18 ديسمبر، 2024 9:14 م

وداعاً أيها المفكر والأكاديمي والمناضل اليساري والناقد الأدبي والمترجم المميز رحيل الأستاذ الدكتور جميل نصيف التكريتي

وداعاً أيها المفكر والأكاديمي والمناضل اليساري والناقد الأدبي والمترجم المميز رحيل الأستاذ الدكتور جميل نصيف التكريتي

الدكتور جميل نصيف من أصدقائنا المميزين الذي لم تنقطع علاقتنا به حتى عندما افترقنا بحكم الظروف المحيطة فقد توجه الى العاصمة البريطانية لندن ونحن حط بنا الرحال في العاصمة النرويجية أوسلو فكانت بيننا اتصالات هاتفية مستمرة ولقاء تم في لندن عند زيارتي لبريطانيا عام 2019 .

ولكنا علمنا، بمزيد من الأسى والحزن العميقين، بوفاته، عن طريق صفحة  ابن شقيقته الصحفي العراقي المخضرم الأستاذ هاتف الثلج وذلك في يوم السبت 2/12/2023، عن عمر يناهز الرابعة والتسعون عاماً.

تربطنا مع الدكتور أبو هيثم علاقات جيرة وصداقة وزمالة، رحمه الله، كنا نسكن في مجمع سكني واحد  تابع لجامعة السابع من أبريل (جاء د. جميل الى ليبيا في النصف الثاني من تسعينيات القرن الفائت). وبذلك كانت لقاءاتنا مستمرة بشكل يومي ذلك بحكم السكن و الدوام بنفس الكلية.

من خصال المرحوم التكريتي،الهدوء والرزانة وحب الناس:

طيلة فترة وجوده في مدينة الزاوية لم أسمع منه كلمة واحدة يتفوه بها ضد شخص من الأشخاص أو يكره شخصاً ما، وعلى العكس من ذلك نراه ينظر الى الحياة حوله ومن فيها من منظور ايجابي خالص، وفي الوقت ذاته نسمع من الناس وباستمرار قولاً حسناً عنه.

د. جميل سريع البداهة:

رسخ في ذاكرتي موقف حصل في إحدى جلسات مجلس الخميس في بيتي عام 1997 يجسد سرعة بداهة الدكتور التكريتي. يتلخص الموقف بوجود جمع لا بأس من الضيوف والزملاء من مختلف الاختصاصات، من بينهم أساتذة قسم اللغة العربية والدراسات القرآنية، سألت الحضور: يا جماعة الخير نقرأ كثيراً عن فوائد عظيمة للثوم والبصل في حين يذكرهما القرآن الكريم بصيغة لا تدل على ذلك، ما السر في الموضوع؟ ثوان معدودة غط الجميع في صمت كصمت المقاهي وكسر الدكتور جميل جدار الصمت بقوله: ” نعم لا مكان لكرامة ثوم أو بصل أو قثاء أو عدس مقارنة بالمَنِ والسلوى “. جواب مقنع وبليغ وبمنتهى الحِكمة.

من طبائعه، حرصه على سمعة وسلامة أصدقائه:

ضمن هذا السياق، لا أنسى توصياته السديدة قبل ذهابي الى مبنى التلفزيون الليبي، بداية العقد الأخير من التسعينيات، لغرض اشتراكي  ببرنامج الاتجاه المعاكس عبر قناة الجزيزيرة مع الدكتور فيصل القاسم. ولأنه برنامج حي، أي نقل حي بالأقمار الصناعية من طرابلس فهو موضوع حساس تترتب عليه مسؤوليات خطيرة،  يوم كانت الجزيرة واحدة من ثلاث قنوات عربية فقط (أم بي سي والعربية والجزيرة). علماً بأن القاسم أخبرني خلال فترة الاستراحات في البرنامج بأن هناك 150 مليون مشاهداً يتابعون الحلقة حالياً وبينهم 17 رئيس وملك عربي.

كانت حلقة الاتجاه المعاكس حول الحرب التي كانت مستمرة الاشتعال في كوسوفو.

ولا يخفى على أحد خطورة وحساسية الموقف: إذ يخرج غير ليبي (عراقي) من قناة ليبية رسمية يتحدث على الهواء حول حرب قائمة  لازالت مشتعلة، وليبيا لها صراع مرير مع الولايات المتحدة وحلفائها بسبب عدة قضايا أهمها قضية لوكربي.

