18 ديسمبر، 2024 9:52 م

وجود الله رهين الأخلاق

وجود الله رهين الأخلاق

يُعتبر (ديفيد هيوم) و (رينيه ديكارت) و (إيمانوئيل كانت) أعمدة ألنّهضة ألحديثة ألتي بدأت منذ آلقرون الوسطى عبر ثلاثة مراحل(1) لتحقيق آلجّانب ألمدنيّ و آلحضاري بعد ثورة (ألرّينوسانس) ورغم إعتقاد الناس بخلاصهم من ظلم الكنسيّة مع آلنظام الملكي أو آلثيوقراطي؛ إلّا أنّ وقوعهم أليوم أسرى بيد ألمنظمة الأقتصادية العالمية رويداً رويداً بسبب فخّ ألدّيمقراطيّة ألمُستهدفة لأنتخاب حكومات مُوالية لتحقيق أهدافهم؛ تكشف حقيقة ألمظالم ألتي لم ينتبه لها آلنّاس بسبب ألجهل و ألفراغ الفكريّ الذي تركه الفلاسفة أنفسهم في مسألة فلسفة ألقيم, حين ركّزوا على آلجّانب ألماديّ خارج مدار ألدِّين – ألعرفانيّ لا التقليدي, ألّذي إعتبروه بآلخطأ سبَبَاً للتّخلف بسبب تسلط ألكنسية و آلفؤداليست ثمّ البرجوازية إبان القرون الوسطى, لذلك كان سقوطهم في أحضان ألمنظمة الأقتصاديّة ألعالمية اليوم مسألة حتميّة أكثر بؤساً و خطراً مِمّا كانَ عليه الوضع قبل ذلك بسبب أستخدام التكنولوجيا و الحروب و المال سندأً لمصالحهم الأقتصاديّة!

و رغم إعتراف (كانت) علناً بقوله؛ [أنّ (هيوم) صاحب نظريّة (الشّك) قد أيقضني من سباتي]؛ إلّا أنّ (كانت) يُعتبر بنظري رائد ألنهضة الأوربيّة بلا منازع بإستثناء فشله و أقرانه في طرح نظريّة كونيّة لأسباب زمكانية, ربّما كانت مشيئة الله لجعلها بإسمي بعد مرور 3 قرون بعد أنْ إكتَمَلَت تلك الأطروحات الفلسفيّة ألأحاديّة ألجانب إبان العصور ألفلسفيّة الخمسة(2) حتى إعلان فلسفتنا مع بدء الألفية الثالثة, لكن آلأجمل الذي كشفه (كانت) في فلسفته, هو إعتقاده بأنّ [المعرفة نتاج ألعلاقة بين آلذّهن و آلأحساس في زمكاني مُعَيَّن], لذلك إتّخذتْ فلسفتهِ من (آلعقل و آلأدراك) أصلاً لكلّ الفلسفة على مذهب (هيوم) و حاول تطبيق الأشياء عليها و ليس ألعكس كما إدّعى آلفلاسفة من قبله, و بذلك أبْطَلَ آلبراهين ألتقليديّة ألتي ما زالَ بعض ألعُلماء يعتقدون بها, مُعتبراً كُلّ الأدلة ألواردة حول إثبات (الله) ليست تامّة و ليست حُجّة, و من آلمستحيل (إثبات أصل ألذات – ألدّليل ألوجوديّ – ألذّهنيّ أو بقاء النفس أو الأختيار) عن طريق الأستدلال ألعقليّ, لذا حين لا يكون آلذّهن و آلوجود دليل كافٍ على الله, فلا بُدّ من وجود دليل ثالث و هو الأخلاق!

فما هو آلأخلاق ألتي تكون مقدمة للتّدين و لوجود الله؟
هي آلتّحليّ بآلفضائل ألحسنة – بعد آلتّجرّد من آلخبائث و آلتّحلي بآلطيّبات – و بعدها نكون مُتديّنيّن, و هذا يعني بطلان إدّعاء ألدِّين مِنْ أيِّ كان حتى لو كان شعباً وهو لم يُهذّب أخلاقهُ و سيرته بتطهير ذاته من آلنّفاق و آلكذب و آلنّميمة و آلفساد و آلتكبر, وبآلتّالي وبحسب نظر هذا آلفيلسوف ألكبير يُعتبر كلّ مُتديّن لم يُزكيّ نفسه ولم يعرف حدودهُ و روح رسالته ألسّماويّة – كلّ ألرّسالات لا فرق – خارج عن ألتّديّن وآلدِّين!
ومجمل هذه الفلسفة تتوافق مع آلنّبأ العظيم على لسان الخاتم(ص)؛ [إنّما بُعثّتُ لأتمّمَ مكارم الأخلاق].

