مع كل يوم يمضي ، تتكشف امام اعين الناس في كل مكان ، ان بوحدة الشعب وتماسكه ، تبنى الحضارات وتزدهر ، وبتمزق وتفكك الشعب ، تنكمش الحضارات وحتى تزول. بالوحدة والتماسك والوعي ، يتسلق الشعب سلم التقدم والرقي الحضاري درجة درجة ، حتى يبلغ المجتمع ومواطنيه اجمع ، المستوى الشاهق الذي يليق بتطلعه وحيويته ، وبغض النظر عن المستوى المتدني الذي كان يسوده ويعم عليه عند البداية. وبفرقة الشعب وتمزقه ينزلق المجتمع ، مهما كانت الدرجة الرفيعة التي بلغها على سلم التقدم والازدهار ، ينزلق نحو الهاوية.والاختلاف واضح بين الاثنين الرقي والانزلاق ، ان الرقي يأتي خطوة خطوة ويغادر بتأني الدرجة التي كان عليها ليبلغ الدرجة الأعلى التي تليها ، وهكذا يتم بناء الصرح الحضاري الذي يعمه الأمن والتقدم والرخاء والعدالة الاجتماعية. ولكن عند الانزلاق يتهاوى المجتمع نحو الأسفل بخطى متسارعة قد تكون عصية مع مرور الوقت على لجمها ان لم تعالج الأسباب التي أدت الى الانزلاق.
العدالة الاجتماعية وتحقيقها هي الأساس في الاثنين. بها تتقدم وتزدهر الشعوب النامية مهما كانت مستوياتها متدنية عند البداية. وبفقدانها تنزلق المجتمعات المتقدمة نحو الهاوية مهما كانت درجة تقدمها ، ومهما كان مستوى رقيها.
ويعرض لنا المثل الاول حال الشعب العراقي والشعوب العربية والإسلامية كافة وكيف ان فقدان العدالة الاجتماعية لديها يفقدها الفرصة لتحقيق التقدم والازدهار الذي ينشده كل شعب من شعوب العالم المتقدمة قديما وحديثا ، بينما يعرض لنا المثل الثاني حال الشعب الامريكي الان وظهور ملامح التمزق عليه التي تعكس فقدانه للعدالة الاجتماعية المكتملة ، الامر ان تواصلت الأحداث على هذا المنوال ، سيفقد المجتمع الامريكي بريقه الذي يلفت نظر العالم اليه.
يبحث المستشرقون قديما وحديثا عن الكيفية التي استطاع بها قدماء العرب من بناء مجتمعات رصينة ويحققوا الازدهار والتقدم خلال فترة قصيرة جدا من الزمن وفق المقارنات التي كانت سائدة في حينه ليضعونا ويضعوا أنفسهم في متاهات. وبدورنا نحن نقول من بنى المجتمعات الرصينة في حينه هو العدالة الاجتماعية التي حققها لهم الرسول عليه وعلى آله الصلاة والسلام. ومع تراجع العدالة الاجتماعية عن ما كانت عليه في وقته تراجعت المجتمعات العربية والإسلامية عن مكاناتها المرموقة.
وإن أمعنا النظر الى الشعب العراقي وركزنا على ما تطالب به وتتداوله وبقوة التجمعات الشعبية العراقية في كل مكان من ارجاء الوطن وعنوانه ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية دون تمييز او تفريق بين المواطنين لأي سبب كان ، وركزنا كذلك على خطاب النخب الوطنية المنتشرة وبعزم هنا وهناك الذي يدعو المجتمع العراقي الى القفز فوق الأحداث الاجرامية التي تحيط به من كل مكان ، وتدعوه وبوعي الى اغماض عينيه عن تلك الأحداث الاجرامية غير العفوية التي ، تبغي اول ما تبغي ، تمزيق وحدته الوطنية ، وتعميم الاحتراب الطائفي والعرقي بين أبناء الشعب الواحد ، عندها سندرك اننا على الطريق القويم وان ما ينتظر الشعب العراقي هو الخير والتقدم والازدهار لا غيره ان شاء الله.
ولو اقتبسنا عن الصين مثلها الشائع ، الذي يعبر عن الأمل والتصميم في آن واحد ، رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة. اننا سنستوعب الخطوات المكلفة التي خطاها ويخطيها الشعب العراقي والثمن الغالي الذي يسدده على طريق تحقيق الأمال المنشودة للمجتمع العراقي حتى ينعم بالامن والتقدم والازدهار والعدالة الاجتماعية.