23 ديسمبر، 2024 1:29 ص

وحي السماء أم عقل وضمير الإنسان 1/20

وحي السماء أم عقل وضمير الإنسان 1/20

 

تمهيد

هذا الموضوع كتبته تحت عنوان «أيهما حاكم في الدين على الآخر، وحي السماء أم عقل وضمير الإنسان» بأربعة أشهر قبل اعتمادي للمذهب الظني، والذي اعتمدته لمدة تتراوح ما بين أربعة إلى تسعة أشهر، ثم تحولت إلى عقيدة التزيه، أي الإيمان العقلي اللاديني، وبينهما كانت نظرية التفكيك، أي التفكيك بين الدين والإيمان، الذي مثل الحلقة الوسطى بين المذهب الظني وعقيدة التنزيه، بينما تمثل هذه المقالة التمهيد غير المقصود في وقته فكريا ونفسيا للمذهب الظني، والذي مثل جسر العبور إلى اللادينية. أدرجتها في كتابي «لا لدينٍ ﴿يُفسِدُ فيها وَيَسفِكُ الدِّماء﴾»، لكن لارتباطها الوثيق بالمذهب الظني، الذي هو أحد المحاور الأساسية لكتابي الذي كنت أنوي تأليفه، وجدت أن أعيد إدراجها فيه، وكنت قد أدرجت إضافات، وهنا أعيد نشرها مع إعادة صياغة وفق مستجداتي، لكن دون تغيير الجوهر.

هذا البحث لا يدعي إعطاء نتائج حاسمة وإجابات نهائية، بل يريد أن يضع خطوطا ومعالم لطريقٍ للبحث، وأقول «طريقٍ»، ولا أقول «الطريق» بـ (لام) التعريف. ولا بد من الإشارة مسبقا أن البحث يحتاج من غير شك إلى تفصيل أكثر مما جرى، وإلى إيراد نصوص وأمثلة لكل حالة مع مناقشتها وإعطاء أكثر من فهم لكل منها، وبيان ترجيح الفهم المتبنى على غيره، كنت أنوي أن أتناولها في المستقبل. آملا آنذاك أن يكون الموضوع إسهاما في خلق ثقافة جديدة، سواء في أوساط العلمانيين أو عقلاء الإسلاميين، على فرض وجودهم، ومن العلمانيين من المؤمنين الملتزمين أو غير الملتزمين، من المؤمنين بالدين أو غير المؤمنين، وغير المؤمنين بالدين من المؤمنين بالله أو الملحدين، محاولين سوية أن يسهم كل منا في وضع منطلقات سليمة للتفكير، وإن اختلفت النتائج، ومبادئ للتعاطي مع واقع الاختلاف. والكل يعلم مدى ما يكوّنه الإسلام، كدين، أو كسياسة، أو كثقافة، أو كحالة اجتماعية، ما يكونه من محور مهم في واقعنا، وما له من تأثيرات إيجابية أو سلبية، ولعل السلبية هي الغالبة.

بالنسبة لبحث أيهما في الدين حاكِم على الآخر، أهو وحي السماء، أي النصوص الدينية المقدسة عند المؤمنين به، أم هو الإنسان على ضوء إعمال عقله وتحكيم ضميره، أقول كمقدمة للبحث، إن الإنسان مخلوق مركب، يتكون إجمالا، منظورا إليه من زاوية، من ثنائية المظهر والمضمون. المظهر هو شكله الخارجي وحركته وسلوكه وتعامله ومنطقه، أي كل ما يكون الآخرون شاهدين عليه. والمضمون هو ما يُعبَّر عنه بالمحتوى الداخلي، وهذا يتكون بدوره من ثنائية العقل والعاطفة. وما الجانب الإرادي من المظهر الخارجي، أي السلوك، إلا انعكاس للمضمون الداخلي، فتارة يكون انعكاسا للعقل، وتارة للعاطفة، وتارة ثالثة لتمازج العقل والعاطفة، بتفاوت في التناسب بينهما والتفاوت بمدى تأثير كل منهما في الآخر، سواءً كان التأثير إيجابيا بكلا الاتجاهين، أو سلبيا فيما يتعلق بتأثير العاطفة في العقل، والذي نعت حسب المصطلح الديني المعتمد في القرآن بالهوى.