هاتفه وأرجعه لجيبه ثم قال : ما هي مشكلتكم الثانية ؟ قالوا له : لا توجد تغطية للهاتف الجوال في القرية.

ما بعد البعث :
بعد سقوط النظام السابق توقفت أصوت المدافع ونزع الرفاق بزاتهم العسكرية واخفوا مسدساتهم التي كانوا يحملونها إثناء الدوام الرسمي , ولا اخفي عليكم كانت شركتنا معسكر تدريبي من النوع الممتاز يديرها الرفاق وليس أصحاب الشهادات العليا , واليوم يديرها إنصاف رجال الدين من أصحاب اللحى القصيرة بدلا من الرفاق الأميين .
ولا أقصد بأني راض على الوضع الحالي وربما كان الوضع السابق فيه الكثير من الايجابيات لان أصحاب الاختصاصات النفطية البحتة يتعينون في الشركات النفطية بغض النظر عن الملاك المقرر, وليس في مصرف الرافدين أو دوائر الزراعة والري والتربية وغيرها… أما اليوم أصدرت الدولة قرارات جائرة أغرقت القطاع النفطي بالموظفين المنقولين من دوائر الدولة الأخرى ممن لديهم شهداء , كالمدرسين والمعلمين والزراعيين, وبذلك أغلقت الباب أمام أصحاب الاختصاصات النفطية المتظاهرين .
****
اليوم نمر بمرحلة صعبة نعاني فيها من تركات الحروب المستمرة التي خلفها لنا نظام البعث الدموي ,ولمدة خمسة وثلاثون عاما كنا نعيش خلالها في عصر الخلافة الراشدة وحروب نشر الإسلام في بقاع الأرض والحروب الداخلية بين الإمام علي ( رض) وخصومه السياسيين في بلاد الشام والحجاز , وخوارج العراق, ثم جاءنا النظام السياسي المتأسلم , فجرف كل ما عرفناه وتعودنا عليه .. وظهر جيلان جيل يفكر بعقلية القرون الوسطى ويبكي على الماضي والتاريخ البعيد, وهو يمثل الأكثرية , وجيل يريد أن يشق طريقه نحو الحضارة والحياة الكريمة وهم جيل الشباب المتظاهرين.
وكنا نتوقع من الحكام الجدد وأحزابهم المتعددة أن يساعدوا الناس بالعيش الرغيد وبعث الأمل بالنفوس ولكن وجدنا العكس من ذلك , فقد تعرض الكثير من الشباب إلى القتل والاغتيال على أيدي الأذرع المسلحة التي شكلتها بعض الأحزاب المتدينة, ووصل القتل إلى أباء المغدورين الذين طالبوا الدولة بالبحث عن أبنائهم المخطوفين ,وخير مثال على ذلك قصة المغدور (جاسب حطاب الهليجي ) الذي طالب بإطلاق سراح أبنه المختطف ( علي ) … ولكن كانت المفاجأة قتل الأب بدم بارد في المنطقة الصناعية وسط مدينة العمارة (365كم جنوب شرق بغداد) في مطلع شهر آذار 2021.
وقد تم تشييعه إلى مثواه الأخير في مقبرة النجف الاشرف من قبل ذويه وهم يرددون ( الله وأكبر يا علي الأحزاب قتلونا ) و( لا اله إلا الله المليشيات عدو الله ).

المدنية الحديثــــــة :
في عصر العولمة أصبح الجميع قادرين علي فهم الدين ولم نعد في حاجة لتفسير الفقهاء ولا لوصايتهم علينا ,وكل إنسان حر ومسئول في فهمه واختيار طريقه ومنهجه ,الدين علاقة خاصة بين الخالق والمخلوق ولا دخل للناس ولا للحكومة والتشريع فيه ,وهذه الطريقة الوحيدة التي تجعل عالمنا أكثر أمناً بعد أن أصبح قرية صغيرة يعيش الناس فيه بسلام وأمان .
الأنبياء ما كانوا رجال دين بل كانوا أصحاب رسالة مع ممارستهم مهن مختلفة كرعي الأغنام أو الحدادة أو البناء أو التجارة أي كانوا أصحاب مهن حرة , أما أصحاب العقول الفارغة والجهلاء هم من يحتاجون لرجل دين عاطل عن العمل يدعي امتلاكه للحقيقة المطلقة ( الاجتهاد) كي يملي عليهم.. كيف يستعملون المرحاض؟ ومتى يصومون قبل شهر رمضان وبعده ؟, وكيف يقتلون إخوانهم بالسيوف المسننة ؟ , وغيرها.
الأديان منذ نشأتها الأولى على كوكب الأرض تتقاتل ولا تتحاور، وتأريخها يؤكد ذلك ويدعمه بحوادث مريرة وقاسية، دفعت فيها البشرية مئات الملايين من المغرر بهم والفقراء والمظلومين, بل في الدين الواحد تتقاتل الطوائف فيما بينها ( الشيعة والسنة ) نموذجا ,حتى أبناء الطائفة الواحدة يتقاتلون فيما بينهم بعد انشقاقهم إلى كتل وتيارات ذات اجتهادات مختلفة .
فأينما ذكُر الدين حضر سفك الدماء!!
فهل وجدتم دينا يعترف بدين غيره؟!!
هل أن السعودية السنية تعترف بإيران الشيعية وتفتح أبواب الحوار معها؟
هل رأيتم حزبا إسلاميا يتحاور مع حزب أسلامي أخر و يعترف به؟
أ لم تتقاتل جميع الطوائف و الأحزاب في بلدي !!
أذا ذهبت إلى الصين مثلاً تجد الناس بحركة دائمة في كل الأوقات وتكون الذروة وقت الصباح وتخف عند الغروب وفي الليل بسبب وقت الراحة للعاملين… هذا هو حال المجتمعات المتطورة التي تحترق حتى تضيف لمسه جديدة لعالمنا المعاصر.
لا زالت بعض الحكومات العربية والإسلامية تنظر إلى الغرب الأوربي على انه صانع المؤامرات، والمتقدم علمياً وصناعياً، وتتوهم بان مجتمعاته منحلّة اجتماعياً ودينياً، فان الكثير من الأوربيين لا يزالون ينظرون باستعلائية إلى العرب، وإنهم ليسوا سوى فولكلور يزيّن صفحات التاريخ، بعد فشلهم الذريع في اللحاق بموكب العصر.
