18 ديسمبر، 2024 6:01 م

وجوب صلاة الجمعة وحرمة التخلف عنها

وجوب صلاة الجمعة وحرمة التخلف عنها

قال تعالى: ((إذا نوديّ للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله )) …
أود في هذه المقالة أن أتكلم عن الفريضة المقدسة أي صلاة الجمعة التي منّ الله بها علينا حيث بعث من يحييها في وسط وجنوب وشمال العراق ودفع دمه الطاهر ثمناً من أجلها ومن أجل أحياء الدين وشريعة سيد المرسلين…
فعليك سيدي يا وليّ الله الناطق السلام التام. وما زالت كلماتك الطاهرة من مسجد الكوفة المعظم مدوية تملئ كل مكان وتحل في كل زمان تردد:
(( استمروا على صلاة الجمعة حتى لو مات السيد محمد الصدر))…
وترردد كذلك:
(( لا تقولوا قولاً ولا تفعلوا فعلاً منافياً لصلاة الجمعة لإجل الحفاظ على صلاة الجمعة )).
وأريد اليوم في هذه المقالة أن أناقش بعض الشبهات التي وللأسف الشديد لا زالت عالقة في أذهان الكثير من الناس وبالخصوص مقلديّ السيد الشهيد محمد الصدر(قدس).
وأهم وأخطر هذه الشبهات هي:
إن وجوب صلاة الجمعة التعييني كان بسبب الحكم بالولاية وبالتالي لا وجوب تعييني في زماننا الحاضر أي أن الأوامر والنواهي المولوية تنتفي بموت الولي فهي سارية المفعول في حدود الحياة.
ولذلك يرى الكثير من مقلديّ السيد الشهيد محمد الصدر(قدس) إن هذه الصلاة غير واجبة عليهم وإن وجبت فهي تجب بالوجوب التخييري بمعنى إن الوجوب قد أرتبط وتعلق بأحد فردين أما صلاة الظهر وأما صلاة الجمعة فالمكلف يكون مخيراً بين الظهر والجمعة هذا هو معنى وجوبها التخييري.
والحق أن هؤلاء على خطأ ووهم واشتباه بل وتقصير بحق تقليدهم للسيد الشهيد محمد الصدر(قدس) لأنهم لو كانوا مقلدين فعلاً له لزالت عنهم هذه الشبهة.
أن السيد الشهيد محمد الصدر(قدس) لا يقول إن الحكم بالولاية هو السبب الوحيد لوجوب صلاة الجمعة التعييني بل إنه يقول في رسالته العملية منهج الصالحين وفي غيرها من الاستفتاءات أن هناك سبباً آخراً مستقلاً لوجوب صلاة الجمعة التعييني وهو اجتماع الخمسة بما فيهم إمام الجمعة وخطيبها فقد جاء في مسألة( 993) منهج الصالحين الجزء الأول:
(( مع وجود الشرط الأول يكون وجوبها تخييراً. ومع وجود الشرط الثاني يكون وجوبها تعييناً، وكذلك لو اجتمع الشرطان . وكذا إذا أمر بها الولي العام العادل))….. إلى آخر المسألة.
وللتوضيح أقول أن السيد الشهيد محمد الصدر(قدس) في نفس الصفحة قال:
(( الشرط الأول: وجود الولي العام العادل أو من نصبه خصوصاً أو عموماً، بنحو يشملها وقال أيضاً(( الشرط الثاني : وجود العدد وهو خمسة أحدهم الإمام بقصد إقامة هذه الصلاة جماعة )).
