23 ديسمبر، 2024 9:03 ص

وجود الخالق… بين التفكر.. والتواتر

وجود الخالق… بين التفكر.. والتواتر

“هذا السؤال الذي أخبرتك عنه سابقا”
شدتني لها بابتسامتها، “امنة” الفتاة المغربية، بمظهرها الفرنسي. طالبة الدكتوراه في الفلسفة، ساعدتني في مراجعة لغوية لكتابي. وجرى النقاش بيننا حول الدين…
تمعنت في عينيها الجميلتين، الملتهبة بالشباب والتمرد،،، وقلت لها.
ما هو السؤال؟
عدلت” امنة”من جلستها،، ونظرت الى السماء، ثم التفت لي وقالت:
يود الله منا ان نعرفه ونتوصل الى الايمان به عن طريق اليقين والعقل، وليس بالاتباع الاعمى لما وجدنا عليه آباءنا ، وكما تعلمون، حتى نتوصل الى صحة فكرة أو معلومة… لابد أولا من وضعها محل شك، والتساؤل حولها، فالشك أول خطوة يتخدها الباحث نحو الوصول الى حقيقة معينة، وإثباتها أو نفيها.
رجعت ظهرها الى الخلف، واخذت رشفة من قهوتها، ثم اضافت قائلة:
في نظري إذا طبقنا هذه الفكرة على مسألة وجود الله ألن يكون ذلك ضربا من الكفر به عز وجل ؟
وتكذيبا للكتب السماوية والرسل والأنبياء ؟
أو لن نكون محاسبين على وضعه تعالى محل الشك؟
ثم هو الذي حثنا على النظر والتفكر، في آيات عدة كقوله تعالى : “وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ”
فماذا تقول ؟
“امنة” تتعامل معي باحترام، وبطريقة رسمية، لكوني اكبر منها سنا،،، لذلك فهمت ان سؤالها، يخفي معه عدد من الاشكالات نحو الفكر الديني، او ضد المتدينين،،، وكانها تريد ان تقول لي:
لماذا يعترض رجال الدين او المتدين على حرية الفكر،،!!
ويبدو لي ان المناخ الديني في المغرب، من هذا النوع، يعني لا يسمح بمناقشة القضايا الدينية، بحرية..
وحسب فهمي ان التصوف منتشر في المغرب، عموما،، وبالنالي، تطغي الطقوس على الفكر…
ولكونها تدرس الفلسفة،، هي تفهم ان الشك هو الطريق الوحيد للعلم واليقين،،،
قلت لها،:
امنة،، لو ان صديقتك اخبرتك ان طائرا ضخما، بحجم الديناصور، قد حط في ساحة جامعتك، لمدة دقائق ثم طار،، هل تصدقيها..؟
قالت: لا، لن اصدق طبعا..
قلت: وان اتصلت بك صديقة أخرى واخبرتك ذلك ايضا،، ثم اتصلت بك أخرى… وعشرات من زملائك الطلبة.
ثم اتصل بك الاستاذ المشرف واكد لك الخبر.
وتواترت عليك الاخبار، بالعشرات، وبالمئات، فهل تصري على نفي الخبر؟؟
وضعت يديها على الطاولة، ونظرت باستفهام.. وقالت:
ماذا تقصد؟ هل الوصول إلى الحقيقة او العلم، لا يحتاج إلى الشك.
قلت: الشك هو الطريق إلى العلم، بل هو نسبة ومقدار من العلم،، تلك النسبة تزيد بالتدقيق والتحليل،، والادلة..
لكن، هنالك طريق اخر ايضا، للعلم والمعرفة واليقين،، هو الاخبار،، وخاصة الاخبار الكثيرة والمتواترة التي تدعم وتوكد صحة خبر ما..
والخلاف، بين الفريقين، هو ان كل واحد لا يؤمن بوجود طريق اخر للعلم واليقين.
قالت: اي فريقين؟؟
قلت: الفريق الاول هو رجال الدين، اولئك الذين لا يسمحون بالنقاش والحوار الحر في قضية وجود الله والأنبياء وما لازم ذلك.. ويعتبرون ان الامر ثابت، بسبب الاخبار المتواترة.
فهم يرون ان التواتر، هو الطريق الوحيد للعلم واليقين. لقد جاء مئات بل عشرات الالاف ممن يخبرنا عن وجود الخالق، وما يريده… وهم يكتفون بذلك.
قالت: ومن هو الفريق الثاني..
ابتسمت، وقلت؛ طلبة الفلسفة..
فضحكت، بانتعاش وارتياح، وقالت:
افهم منك، ان الوصول إلى العلم واليقين بوجود الله، له طريقين، هما، التفكر،، او التواتر.
نعم، بل ان القرآن الكريم يحث على التفكر.. لان التفكر يعمق اليقين. بل ان الايمان بوجود الخالق بلا تفكر، لا قيمة له. او اقل الايمان.
دارت بنظرها في المكان، حولنا،، وقالت :انا مضطرة للذهاب، عندي محاضرة فلسفة،، لطلبتي،،، وعندي اسئلة أخرى لك،، قريبا. الى اللقاء…