هكذا إعتقد (كانت) بأنّ الأخلاق(3) هي آلتي تصنع ألدِّين, و آلعقل ألعمليّ(4) هي آلتي تصنع ألأخلاق و التي بها يكون الله موجوداً في الأرض من خلال الملتزمين بها!
خلاصة نظريّة هذا الفيلسوف هي: [بدون إعْمالِ ألأخلاق في آلحياة يغدو كلّ ما يتظاهر به و يدّعيه أو يُمارسه الأنسان في مرضاة الرّب زَعْمَاً دينيّاً و عبوديّةً كاذبة و مُفتعلة], و هذا هو حال ألمُدّعين أليوم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لمعرفة التفاصيل راجع الحلقة 3 من[فلسفتنا الكونية].
(2) لمعرفة ألتفاصيل راجع ألحلقة 3 من[فلسفتنا آلكونيّة].
(3) ألأخلاق؛ هي دراسة معياريّة للخير والشّر تهتمّ بالقيم المُثلى، وتصلُ بالإنسان إلى الارتقاء عن السّلوك الغريزي بمحض إرادته ألحرّة؛ بعكس ألّذين قالوا؛ بأنّ الأخلاق ترتبط بما يُحدّدهُ ويفرضهُ الآخرون، و ترى أنّها تخصّ الإنسان وحده، ومصدرها ضميره ووعيه, و يعتقد أفلاطون بأنّ الأخلاق تتمثّل في كبح شهوات الإنسان، والتّسامي فوق مطالب الجسد بالالتفات إلى النفس والرّوح وتوجيههما لتحصيل الخير و المعرفة و محاربة الجهل, أمّا (آلأخلاق) بنظر الأنبياء و أئمة المسلمين(ع), فإنّها تُوجه عقل و روح الأنسان لأن تحفظ في النهاية الكرامة الأنسانية, من خلال القول و الفعل و النيّة , و لهذا يمكن إعتبار تعريف (أفلاطون) ثمّ (كانت) و (شوبنهاور) و غيرهم: بأنها خلاصة ما جاء به ألعرفاء و الأئمة و الأنبياء و هي (إتمام مكارم الأخلاق), لكن مع فاصل الزمن بين الفئتين.
(4) العقل النظري والعقل العملي، مصطلحان يجري استخدامهما في بعض العلوم؛ فالعقل العمليّ في اصطلاح المناطقة هو المعبَّر عنه (بالحسن والقبح) عند المتكلّمين، والمعبَّر عنه (بالخير والشرّ) عند الفلاسفة ، والمعبَّر عنه (بالفضيلة والرّذيلة) في اصطلاح علماء و أئمة الأخلاق, أما المراد من العقل النظري فهو العقل المُدرك للواقعيات التي ليس لها تأثير في مقام العمل إلاّ بتوسّط مقدّمة اخرى، كإدراك العقل لوجود الله، فإنَّ هذا الإدراك لا يستتبع أثراً عملياً دون توسّط مقدّمة اخرى كإدراك حقّ المولويّة وانَّ آلله هو المولى ألجدير بالطاعة, والمراد من العقل العمليّ هو المُدرك لما ينبغي فعله وايقاعه أو تركه والتحفّظ عن ايقاعه، فالعدل مثلا ممّا يُدرك العقل حُسنهُ وانبغاء فعله والظلم ممّا يُدرك العقل قبحه وانبغاء تركه، وهذا ما يُعبِّر عن إنّ (حسن العدل وقبح الظلم) من مُدركات أو بديهيات العقل العملي وذلك لأنَّ المُمَيّز للعقل العمليّ هو نوع المدرَك فلمَّا كان المُدرك من قبيل ما ينبغي فعله أو تركه فهذا يعني انَّه مدرك بالعقل العمليّ هذا ما هو متداول في تعريف العقل العملي، وجاء السيد الصدر بصياغة اخرى لتعريف العقل العملي وحاصلها؛ إنَّ العقل العملي هو ما يكون لمُدركه تأثير عملي مباشر دون الحاجة لتوسّط مقدّمة خارجيّة.