لكن، وعلى الرغم من الكراهية المنتشرة للغرب، اضطر ملايين العرب والمسلمون إلى الهجرة إليه لتفاجأ بمجتمعاته المتسامحة والإنسانية، وحكوماته التي توفر الحياة الكريمة , حتى للغرباء واللاجئين، وقد أدى ذلك إلى انقلاب في المشهد، وانسحب البساط من الأفكار المتطرفة تجاه الغرب، وزاد انبهار العرب به، وهم يتحسرون ويتألمون على الفارق بينهم وبين هؤلاء الذي استعمروا بلادهم يوما، إلى الحد الذي طالب فيه المئات من اللبنانيين، بعودة الانتداب الفرنسي إلى بلدهم حينما زارهم الرئيس الفرنسي ( أيمانويل ماكرون 1977) .
****
كلنا يعرف إن البنوك تعمل وتتعاط بالمال , فهل سمعتم ببنك يتعامل مع البذور الزراعية ؟ إليكم القصة.. في منطقة نائية وجليدية، قررت الحكومة في النرويج، إنشاء قبو سفالبارد العالمي، أو ما يعرف ببنك البذور العالمي. ففي الجزيرة النرويجية / سبتسبرجن على بعد حوالي 1313 كيلومترا من القطب الشمالي، تم بناء أكبر بنك للبذور عالمياً.يعتبر هذا القبو بمثابة سفينة نوح الإنقاذية، إذ إنه صمم خصيصاً لمواجهة الكوارث الطبيعية، والحروب، والحفاظ على القطاع الزراعي العالمي، عبر تخزين العديد من البذور، بطريقة تسمح باستخدامها عند الحاجة إليها. صمم تحت الأرض لتخزين أكثر من 800 ألف نوع من بذور النباتات، وبحسب المنفذين، فقد تم بناؤه بشكل مؤهل لمقاومة هزات الزلازل والتغيرات المناخية الحادة والحروب النووية، وحتى احتمال اصطدام مذنب بالأرض، وذلك لإنقاذ البشرية من خطر المجاعة يوماً ما.
بينما الناس في بلدي منهمكون بقصص الأنبياء والأولياء ومقاتل الطالبيين وأساطير الحاكمين ونقاوة الأنبياء والطاهرين , فليس مهماً عندهم العلم والعلماء , حتى البعض منهم ينظر إليهم بأنهم كافرون , وهم سعداء بما هو عليه من فتور وخمول ويعتقدون بأن الدنيا زائلة ولا حاجة للبحث العلمي وخدمة البشرية الكافرة .. في حين نرى أن العلم والتطور التكنولوجي جاء من هؤلاء الكافرين , بينما القتل والإرهاب العالمي يأتي من عالمنا العربي والإسلامي.
****
في السابق كان أجدادنا السذج لا يفهمون سر الكون ولا يعتقدون بصعود الإنسان إلى القمر ويقولون (بأن الإنسان لو صعد إلى القمر لتوفاه الله لأنه يبحث عن وجود الله هناك فهو كافر وملحد ), بينما نجد أبنائهم وأحفادهم اليوم وحتى الأطفال منهم يحملون الموبايلات ويطوفون في عالمها الافتراضي يبحثون عن صداقات حقيقية وكاذبة نتيجة خروجهم من عباءة الأجداد البالية.
ولكن عندما يتعرض هؤلاء الأبناء إلى خطر داهم يلقي الموبايل جانبا ويخرج بندقيته لكي يقتل جيرانه أو احد أقاربه الذي اعتدى عليه وعلى أهله الأقربين , دون أن يكون للموبايل وما يحمله من علوم وثقافة مجتمعية تأثير عليه , لأنه كان مشغول أساسا بخطب دينية جوفاء ,وهوسات عشائرية تمجد الفاسد والحاكم , كذلك مشغول بالألعاب الالكترونية التي توفرها لنا محركات البحث .
لم نجد في الوقت الحاضران هناك حربا تقليدية قائمة بين فرنسا وبريطانيا أو حربا بين النرويج وفنلندة, بينما الحروب مشتعلة في اليمن وليبيا والعراق وسوريا وتركيا وأذربيجان والسعودية وإيران وأفغانستان, القاتل والمقتول فيها مسلم.
والبعض يوعز ذلك إلى التدخل الأجنبي في شؤون تلك البلدان, ولم يراجع نفسه لماذا ارتمت بعض تلك البلدان بأحضان الأجنبي وأبناء إبراهيم لكي يحميها من شرور أخوة يوسف المتكبرين في الأرض , فلا تنتهي مشكلة حتى تطفو على السطح مشكلة أخرى أكبر من الأخرى, فأرسل الله لهم الكورونا لكي تحصد بهم حصدا بطيئا.
****
لقد كان العراقي زمن النظام السابق أبله كأبينا نوح قبل خروجه من الجنة , تسيره السلطة وفق منطلق خاص بالترغيب والترهيب فأصبح لا هم له سوى معيشة نفسه وعائلته , وكسولا لا يخاف من القادم , وقنوعا بما يحصل عليه من مواد غذائية بالبطاقة التموينية.
ولكن بعد التغيير أصبح متمردا عارفا بكل شيء , يريد أن يأكل الخبز بعرق جبينه , ويُكون أسرة وبيت جديد لان البيت القديم أصبح ضيق المكان , وساحة معركة تديرها النساء المتزوجات , كما أصبح قليل الحياء لأنه ورث أفكار جديدة يعتقد أنها طريق للتحرر من سطوة الأب وإلام وتقاليدهما الكلاسيكية .
الفقر في الوطن غربة :
إن الجوع دائما موجود في المدينة وقد لا يوجد في الريف كما إن المدينة هي من تصنع الفاسدين المتكالبين على الدولار والعملات الأجنبية, و تخمة المال تؤدي بهم إلى الفساد الأخلاقي ونقل المال الحرام إلى دول أخرى بعيدا عن عيون الحكومة , فهم كلما وصلوا إلى هدف بحثوا عن هدف أخر, كالعطشى الذين يركضون وراء السراب.