ولازلت أتذكر وصية وتعليق الدكتور أبو هيثم:” د. جعفر عليك التأني في انتخاب عباراتك ، البرنامج على الهواء مباشرة، والحرب في البلقان لازالت قائمة، ومع ثقتي بك وبقدرتك في تناول موضوع الحلقة بكل علمية وكل جدارة بحكم تخصصك في شؤون البلقان،ولكن من واجبي أن أدعمك وأحثك على توخي الحذر والدقة لأن الليبيين لم يسمحوا، من قبل، لأحد غيرك للحديث عبر قناة بحجم الجزيرة، وبنقل حي من أرض ليبيا”.  وأتذكر عبارة جميلة قالها د. جميل(( أعرف لماذا كان د. القاسم قد ألح إلحاحاً كبيراً وباصرار، على الاخوة الليبيين، بأن تكون أنت لا غيرك ضيفه في الحلقة والسبب ”  لأنه يستطيع أن يجد حتى من الدوحة المئات من يدافعوا عن الحسين ولكن لا يستطيع بان يجد واحداً يدافع عن يزيد بعلمية. “)). والجدير بالذكر أن مقدم البرنامج كان قد اطلع على كتابين صدرا لي هما: كتاب مشكلة كوسوفو( صدر عام 1998 أي قبل اندلاع الحرب بسنة واحدة) وكتاب الصرب الأرثودوكس الطائفة المفترى عليها ( ، وكلا الكتابين من منشورات دار النخلة التي يمتلكها زميلنا العزيز د. مصطفى بديوي).

الفقيد صاحب حضور ومواقف اجتماعية:

    الدكتور جميل نصيف، رحمه الله، حريص على تأدية الواجبات الاجتماعية تجاه أصدقائه ومعارفه فقد حرص على زيارتي في بيتي عندما كنت مصاباً بوعكة صحية، وبصحبته د. كامل الشيبي ومظفر النواب. (الصورة على جدار صفحتي في الفيس).

هذه هي بعض الخصال الطيبة، التي رصدناها ميدانياً وبشكل مباشر، التي يتمتع بها صديقنا الكبير الأستاذ الدكتور جميل نصيف التكريتي.

       إذاً لابد أن نتناول شيئاً من سيرته الذاتية العطرة المليئة بالعطاء والانتاج العلمي

والأدبي الزاخر المتوج بسلوكه الأخلاقي الحميد.

ولد الفقيد في مدينة تكريت عام 1929، وأنهى فيها دراسته الابتدائية والثانوية.

في عام 1950 تخرج من دار المعلمين العالية.

حصل على شهادة البكلوريوس من قسم اللغة العربية- جامعة بغداد سنة 1954..

عمل مدرساً على الملاك الثانوي ثم معاونا لمدير معارف بغداد خلال الفترة 1954—1960.

نال شهادة الماجستير والدكتوراه في النقد من قسم الأدب الروسي الكلاسيكي في كلية الآداب جامعة موسكو 1960- 1067.

عضو هيئة تدريس بقسم الفنون المسرحية بكلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، عام 1967.

عضو هيئة تدريس في قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة بغداد. عام 1971.

تمت إعارة خدماته لتدريس مادة نظريات الأدب الى جامعة الجزائر وقسطنطينة للفترة من 1971 ولغاية 1973.

عمل في قسم اللغة العربية بجامعة الزاوية (السابع من أبريل سابقاً)  من 1996 ولغاية عام 1999.

 لقد أغنى الدكتور جميل نصيف التكريتي المكتبة العربية بانتاجه العلمي الثر طيلة ما يقارب ستة عقود في مجال الكتابة بعزم ومثابرة لايمكن لأي مؤرخ منصف لتاريخ الأدب العراقي المعاصر إلا الوقوف أمام قدرة هذا الاستاذ الفذ.

لقد ترك وراءه إرثاً فكرياً ومعرفياً في مجال معالجات جماليات الأدب والفن والنقد المسرحي المتحد بالعمق الفلسفي.

من مؤلفاته (كما ذكرها هو عن لسانه):

1.   قراءة وتأملات في المسرح ألإغريقي – منشورات وزارة الثقافة والإعلام 1985.

2.   المذاهب الأدبية – دار الشؤون الثقافية 1990

3. الأدب المقارن – تأليف مشترك – مطابع وزارة التعليم العالي 1989

4. ألأدب المقارن – ألف بمنهجية جديدة بناءً على تكليف لجنة المناهج في وزارة التعليم العالي- دار الشؤون الثقافية 2005، على نفقة جامعة بغداد

5. المسرح ألعربي.ريادة وتأسيس—دار الشؤون الثقافية2002

الكتب المترجمة:

1. نظرية المسرح الملحمي- وزارة الثقافة والإعلام 1973

2. في سبيل الواقعية –وزارة الثقافة والإعلام 1974

3. بوشكين. حياته و أدبه – وزارة الثقافة والإعلام 1981

4. نظرية الأدب – منشورات دار الرشيد-وزارة الثقافة والإعلام 1980 ثم أعيد طبعه من قبل دار الشؤون الثقافية عام 1986 تحت عنوان: موسوعة نظرية ألأدب-المجلد ألأول,موزعاً على أربعة أجزاء هي: الأدب الشعبي البطولي – الشعر الغنائي – الرواية – الدراما.على التوالي، آخذين بعين ألاعتبار الإعداد لترجمة المجلد الثاني من كتاب نظرية الأدب ونشرها موزعة على أربعة أجزاء وتحت العنوان العام نفسه. لقد صدرت ألأجزاء ألأربعة تباعاً خلال النصف ألأول من تسعينات القرن الماضي. جدير بالذكر أن حجم الترجمة العربية للموسوعة تربو على ألألفي صفحة.

5. قضايا قوانين فن ألإبداع عند دوستويفسكي – دار الشؤون الثقافية. بغداد 1986,وفي السنة نفسها صدر الكتاب في الرباط – المغرب عن دار توبقال بعنوان— شعرية دوستويفسكي. وصممت له غلافاً جديداً.

البحوث والمقالات:

يقول الدكتور التكريتي: ” يتعذر علي وأنا بعيد عن مكتبتي أن أتذكرالكثير من التفاصيل وسأكتفي بذكرالأهم “.

1. من خصائص ألفن الدرامي عند شكسبير. مجلة المسرح – بغداد

2.دور النقد في تطوير الحركة المسرحية.الأديب المعاصر – بغداد

3. نحو دراسة جادة للحركة المسرحية في العراق. مجلة المثقف العربي – بغداد

4. مارون النقاش رائدالمسرحية العربية. ألأديب المعاصر – بغداد

5.من رواد المسرح العربي. أحمد ابو خليل القباني. مجلة كلية الآداب – بغداد

6.يعقوب صنوع رائد المسرحية العربية في مصر. مجلة الأكاديمي – بغداد

7. ألرؤيا الواعية في مسرحية الخرابة. مجلة الآداب – بيروت

8. بين الجدل في الحياة والجدل في الدراما. مجلة كلية الآداب – بغداد

9. العلاقة الجدلية بين المذاهب الرئيسية في الأدب. مجلة الأقلام – بغداد

10. ألأثر العربي في الأدب الروسي الكلاسيكي.بوشكين نموذجاً—نشر ضمن وقائع أعمال مؤتمر الأدب المقارن الذي انعقد في رحاب جامعة عنابة – الجزائر,ونشر في مجلة نقابة المعلمين في بغداد – اذا لم تخني الذاكرة

11. ألأمثال في تكريت—موسوعة مدينة تكريت

12. بحث يتناول البدايات المبكرة لاهتمام المستشرقين الروس بالأدب العربي—نشر في مجلة الأستشراق— دار الشؤون الثقافية – بغداد

13.نحو منهج عربي للأدب المقارن – بحث القي أثناء انعقاد المؤتمر الأول للأدب المقارن العربي – وذلك في رحاب جامعة عنابة – الجزائر 1984 –مجلة آفاق عربية

14 .الدراما العربية و تحديات العصر – بحث القي أثناء انعقاد مؤتمر الأدباء العرب في بغداد 1986 – مجلة الآداب—عدد خاص, وذلك ضمن عشرة بحوث اختارها المرحوم الدكتور سهيل ادريس, رئيس تحرير المجلةمن بين بحوث المؤتمر

15.هناك بحث حول أهمية الترجمة للأدب المقارن –نشر في مجلة نقابة المعلمين, إن لم تخني الذاكرة

16كتاب الشعر والشعراء –لابن قتيبة –بين قراءتين. بحث القي أثناء انعقاد المؤتمر الرابع للنقد 1992 جامعة اليرموك—ألأردن. مجلة المورد, دار الشؤون الثقافبة – بغداد 1999.

17. هناك مقالات كثيرة لا أستطيع تذكرها جميعاً.

18. أما المقالات والبحوث المترجمة  فأهمها منشور في أعداد كثيرة من مجلة الثقافة الأجنبية ثم تليها مجلة المسرح العدد صفر وآفاق عربية والمثقف العربي.

يعد الدكتور جميل نصيف التكريتي نموذجاً انسانياً راقياً، وقامة علمية باسقة، وعلماً مهنياً شاهقاً ، تفيض محبته للجميع ويحبه الجميع، مسالماً في طروحاته وأفكاره القيمية، طيب النفس وصحبته لا تمل أبداً.

ربنا يرحمه برحمته الواسعة وسكنه فسيح جنانه باذنه تعالى.