السحابة السوداء المصاحبة؛ لعملية تغيير النظام في العراق عام 2003م زادت عتمتها؛ بسبب الإخفاقات المتتالية للطبقة السياسية في العراق، تحمل الجزء الأكبر منه التحالف الوطني العراقي، الذي تشكل في 2009م وضم تحت خيمته معظم القوى الشيعية في العراق، كونه الكتلة الأكبر عدد في البرلمان، المسئولة عن تشكيل الحكومة، وتشريع قوانين تخدم مصلحة البلد.
مر التحالف الوطني بموجة من الصراعات، والتجاذبات السياسية والتي كانت انعكاسا لما يجري بعموم المنطقة، حيث لغة القوة والسلاح ونظرية فرض الواقع، أنتجت تحالفا شبه ورقي، أشدها هو خلاف الزعامة، ومن يتولى رئاسة هذا التحالف، بعد تكليف السيد إبراهيم الجعفري بوزارة الخارجية، وانسحابه من رئاسة البيت الشيعي.
عام ونصف والتحالف يزداد تفكك ويترنح يمينا وشمالا، وكأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، مع هذا لم تخلوا الساحة من محادثات وحوارات، حتى أجمع من بقي في التحالف الوطني على رئاسة دورية تبدأ بالسيد عمار الحكيم، لماذا الحكيم؟
المتتبع لنشاط هذا الشاب يدرك جيدا انه امتلك مقبولية سياسية من جميع الأطراف السياسية والإقليمية والدولية، لما يملكه من إرث عريق لعائلته، وهو حفيد المرجع السيد محسن الحكيم (قدس) المرجع الأعلى للطائفة، فضلا عن قوة شخصيته ولباقة لسانه والمكنون العلمي الذي ناله بملازمة عمه وأباه، كانت كفيلة برسم هذه “الكارزمة” المهيبة، سلوك وسطي معتدل ذو نظرة ثاقبة للأمور، وقراءة واقعية لمجريات المنطقة، أثبتت انه المؤهل الأقدر لتولي رئاسة التحالف الوطني.كان لخطبة عيد الأضحى؛ صدى واسع بين جميع الأوساط السياسية والمجتمعية، لما تضمنته من حقائق واقعية، وقراءة دقيقة لمستقبل العراق والمشاكل والمعالجات، المراقب لتلك الخطبة سيلحظ؛ إن وراء هذا الكلام مشروع حقيقي وكبير، لتمكين الشباب وتكليفهم بمهام ومسؤوليات كبيرة، خصوصا وان كلمة الشباب؛ يكررها أكثر من عشر مرات، وهذا يدل بوجود مخطط ورؤية استشرافية، يسير عليها خطوة خطوة، في أجواء مشحونة وسلبية، صراع وتنافس لنجد من يتكلم بهذه الطريقة، ويدعوا إلى نظرة ايجابية، وزرع بذرة الأمل لغد مشرق، وهذا لشيء مميز جدا في هذا الظرف الغامر بالحزن والموت والتشاؤم من المستقبل.
وحدة الصف هي الأخرى كانت حاضرة في هذه الخطبة، والدعوة إليها كانت صريحة وصادقة و واقعية إلى حد التعقل، والمطلب لم يكن مثالياً؛ لا يقبل التطبيق، فالحد الأدنى من الوحدة شيء بسيط، وواقعيا وغير معجز، حيث أثبتت أنها الخيار الوحيد، المتبقي لضمان نجاة العملية السياسية، وانتشالها من الانهيار المحتوم.
بصراحة اكبر، لم يعتاد الناس سماع كلمة الوحدة، من أي كيان سياسي؛ بشكل واضح وصريح ولا يقبل التأويل؛ مثل ما جاء على لسان رئيس التحالف الجديد، فجُل ما كان يصرّح به؛ هو عبارة عن تسقيط واتهام وفضائح، لم تثبت صدقها في الأعم الأغلب، من بين هذا المستنقع المملوء بشتى أنواع؛ الكذب والتضليل والخداع والمكر والمهاترات والصراعات على المناصب، تطل علينا شخصية اشتهرت بالوسطية والاعتدال، لتعلن دعوتها بوحدة التحالف الوطني، المقرر أن يعاود نشاطه، ليبني نظام حقيقي يفعل من خلاله مؤسسات الدولة، ويدعم الحكومة في إصلاحاتها المعلنة.
أثبتت التجارب إن سلوكيات المجتمع؛ هي انعكاس ورد فعل ما يحصل في السياسة، وتخضع لقاعدة(الناس على دين ملوكهم) كلما كانت الطبقة السياسية، من حكومة ومؤسسات تسير بهدوء دون خلاف، وتؤدي واجبها بشكل مقبول، تلقي بضلالها الحياة الاقتصادية والاجتماعية والصحية، وتشملها بنفس الوتيرة الهادئة.. والعكس صحيح.
الخير هو ما ذكره الباري في محكم كتابه، وأكده رسولنا العظيم، إن اعتصموا وتحابوا وتوحدوا، وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، هي رسالة عظيمة تؤكد، إن لاشيء أقوى في مجابهة المحن والصعاب غير الوحدة، والتعاون على الخير، وبث روح الأمل ونشر الرؤى الايجابية، وإبعاد المجتمع عن الإحباط والنظرة السوداوية للمستقبل، فرحمته واسعة وشعبنا عظيم، أقوى من كل الطغاة.