إما أبناء الريف أو من هم من أصول ريفية كلما أكلوا شكروا الله وقرئوا الفاتحة على أرواح الموتى من الأولين والآخرين في كل وجبة طعام , وبالخصوص في الولائم والمناسبات العائلية والاجتماعية والدينية فهو سعيد بما هو عليه وشعارهم (القناعة كنز لا يفنى ) أو كما قال أجدادنا المغفلون ( يا هو أبو باجر ).. واغلب أوقاتهم هم غافلون خصوصاً بعد حصاد الزرع أو بعد القطاف وكأنها فترة راحة لهم يتابعون فيها مشاكل العشيرة وإيجاد الحلول لمشاكلها المتجذرة , كل واحد فيهم يعيش تاريخه السحيق ويتمتع بأوهامه والشك عنهم مرفوض والتمرد على العادات والتقاليد السائدة نوع من أنواع الكفر والإلحاد.
فإذا تمرض احدهم لجأ إلى السيد ليقرأ عليه أو يضربه بنعاله المتسخ حتى يشفى , أو يؤتى بكوب ماء ويتمتم عليه كلمات غير معروفة لكي يشربه المريض ويشفى , حتى المرأة التي لا تنجب يقرءون عليها بطرقهم المبهمة التي لا يعرفها عامة الناس , كذلك زوجة السيد ( العلوية) مقدسة عندهم وبناته لا يجرؤ أحد على خطوبتها من عامة النساء فهي لا تتزوج إلا من سيد أما العامي أحيانا يكون خط أحمر.
وإذا فاض النهر أو حل القحط بهم لجئوا إلى السيد أيضا لكي يوقف الفيضان ويحل عليهم الغيث عندما تصبح السماء كالرصاص لا تمطر والأرض كالحديد لا تزرع…فهم يقدمون السيد عليهم وعلى شيوخهم عند دخولهم بيوت الآخرين وبيوتهم والأماكن العامة, وفي المناسبات الاجتماعية .
****
فالصينيون كلما وجدوا حيوان أكلوه , والهنود يعبدوه , والعراقيون كلما وجدوا أمي قدسوه ليقودهم نحو الهاوية التي يستحقون.
يقال إن سجين عرقي أيام النظام السابق طلب كتاباً للمطالعة من إدارة السجن الذي هو فيه ,وأعطاهم اسم الكتاب فجاءه الرد بعد فترة وجيزة : إن الكتاب المطلوب ليس موجودا ,لكن الكاتب موجود لدينا إذا كنت تريده.
التعصب المذهبي :
مشكلة رجال الدين أنهم حين يتحدثون عن الدم والسيف والرمح والجهاد في سبيل الله وحال المسلمين الذين تقاتلوا على الخلافة وأحقية البعض منهم بالوصول إلى كرسي الولاية ووراثة هذا الكرسي المقدس الذي يجب أن يكون مصمم على قياس فئة معينة, وضرورة عدم التعدي عليه من قبل الآخرين , لأنه منزل من السماء على أرض مكة والمدينة ثم أنتقل بالوراثة إلى مدينة الكوفة ودمشق وبغداد لفئة من الناس دون غيرهم غافلين بان تلك النظريات شقت صفوف العرب والمسلمين في كافة أنحاء العالم.
عند زيارتي لأحدى مجالس العزاء في مدينتي وجدت الناس قد تجمعوا بانتظار الشيخ المعمم , وكان هذا الشيح معلماً في إحدى مدارس المدينة يدُرس تلاميذه مادة التربية الإسلامية , التي لم تفلح بتعديل اعوجاج طلابه الذين يثيرون الفوضى حين خروجهم من المدرسة بعد انتهاء الدروس .
هذا الشيخ قرر أكمال دراسته في أحدى الحوزات الدينية في النجف بعد أن تتلمذ على يد رجل دين فقيه يحمل درجة أية الله العظمى , وهو يتوق الوصول إليها بسرعة البرق, كما يتوق لقضاء عمره في نشر الحزن الدائم بين مستمعيه المغفلين , وهو مقتنع بما يعمل لأنه يجد أذان صاغية له وعيون جاهزة للبكاء حينما يروي قصص البطولة والقتال , دون ذكر المستقبل وما يحمله من طموحات للشباب والانجازات العلمية للحضارة الغربية , أو ما يجري في الصين من تطور علمي هائل رغم الأغلبية البوذية , أو من لا دين له أساساً .
والسبب بسيط هو إن القديم سوف يزول بزوال هؤلاء الناعين , وسوف يغلُبون كما غلَبت أمريكا نظام البعث في العراق حينما قال صدام حسين (1937 -2006 ) في إحدى المقابلات التلفزيونية بان الطائرات الأمريكية سوف نسقطها ببندقية البرنو , وما هي إلا أشهر معدودات حتى وجدنا صدام ورفاقه المناضلين في قفص الاتهام لينالوا ما فعلت أيديهم .
****
كثير ما كنت استمع لأحاديث أصحاب المنابر الذين يتكلمون عن المعجزات باعتبارها أمر خارق للعادة يظهره الباري تعالى على يد أنبيائه وأوليائه , والمعجزات التي كان الأئمة يأتون بها هي واحدة من سبل إثبات إمامة الأمام , وبحسب القواعد الإسلامية فانه (من مات وليس له إمام ,مات ميتة جاهلية).
بحيث أصبحت مولعاً بسماع خطبهم الرنانة التي يبثوها عن طريق قنواتهم التلفزيونية وتنتابني الدهشة حين يرد بعضهم على بعض بكلمات نابية , رغم تقديم أنفسهم للمشاهدين بأنهم محايدون ويدعون للوحدة الإسلامية.. فكل واحد يجمع الأدلة والبراهين ليقدم حقائق عن تلك الشخصية التي حكمت قبل مئات السنين ويمجد انجازاتها, ويذم بقية الحاكمين لعدم توفر شروط العدالة والكفاءة فيهم, مدعيا بأنهم ظلمة ارتكبوا جرائم تقشعر منها الأبدان .
