18 أكتوبر، 2024 6:33 ص
Search
Close this search box.

وحدوا القابنا في بطاقتكم الموحدة

وحدوا القابنا في بطاقتكم الموحدة

شُغف العرب منذ عصر الجاهلية بحمل الألقاب و”الكُنى”، وظل العربي طيلة هذا العصر وصدر الإسلام ملتزماً بحمل اللقب الذي اشتهر به بين أحياء العرب ومضاربهم ، وعرفه من خلاله القاصي والداني ، حتى بات بعضهم يفاخر غيره بذريعة اللقب او النسب او السلالة التي ينتمي اليها . او من خلال المواقف التي كانت بعض القبائل تحمل لواء المفاضلة فيها او التميز الذي تتقدم به عن غيرها لأسباب متعددة ، ما يجعل موضوع الانتساب يحمل في طياته دلالات تعطي المكانة والمهابة ، خصوصا في الضيافة والكرم ومجالس الادباء والشعراء وساحات المبارزة ومواقع القتال .
كانت ظاهرة الألقاب قد انتشرت في ذلك الحين بسبب تشابه الأسماء وتكرارها في الأسرة الواحدة والحي الواحد، ناهيك عن أسبابها ومناسباتها المتعددة، كأن يحمل أحدهم اللقب لظروف أو قصة حدثت له، أو لأحداث مر بها، واختلفت دواعي حمل الكُنى والألقاب مع بداية العصر العباسي، بحكم اختلاط العرب بالأمم الأخرى، وامتزاج الأمم العربية والفارسية والتركية مع بعضها بعضا في مجتمعات مدنية، ما دعا إلى انتشار ثقافة الألقاب وفقاً للأقاليم والمناطق والمدن او نسبة للحرفة او المهنة التي يمارسها.
 وفي العراق .. لم يكن في يوم من الأيام حَمْلُ الانسان لقب عائلته او عشيرته او قبيلته ظاهرة سلبية او مثلمة، بل كان الجميع على قدر من المساواة والتنافس على فعل الخير الذي يجلب العز والفخار والسمعة الحسنة لسائر القبائل والاعراق ، ولم نكن نعلم ان يوما اغبر سياتي على اهل العراق يتحاشى فيه المرء ان يذكر لقبه امام احد او مجموعة ، خشية ان تطاله رصاصة غدر تنهي حياته او ان تتسبب بخطفه او سجنه او تعذيبه على يد فئة ضالة، أسس لها ان تكون على هذه الشاكلة لدوافع خارجية او اذكاء فكري اعمى ، وغالبا ما يكون الاسم الذي يحمله الشخص في شوارع العاصمة العراقية ( بغداد) حكما بالإعدام عليه .
 
ان معظم القبائل والعشائر العراقية ، نسيج مشترك في الارحام والاصلاب وهذا ما جعل أعداء الحياة منقسمين فيما بينهم من حيث الوسيلة والغاية التي يراد بها سفك دماء البشر، والغريب ان اغلب الطبقة السياسية الموجودة اليوم ، أسهمت الى حد كبير في الغلو الاعمى لسياسة القتل على الهوية ، بحجة نصرة الطائفة او المذهب او النهج الأيديولوجي المسموم ، حتى أصبح حملة بعض الألقاب يتقدمون على غيرهم في سلم أولويات القتل؛ لشهرتها ومكانتها ومواقفها الوطنية الثابتة والمشرفة ، ما جعل أسماءهم تتصدر قوائم القتلة والمجرمين المتعطشين للدماء .
لعل احدكم يسأل نفسه: لماذا تناولت هذا الموضوع الان، وليس في الوقت الذي كانت فيه ذروة القتل اشد قسوة ومرارة على المجتمع؟ الحق أقول: انني تناولته اليوم ، بسبب قيام الحكومة العراقية البدء في العمل على اصدار البطاقة الموحدة لكل افراد الشعب ، ما يتطلب ذكر اللقب فيها ، فوجدت من اللزوم ان احذر جميع القائمين عليها ان يجنبوا أبناءنا واحفادنا ، ثمن القتل المقصود والنوازع الطائفية التي غرسها الأعداء ، نتيجة وضع اسم اللقب على مستمسكاتهم الثبوتية في هذه البطاقة الموحدة وطالما انها موحدة وترمز الى وحدة الشعب ، فان الواجب يستلزم ان يذكر في مكان اللقب ، كلمة ” العراقي ” بدلاً من أي شيء اخر ، ليكون هذا الإجراء خطوة نحو بناء دولة مدنية تلغى فيها الفوارق والمسميات الطائفية التي لم تجلب لنا سوى المواجع وخسارة الاحباب .

أحدث المقالات