18 ديسمبر، 2024 8:06 م

وحكم على نفسه بالرحيل

وحكم على نفسه بالرحيل

جاء الرجل التقي ووقف على مدخل القرية، قال لأول رجل إلتقاه، أنا تابع نبي قضى وأوصاني أن أصلكم وأدعوكم الى الهدى، والعمل بالرضا ومجاورة الرب، والإبتعاد عن الكذب، وتجنب الخطيئات ماظهر منها ومابطن، وأن تحنو على صغاركم، وترحموا شيوخكم، ولاتقسوا على نسائكم، وأن يكون في التجارات واضحا مكتوبا، وأن يشهد على ماتكتبون شهود عدول، وأن لايتعامل بعضكم مع البعض بمبدأ الغلبة.
    تأمل الرجل في قول هذا التقي فقد كان يعرف قريته وناسها جميعهم، صغارهم والكبار، ويعرف مساوئ لاحصر لها يقترفها السكان، وشكك في نفسه بقدرته على فعل أي شيء ينفع فيغير من سلوك هولاء ويقلب تصرفاتهم لتكون صالحة، وفي النهاية بدا عليه أنه مشفق عليه أكثر من كونه متفقا معه على الطريقة فلديه إيمان أنه سيفشل ويندحر وسيبيض شعر رأسه وقد يصاب بجلطة في الدماغ أو بسكتة قلبية لاتمهله طويلا، أو أن يحمل متاعه ويعود من حيث أتي، لكنه قال في سره، فليدخل القرية وليتحدث وليبشر بمالديه من تعاليم عله يحظى بالقبول.
    حين دخل الرجل التقي الى ميدان القرية كان منزل كبيرها أول المحطات فيها، ووجد عنده كبار القوم والوجهاء، وكان البعض من الفقراء في الفناء الخارجي ينتظرون منحة منه، أو عطفا، ولم يكن أحد ملتفتا لهم، بينما عرف من بعضهم أنهم جاءوا بشكايات تخص عملهم، وكان أحدهم فقد أرضه التي إستولى عليها قريب لكبير القرية، وكان أن بدأ حديثه مع الكبير بالسؤال عن أحوال الناس، وكيف يعيشون؟ وعرف منه أن الأمور لاتجري بشكل يسير. فهناك صراعات ونزاعات، وتعديات من البعض على البعض، وإن حل مثل هذه الأمور صعب للغاية، لكن التقي لم يمهله طويلا وسأله عن صاحب الأرض التي سلبها قريب له من أحد الفقراء؟ فرد الكبير بأنها أرض مصادرة لأن الرجل صاحب الأرض لم يعد قادرا على سداد ديونه وتأكد لديه أن الوجهاء والأغنياء في القرية يقرضون الناس المال ويعرفون أنهم لن يكونوا قادرين على سداد مابذمتهم فهم يشاركونهم في المحاصيل وأثمانها، ثم يطلبون ديونهم كاملة فيستولون على أراضيهم حين يجدون عجزا منهم عن السداد.
    كانت المحنة الإقتصادية قد ضربت بشدة في القرية، لكنه وجد أن الناس لم يكونوا جيدين، وحين تجول في السوق وجد أن الأسعار مرتفعة وأن التجار يغشون البضاعة وهناك من يمارس السرقة في رابعة النهار بينما المتسولون لاحصر لهم، وسمع بحالات سطو ليلية تتكرر على البيوت وسرقة للمواش والأموال والأغراض الخاصة وإغتصاب للنساء.
    قرر كبير القرية تنصيب الرجل التقي قاضيا ليحكم بين الناس بالعدل، وكانت أولى القضايا التي عرضت عليه أن جيء له برجل سرق مالا من منزل أحد الأغنياء، وكان في حال سكر شديد، وإغتصب إمرأة، وضرب جاره، وكذب حين رفض الإعتراف بأي من تلك الموبقات، وحين إطلع على ملفه عرف أنه شهد بالزور لمرات عديدة، وأنه إحتال على ناس، وغدر بهم، وقد شكوا فيه في جريمة قتل لم تثبت عليه فيها الإدانة وأخلي سبيله، سأله القاضي إن كان معترفا بواحدة منها، فقال الرجل، في الواقع أنا لم أرتكب أيا من هذه الجرائم لكن غالب الناس يقومون بها، وأولهم كبير القرية وزبانيته.
أخلى القاضي سبيل المتهم، وحكم على نفسه بالرحيل عن القرية.