تصور يا سيدي القارئ انك في مكة المكرمة وتطلب من رجل دين أن يحدثك عن معركة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين (ع) وصحبه الأبرار, وأنت اعتدت منذ الصغر الذهاب إلى مواكب العزاء في العراق والبكاء فيها فماذا تتوقع قولاً منه ؟.. سوف يقول لك : أشركت يا رجل أولا ثم يقول : أنهم جميعا صحابة رسول الله (ص) وأخطأ من أخطأ منهم ولكنهم جميعا يدخلون الجنة أي الجلاد والضحية .
هذه الثقافة ورثها كل منا من محيطه الذي ولد فيه أو المحيط الذي رحل إليه أجداده الأولون الذين نزحوا من المناطق السنية غرب العراق إلى المناطق الشيعية وسط وجنوب العراق خلال فترة حكم الدولة الصفوية (1501- 1736) في إيران , وحكم الدولة العثمانية (1299- 1922) في تركيا اليوم.
****
نتيجة الظلم الذي تعرض له العراقيون عبر التاريخ الإسلامي اخذ الكثير منهم يؤمن برجوع المخلص لهم , حتى إن البعض منهم قال : انه التقى به وكلمه واخبره انه قادم لا محالة وطلب منه أن يبشر الناس بقدومه ,هؤلاء المساكين يطلبون النجاة فلم يجدوها في أبناء طائفتهم رحمة ورأفة بل تحول الكثير منهم إلى سراق وقتلة يملكون المال الحرام والسلاح المنفلت .
ومما زاد في الطين بله منع الشيعة من ممارسة طقوسهم العبادية وبالخصوص في العاشر من محرم ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي (ع) وزيارة يوم الأربعين والمسيرات والمواكب الراجلة , وقراءة المقتل , ومجالس العزاء , وقد أدى هذا بهم إلى التطرف المذهبي والتمسك بحب إل النبي والإشادة بفضلهم , واعتبار الإمام الحسين (ع ) مصباح الهدى وسفينة النجاة التي توصلهم إلى الجنة , وأخر ولد من ولده هو مخلصهم من الظلم والاضطهاد الذين هم فيه.
لقد ترك العراقيون الحسين وحيداً في الكوفة عرضة لسيوف (عمر بن سعد وعبيد الله بن زياد ) ثم تمسكوا به بعد استشهاده , تلك الحادثة الكبرى التي دفعوا من اجلها مئات الألوف من الضحايا على أيدي الجلادين الأمويين والعباسيين و البعثيين وأخيرا الدواعش خوارج العصر.
****
من الجدير بالذكر أن الأطفال كانوا ينسبون لأمهاتهم في عصور ما قبل التاريخ إذ كانت تعتبر الأم هي رأس العائلة , كونها هي من تهبهم الحياة والغذاء والتربية والحب والأمان , فكانت تحظى بقدسية كبيرة إلى أن حدث الانقلاب ألذكوري وأصبح الأب هو هرم البيت المسيطر والمدير لكل شؤونه.
وحتى خلق الإنسان لم يأتي بأمر من أحد الآلهة الذكور وإنما صدر من إلهة أنثى , كما أفادتنا به أسطورة أنكي وننماخ السومرية حينما طلبت الإلهة نمو من أبنها أنكي أن يخلق خدما للآلهة ،
ولأن للمرأة حرمتها واحترامها في العراق، فإنها إن فارقت الحياة وأريد الإعلان عن ذلك عبر إقامة مجلس فاتحة وترحم لها، فإن ذويها يحجمون عن ذكر اسمها ويشيرون إليها بالعُلقة كأن يكتبوا “عقيلة فلان ” أي زوجته، أو “كريمة فلان ” أي ابنته، أو “والدة فلان “، وهكذا في بقية النسب “شقيقة فلان” أو “خالة فلان” أو “عمّة فلان” أو “جدة فلان”، من هنا واحترامًا للعرف الاجتماعي : (يجوز ذكر أسماء الأنثى عند غير المحارم إلا مع عدم رضا الشخص نفسه)، ويضيف الفقيه الشيعي المقيم في لندن محمد صالح الكرباسي : (تسمية الأنثى عند غير المحارم إذا كان مستهجنًا عند شريحة من الناس وكان يسبب إيذاءً فلا يجوز ذلك، حيث جرت العادة عندهم بعدم ذكر أسماء حريمهم احترامًا وتكريما).
وفي معظم المجتمعات الإسلامية ما يشغل بال الأب وإلام بعد أن يرزقهم الله تعالى بطفل هو مسالة تسمية الطفل فالاسم له تأثير مباشر على شخصيته وعلى حضوره في المجتمع , محمد للصبيان وفاطمة للبنات لان الكثير يعتقد بان الفقر لا يدخل بيتا فيه اسم فاطمة , حتى البعض منا غالى بالتسميات تلك واخذ يسمي الأولاد ( عبد علي و عبد الحسين و وعبد الحسن و عبد الزهرة).
حتى أن أحد قراء القران الجيدين في مدينتي كان أسمه (عبد الزهرة العماري), وتم قبوله في وزارة الأوقاف خلال تسعينيات القرن العشرين ليقرأ القرآن في جامع أبو حنيفة النعمان (رض) في مدينة الاعظمية, وفي تلفزيون الشباب الذي كان يشرف عليه ابن الرئيس آنذاك , لكن الإخوة هناك غيروا أسمه من عبد الزهرة إلى عبد الزاهر… تلك الطامة الكبرى.

ثقافة الخوف :
طبقا للتعاليم الدينية لابد للوالي السياسي إن يعامل الناس على أساس الرأفة والرحمة والليونة , فالقسوة وعدم التمتع بالمرونة تسبب الكثير من المشاكل والمتاعب لأي أذا ما اتصف بها .
وعلى امتداد تأريخا العربي والإسلامي طُبق مبدأ سياسة الخنوع والاستعباد لعامة الناس مما سهل على الخلفاء والحكام القدرة على تدليس حقيقتهم كرجال منصفين وحاكمين باسم الإسلام والشريعة , وهذا ما تبناه (وعاظ السلاطين ) الذين عملوا جاهدين على ترسيخ التأريخ المشوه والمعتوه والمنفلت , أما بجرائم غزوات أو انصياعه لتقبل الأحداث والأفكار الجاهزة والاقتناع بها خوفاً على حياتهم وأملاكهم دون مراجعه فكرية راجحة, وتناقلت تلك القناعات عبر الأجيال وكأنها تراث أمه وتوجت بالتجهيل المستبد والجهل السائد.
وهل ترك الحكام والسلاطين مجالاً للمؤرخين والمبدعين أن يدونوا حقائق التاريخ ؟ أم أن سياط الخوف والمقاصل كانت مسلطة فوق رقابهم إن هم حاولوا الاقتراب من الحقيقة ,حتى اضطروا إلى الالتفاف حولها وترميزها وتغليفها بألف قناع وقناع حتى اختفت وراء آلاف الحجب والجدران…نحاول اليوم وبكل ما أوتينا من جهد أن نفهم ما كتبه (ابن عربي والحلاج وكبار الصوفية ) و كبار الفلاسفة والمفكرين فنعود أغلب الأحيان خائبين.. كل ذلك بسبب ثقافة الخوف التي سادت العالم على مر العصور .
وهنا نجد الأحزاب الحاكمة وبما تحمله من نوايا استغلالية للإنسان والثروات وجدت المناخ الملائم لنفوذها والهيمنة على مقدراتنا .. أرضاً وإنساناً نتيجة لمن حكموا في تأريخنا المستلب الإرادة , الذين قمعوا وشنوا بأس حقدهم وإبادتهم للمفكرين والفلاسفة والعلماء المسلمين. من أمثال ( إخوان الصفا والمعتزلة والقدرية ) وكافة العلماء والمفكرين والفلاسفة وغيرهم , فأبيدوا جميعاً أو أحرقت مؤلفاتهم بطرق خسيسة باتهامهم كل عقل مفكر وراجح بالزندقة , وتكفيرهم كما هو الحال في يومنا هذا وهي أسهل وسيله لمحاربة أية عقل ناضج يخلق وعياً وينمي الإرادة لدى جموع الناس كي لا تنكشف للعامة ضحالتهم .
****
والوطنية ليست بالشعارات التي يتشدق بها حماة مصالح دول أجنبية على حساب مصالح العراق , لكن بالعمل وبالتفاني” أكثر ما مس مشاعر العراقيين في كل بقاع العالم الكلمة الطيبة عن وطنية (ظافر فؤاد الياهو 1960-2021) آخر طبيب يهودي عراقي رحل إلى جنات الخلود , والذي فضل البقاء في العراق بدلاً من تسفيره إلى إسرائيل .
والطبيب العراقي من مواليد 1960، تخرج من كلية الطب بجامعة بغداد 1984، وهو أخصائي جراحة العظام والكسور في مستشفـى الوسطي ببغداد، إذ رفض مغادرة وطنـه العراق رغم المغريات الكثيرة التي عرضت عليه .
****
حينما صفقنا لصدام وسلمنا له مقاليد الامور أوخر عام 1979 باعتباره فارس الامة العربية وبطل التحرير القومي , كنا نتوقع منه ان يحكم بين الناس بالعدل والانصاف , ولكن بعد فترة قصيرة صار مستبدا يقتل معارضيه شر قتله , ويبني القصور من اموال العراق , ويحارب دول الجوار ,وهو يعتقد انه عادل , لكنه أصبح كالمجنون الذي ينطق باجمل الافكار واروعها , رغم ذلك لا يستطيع ان يقود الناس او يكون مصلحا اجتماعيا… وكما قال الفيلسوف أبو نصر محمد الفارابي (874- 950) : انه اذا تولى امر المدينة رئيس لا يتصف بالصفات الحميدة تعرضت المدينة الى الهلاك بعد مدة .
يقال ان صدام حسين تناول رشفه من الويسكي مع رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي السابق الكسي كوسيجن(1904 – 1980) عند زيارته العراق في منتصف سبعينيات القرن العشرين بعد أفتتاح أحدى محطات النفط في مدينة البصرة , فاصبح مجنونا واخذ العراقيون يتهامسون فيما بينهم ان صدام صار مجنونا , وانه يجب ان يخلع , فأمر صدام ببناء البارات والنوادي الليلية والملاهي ليشرب جميع العراقيين الويسكي والفوتكا والبيرة لكي يبقى عليهم رئيسا… وحينما هتفوا بعد الانتفاضة الشعبانية عام 1990 ( أنريد حاكم جعفري).. أمر صدام بغلق البارات والنوادي الليلية والملاهي واطلق حملته الايمانية, كرد فعل على تلك الانتفاضة وكرد فعل أخر على مرجعية رجل الدين الشيعي محمد صادق الصدر(1943- 1999) الذي أغتاله لاحقاً.
استقل صدام حسين القطار الإسلامي, لكن في نفس الوقت، ظل الكثير من أعضاء الحزب علمانيين. لضمان ولاء أعضاء الحزب، فإن محادثات الحزب الداخلية كان يراد لها أن تقودهم إلى الاعتقاد بأن أسس وأيديولوجية الحزب العلمانية تظل كما هي, رغم أن صدام أسلم نظامه، والذي كان حتى ذلك الحين أحد أكثر الأنظمة علمانية في العالم العربي، لم يكن يمكنه الاعتراف بذلك لقاعدته الحزبية لأن ذلك كان يمكن تفسيره على أنه استسلامٌ كامل للإسلام السياسي الإيراني والسعوديين والإخوان المسلمين.
الانتخابات اليوم :
إن المجتمع العراقي الجديد بعد أن تخلص من دكتاتورية الحزب الواحد ,والقائد الضرورة , وضع له الأمريكان طريقة لا باس في اختيار (مجلس النواب) وهو ما يسمى – نظام التصويت – فهناك صناديق مغلقة تشرف عليها المفوضية العليا للانتخابات , ويدخل كل ناخب يحمل هوية خاصة وراء ستار ليكتب اسم مرشحه سرا , ويضعه في الصندوق بعد ختم أصبعه بالحبر الأزرق.
في ظل “الجدل المستمر”، بشأن قانون الانتخابات النيابية، تبرز دعوات سياسية إلى اعتماد النظام البايومتري في الانتخابات المقبلة المزمع إجراؤها ، من اجل عدم مصادرة إرادة الناخبين في البلاد.
والنظام البايومتري هو اخذ بيانات الناخبين الحيوية من البصمة والصورة الشخصية للناخب لغرض ضمان اسمه في الانتخابات، كما يحد هذا النظام الذي تعتمده اغلب الدول المتقدمة من التزوير., كما تم التعاقد مع شركة بريطانية للإشراف على تلك الانتخابات.
المجتمع العراقي ومن خلال مسيرته التاريخية الطويلة يعتبر مهد الحضارة العالمية ومنبعها الأول في سومر وبابل وأشور , قد لا يخلو تاريخه من مشكلات داخلية وخارجية , وبهذا ترى الناس يتصارعون وينقسمون , وهذا أمر طبيعي لا يمكن الخلاص منه عبر الخطب الدينية التي يتبناها رجال الدين اليوم من على المنابر ولا المحاضرات السياسية التي يطلقها كبار المسئولين في الدولة في أجهزة الإعلام.
فإذا فاز حزب ما في الانتخابات بعد حصوله على أغلبية أصوات الناخبين يجب إن تكون بقيت الأحزاب في صفوف المعارضة وتبتعد عن دفة السلطة التنفيذية , وهو ما لم يحصل في العراق , لان الديمقراطية الموجودة هي ديمقراطية توافقية لا تسمح لحزب أو طائفة أو قومية الانفراد في حكم العراق, فهم إن لم يشاركوا في الحكم لتنازعوا وتناحروا ولعن بعضهم بعضا كما يفعل باعة المفرد في منطقة الشورجة وسط بغداد.
وعند البدء بالحملة الانتخابية يغدق المرشحون الأموال والولائم على الناس وكل واحد فيهم يستعين بإفراد عائلته وعشيرته الأقربون , يعملون له الدعاية بين عامة الناس وتجميل صورته لعله يحضا على مقعد في مجلس النواب أو حقيبة وزارية تمكنه من رد الجميل لمن ساهم في انتخابه, حتى أن البعض منهم حولها إلى وزارة عائلية وضيعة له والى أبناء عمومته وطائفته حتى يأخذ ما يريد دون رقيب.
****
استقال وزير البيئة الفرنسي( فرانسوا دوروجي ) من الحكومة على خلفية فضيحة فساد,وتأتي الاستقالة على خلفية إثارة تقارير إعلامية استقصائية جدلاً واسعا في فرنسا، بعدما كشفت عن حفلات بذخ للوزير وزوجته التي تعمل صحفية في مجلة لأخبار المشاهير، قالت إنها على حساب أموال دافعي الضرائب الفرنسيين.
ونشر أحد المواقع على الانترنيت صوراً لأطباق من الجمبري الضخمة وزجاجات من النبيذ الفاخر، التي يتخطى سعرها 500 يورو للزجاجة، في إحدى حفلات العشاء التي استضافها دوروجي وزوجته، ما أثار الاستياء وأطلق دعوات له للاستقالة,وذلك في الفترة التي تولى فيها رئاسة البرلمان، من يونيو 2017 إلى أكتوبر2018 .
****
عيب إخواننا البرلمانيين أنهم صعدوا فوق كراسي الحكم ولم ينزلوا منها بسهولة , وفي كل دورة انتخابية تجد نفس الوجوه السابقة التي تحاول تبرير وجودها من خلال أجهزة الإعلام فهم خاملون كعادتهم ,لا تجدي أفعالهم في تحفيز المجتمع وتطوره , ولم يتعظوا من التظاهرات الشبابية المستمرة في العاصمة بغداد والمحافظات الجنوبية , وما قدمه شباب انتفاضة تشرين من دماء زكية تجاوزت الإلف مواطن بين شهيد ومغيب , ومئات الجرحى والمعوقين .
عملهم هذا كعمل الخليفة العباسي (هارون الرشيد 766- 809) م الذي وجدناه يشتري بأموال المسلمين ثلاث ألاف جارية فلا يحاسبه أو يعترض عليه احد , ولا يمكن القول للسلطان انك ظالم أو مستبد ما لم يُحز رأسه , أما إخوتنا البرلمانيين البعض منهم اشترى فنادق وفلل في دبي وبيروت , ولا نعرف هل لديهم جواري أم لا ؟.. وإذا اعترضت عليهم تقتلك ميليشياتهم المسلحة شر قتلة, بعدها تقوم الحكومة بإصدار قرار يعتبرونك شهيد كما فعلوا مع المتظاهرين و المغدورين.
العراقيون لم يصلوا إلى مرحلة الديمقراطية الناضجة رغم مرور ما يقرب من عشرين عاما على سقوط الدكتاتورية البعثية , بسبب الأجنحة المسلحة للأحزاب الحاكمة من جهة , والتدخلات الأجنبية في شؤون العراق , والسلاح المنفلت الذي يستخدمه الطفل والمرأة والرجل على حد سواء , وبذلك ضعف الحاكم إمام تلك الأجندة الجديدة , واستطاع الكثيرون مقارعة الدولة وبنفس السلاح .. بينما كان صدام وحزبه يملك من الجلاوزة الغلاظ ,والحرس الجمهوري الخاص , والأمن والمخابرات ومليشيات حزبه عدداً يصعب على الآخرين مقارعته والنيل من حكمه , ما اضطر المعارضون لحكمه الهرب خارج العراق , ومن تبقى منهم داخل العراق فتك به , مثلما فتك الحجاج بن يوسف الثقفي بأهل الكوفة.
****
ولكن يبقى النظام الانتخابي أفضل من النظام الدكتاتوري المستبد لان البلد يتقدم فيه بالتنافس والتنازع رغم إراقة الدماء وخسارة الأموال .
فمنذ إعلان الجمهورية في العراق عام 1958 حتى عام 2003 حكم العراق خلال تلك الفترة البالغة (46) عاما خمسة رؤساء , ولم ينه أي منهم مدة رئاسته بسلام , فقد تنحوا عن رئاستهم بالانقلاب العسكري والقتل أو العزل الخفيف أو العنيف, ومنذ عام 2004 حتى عام 2021 حكم العراق أربعة رؤساء, جاء ثلاثة منهم عن طريق الانتخابات البرلمانية .
بعد عام 2003 انقلبت الصورة حينما وصل إلى الحكم من يشعر انه قد تبوأ المنصب بفضل هذه الدولة أو تلك، وان بقاءه فيه يعتمد على جعل البلاد تابعة لهذه الدولة أو تلك ,وإنما ينطبق على كل ممثلي المكونات الأخرى، فمثلما هناك قسم يعتبرون إيران هي مرجعيتهم وأنهم يجب أن يفعلوا كل ما في وسعهم لإرضائها ، فان هناك من يعتبر تركيا كذلك، وآخرون ينظرون لدول الخليج بنفس النظرة، وقسم رابع ينظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية بنفس الطريقة , لذلك أصبحت مسألة التنمية الاقتصادية مسألة مستعصية على الجميع لأسباب داخلية تتعلق بالفساد وضعف الضمير الوطني , وخارجية تتعلق بإغراق السوق العراقية بالسلع والبضائع المستوردة من دول الجوار.
إن مسألة استخدام الموارد الطبيعية ليس قضية فنية أو سياسية فحسب بل هي مسألة حقوقية وبيئية في المقام الأول, والمتابع لملفات إدارة الموارد الطبيعية في العراق، وخاصة البترول والغاز الطبيعي، يجد أن غالب هذه الحقوق قد جرى إهدارها، بسبب ممارسات الفساد، ونتيجة لانعدام الشفافية وغياب ضمانات للمشاركة الحقيقية للمواطنين في اتخاذ القرارات الاقتصادية الحيوية.، وعدم مراعاة الجانب البيئي والإنتاجي.
مثال واحد فقط :
تحدث رئيس هيئة النزاهة في مجلس محافظة النجف في مقابله له على إحدى القنوات الفضائية عن الفاسدين ومنهم عضو مجلس محافظة النجف السابق (جواد الكر عاوي ) ممثلا عن التيار الصدري في مجلس المحافظة , الذي كان يسكن في دور التجاوز في – حي الرحمة – قبل أن يصبح ممثلا للتيار الصدري ونائب رئيس الهيئة لمطار النجف .
ذهب هذا النائب مع مجموعة من أعضاء المجلس إلى جزيرة صغيرة تقع في جنوب أمريكا تسمى جزيرة ( سانت كريستوفر كينس ) وهي دولة اتحادية صغيره تقع غرب الولايات المتحدة الأمريكية , تمنح جنسيتها لمن يشتري فيها شقه .. إلا إن عضو المجلس (جواد الكرعاوي ) اشترى عقارات في هذه الجزيرة تجاوزت (80) مليون دولار ومُنح جنسيتها , والكر عاوي هذا يملك عقارات ضخمة في محافظة النجف وخارج العراق بعد النهب الكبير من مطار النجف التي لا تعود إيراداته إلى خزينة الدولة , بل توزع بين خمسة أحزاب فاسدة وبعلم الحكومة… واترك التعليق للقارئ الفطن.

 

الفوضى الدنماركية :
زوجة رئيس وزراء الدنمارك السابق ، وزعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي *”لأرس لوكه راسموسن 1964″*، تعمل كمعلمة في إحدى المدارس ، وقد استدعاها مدير المدرسة لاجتماع طارئ لمناقشة أخطائها في العمل كمُدرّسة عِلما أنّ القانون في الدانمرك يسمح أن تُحضر معك مرافقا في هذه الحالة ، حتى يكون شاهدًا على أحداث الجلسة.
وبالطبع أحضرت المعلمةُ معها زوجَها والذي هو رئيس الوزراء ، ليحضر معها الاجتماع بصفته زوجِها ، ورغم ذلك انتهى اللقاء مع المدير *بفصل المعلمة نهائيا من العمل كمعلمة في المدرسة رغم وجود الزوج رئيس الوزراء !!
بالطبع الصحافة لم ترحمْه والمعارضون اتّهموه بأنّ الهدف من وجوده في الاجتماع هو للتأثير والضغط على قرار إدارة المدرسة .
في القصة *عِبَرٌ كثيرة منها :
– كيف يتجرأ مدير المدرسة على استدعاء زوجة رئيس الوزراء لاجتماع يناقش أخطاءها ؟!!
– والأدهى من ذلك كيف يتجرأ على إقالتها وزوجها رئيس للوزراء ؟!!
– والأكثر عجبا من ذلك كيف أن زوجة رئيس الوزراء تعمل كمعلمة أصلاً ..
يا إلهي كل هذه الفوضى تعم الدنمارك ونحن لا نعلم !
العلمانية والإصلاح الديني :
بعد عودة الدين في عالمنا المعاصر، عاد سؤال الدين والسياسة من جديد حتى في دول غربية علمانية بحيث أصبح فلاسفة معاصرين يراجعون موقفهم من الدين وخاصة عند الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني (يورغن هابرماس 1929) الذي أكد على دور الدين في الفضاء العمومي ,انطلاقا من النماذج التاريخية التي وضعتها في السؤال ،أظن إن النموذج الخامس المنتشر في الدول الاسكندينافية ،حيث الارتكاز على دين الأغلبية والانفتاح على باقي الأديان هو الأنسب في بلداننا العربية ، فكل المكونات الدينية والسياسية لها الحق في التعبير والتنظيم ,المحدد الأساسي في علاقاتنا السياسية هي الانتخابات والقرارات تتخذ بشكل ديمقراطي وسيادي ,كما يجب القول بان كل النماذج الدستورية هي تاريخية ونسبية فكل مجتمع حسب ظروفه الثقافية والسياسية والدينية يمكنه إن ينتج نموذجا دستوريا , ليس هناك نموذج أفضل من الأخر، فكل نموذج محكوم بتاريخيته ونسبيته.
“العلمانية” – التي تفصل بين الدولة ونظامها السياسي وبين الدين – هي وحدها التي يمكن أن تفتح آفاقا للحرية والعقلانية وتعدّد المعاني , الدين شأن المتديّنين، ومهمّة الدولة أن تضمن حرية الجميع، وتحمي البعض من البغي على البعض باسم الدين أو باسم هذا المعنى أو ذاك لدين بعينه, لكنّ العلمانية لا يمكن أن تتأسّس دون الإصلاح الديني، هذا ما تحقّق في أوروبا القرن السادس عشر, وأحدثها فلاسفة أوروبا، تلك الثورة التي على أساسها تحقّقت الثورة الاجتماعية والسياسية التي أرست مفهوم “المواطن”، وأحلّته محلّ مفهوم “الرعية”.
بينما يرى البعض أنَّ الفصل الجذري بين الدين والحياة العامة محاولة مستحيلة أو شبه مستحيلة؛ لأن الدين جانب أصيل لا يمكن إنكاره من جوانب الحياة الاجتماعية والثقافة الإنسانية، فضلا عن أنه جزء لا يتجزأ من مكوِّنات الشخصية الإنسانية، إلا إذا أنكرنا البُعد الروحي في الإنسان، الذي يمثِّل الدين أحد تجلياته, وبالنسبة لمن يرددون أنَّ الدين شأن فردي خاص، فأعتقد أنَّ هؤلاء ينسون حقيقة مفادها أنَّ الحياة الفردية الخاصة لا يمكن فصلها عن الحياة الاجتماعية العامة, وبالتالي، حتى لو كان الدين تجربة ذاتية، فهذه التجربة الذاتية تؤثر وتتأثر بالحياة العامة بكافة جوانبها ,فما المانع أنْ يؤثر الدين في الحياة السياسية والفقه القانوني والدستوري طالما أنَّ هذا التأثير تأثيرا إيجابيا، أيْ يخدم تطور وازدهار الاجتماع الإنساني. فكما يمكن توظيف الدين بطريقة خاطئة تخدم مصالح وأيديولوجيات ضيقة، فمن الممكن توظيفه توظيفا صحيحا يخدم الصالح العام وتطبيق حقوق الإنسان ,أليست هناك قيم وفضائل مشتركة بين جميع الأديان السماوية يرضى عنها الجميع، بما في ذلك الملحدون أنفسهم؟! أعتقد أنَّ السبب الحقيقي الذي يقف وراء اعتراضات الملحدين ليس هو الدين ذاته، بل الممارسات المشينة للمتدينين، والأهم من ذلك الممارسات المنحرفة للسلطة السياسية باسم الدين.
فهل بوسع أيّ إنسان، حتى لو كان ملحدا، أنْ يرفض أو يعترض على المحبة في المسيحية، وحق الحياة في اليهودية، والعدل والتكافُل في الإسلام, والدين الإسلامي نفسه أقرّ بحوار الحضارات والثقافات من خلال التأكيد على العيش المشترك مع الآخر واحترام خصوصيته وحريته في الاعتقاد. ويشهد على ذلك العديد من الآيات القرآنية، مثل :
– (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إنِّ أكرمكم عند الله أتقاكم إنَّ الله عليمٌ خبير) [الحجرات: 13].
– (وَلَوْ شاء ربك لآمن مَنْ في الأرض كلُّهم جميعًا أفأنت تُكره النَّاس حتى يكونوا مؤمنين) [يونس: 99]
– (وقُل الحقُّ من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) [الكهف: 29].
الاستنتاجات :
خلال القرن الماضي والقرن الحالي صاحبت حياة المواطن العراقي تحولات عدة مفاجئة، نتيجة لظروف مرت به، منها الهجرة من الريف إلى المدينة، حينما ساءت حالة المعيشة في الريف لأسباب تتعلق بالاضطهاد والقحط أو الفيضان وغيرها، كما حدث في العراق في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، أو هجرة أبناء المدن للريف، كما حدث في تسعينيات القرن الماضي بسبب الحصار الاقتصادي الذي فرضه المجتمع الدولي على العراق نتيجة احتلاله لدولة الكويت (1990 – 1991) والذي دفع الناس إلى البحث عن أرض زراعية ليعيشوا بزراعتها، فالمواطن الذي تنتابه مثل هذه الظروف ويأتي إلى المدينة، ويجد سلطة ونظام لا يعرف عنه ولا عن إيديولوجيته شيئاً ولا عن قوانينه، نجده ينصاع بالطاعة، وتحسن السلطة ترويضه، فضلا عن القوانين المدنية الخاصة بالحياة العامة التي تدفع إلى ترويض نفسه، وتذويب العصبيات القبلية والريفية إزاء هذه القوانين، حتى توفر له الأمان والاستقرار في هذه المدن، فنجده يألف الحياة وقوانينها ويعتاد عليها، دون أن يعرف كيف له أن يتفاعل مع تلك القوانين، حتى لا تتحول الألفة إلى انصياع أعمى لكل ما يصدر من السلطة.
********
وتم خلال تلك الأحداث المتلاحقة تحطيم البنية التحتية الصحية والاقتصادية والصناعية والزراعية والعلمية وانتشار الأمراض وتوسع دائرة الفقر والجهل , تلتها فترة احتلال أجنبي مهدت وهيأت أرضية خصبة للصراعات المذهبية والقومية واغتيال العقول المفكرة , وظهور عصابات داعش الإرهابية , ونشر الفساد السياسي والإداري وما تبعه من فساد في مختلف الجوانب الحياتية , مما أدى إلى تدهور جميع مقومات التنمية الوطنية واختفاء المنتج الصناعي والزراعي والصحي العراقي أو قلته وعدم كفايته لإشباع المتطلبات الداخلية، إضافة إلى ظهور طبقة سياسية لا تهتم إلا بمصالحها الذاتية وتقلصت المساحات الزراعية وتدهورت البنية الصناعية , وانخفض مستوى المعيشة وزادت البطالة لا سيما فئة الشباب… ومن ثمّ ظهور مشاكل دينية / طائفية وسياسية واجتماعية وأخلاقية وحتى بيئية نخرت ولا زالت تنخر في جسد الأمة العراقية الناهضة نحو الإصلاح , منها ما هو داخلي , والأخر ريح صفراء قادمة من خارج البلد .
المصادر
1- كتاب مهزلة العقل البشري … الدكتور علي الوردي/ دار ومكتبة دجلة والفرات.. بيروت
2- كتاب دراسة في المشاكل الأخلاقية والنفسية… السيد مجتبى الموسوي اللاري… إيران
3- مجلة المنبجسات الرضوية العدد 13 لعام 2014…. إيران
4- جريدة المثقف الصادرة في استراليا / سدني… أعداد متنوعة
5- موقع كتابات
6- موقع دنيا الوطن