والمسألة واضحة في إن مجرد تحقق الشرط الثاني الذي هو اجتماع الخمسة بقصد إقامة هذه الصلاة جماعة هو كافي في وجوبها التعييني على الأحوط وجوباً، فضلاً عن اجتماع الشرطين وكذلك أشار السيد الشهيد محمد الصدر إلى هذه الفتوى((أي وجوب صلاة الجمعة التعييني)) بسبب اجتماع العدد المعتبر في أكثر من مناسبة ونذكر بعضها لأجل التأكيد على هذه الفتوى ولتطمئن قلوب المؤمنين وخاصة من ترك هذه العبادة بناءأ على هذه الشبهة والوهم والتقصير في التقليد ومخالفة الشريعة وذلك بترك الواجب الذي يقتضي تعلم أحكام المسائل التي هي محل الابتلاء وصلاة الجمعة هي من جملة تلك المسائل الابتلائية على المستوى الشخصي والاجتماعي فقد ذكر السيد الشهيد الصدر(قدس) في الجمعة الأولى الخطبة الثانية:
(( النقطة الأولى: أنها وإن كانت بالأصل واجباً تخييراً، أكيد تخييري هو، يعني تستطيع أن تصلي الظهر، وتستطيع أن تصلي الجمعة، إلا أنه لو اجتمع خمسة أحدهم الإمام، أو سبعة أحدهم الإمام كانت واجباً تعيينياً، وأنا حسب فهمي أن هذا مما يتفق عليه مشهور المتأخرين- مشهور الموجودين من المجتهدين -)).
وقد قال أيضاً في الجمعة السابعة والعشرين في الخطبة الثانية:
(( وكذلك بأعتبار اجتماع العدد المعتبر في وجوب صلاة الجمعة، وهو متوفر وكثير بحمد الله، فتكون الصلاة واجباً تعيينياً ولا تبقى واجباً تخييراً، على فتوى الأعم الأغلب من العلماء، كما هو الصحيح أيضاً … )).
أقول موضحا أن عبارة((كما هو الصحيح أيضاً)) المراد منها بيان الفتوى الصحيحة التي يتبناها المجتهد أي إن السيد الشهيد محمد الصدر (قدس) يتبنى هذا الرأي وهذا ما قد سمعناه في مسألة((993)) من منهج الصالحين التي جعل الشرط الثاني سبباً لوجوب صلاة الجمعة التعييني.
وقد اتضح من هذا كله أن لوجوب صلاة الجمعة التعييني أسباباً متعددة وليس من الصحيح أن نحصرها بسبب واحد الذي هو الأمر بالولاية.
ونحن نوجه كلامنا وبأسم الحوزة الشريفة الناطقة بأن صلاة الجمعة واجبة بالوجوب التعييني فيجب الحضور مع الإمكان ويجب الاستماع إلى مضمون الخطبتين وكذلك يجب أداءها ركعتين جماعة ، هذه ثلاث واجبات وليس واجب واحد كما يظن الكثير…
فالذي يترك هذه الصلاة فقد ارتكب معصية وهي تركه للواجب واستحق بذلك العقاب ويجب عليه التوبة والطاعة والامتثال لهذه الفريضة المقدسة وليس الأمر كما يريد أن يصور البعض بأن ترك صلاة الجمعة لا يستلزم استحقاق العقاب والعذاب إلا لثلاث جُمع يعني الذي يترك جمعة واحدة أو جمعتين فهو لم يرتكب معصية هذا فهم خاطئ لأحكام الشريعة بل الذي يترك واجباً واحداً أو يفعل حراماً واحداً فهو عاصي ومستحق للعقاب بل ويخرج من العدالة إلى الفسق وعليه التوبة والإنابة والاستغفار.
وأريد أيضاً أن أذكركم بفتوى وحكم شرعي آخر وهو أنه لا يجوز بل تبطل صلاة الظهر أثناء إقامة صلاة الجمعة لمن تجب عليه وجوباً تعيينياً بمعنى أنه لا يجوز له الصلاة من وقت الزوال ((آذان الظهر)) إلى انتهاء وقت الجمعة أي حين يصير ظل كل شيء مثله وهذا المضمون نصت عليه المسألة((1010)) في الرسالة العملية منهج الصالحين حيث ذكر السيد الشهيد الصدر(قدس) في هذه المسألة:
((من لم يصلِ صلاة الجمعة وجبت عليه صلاة الظهر وصحت منه إلا من صلى خلال إقامة الجمعة وكانت واجبة عليه تعييناً فإنها تبطل … إلى آخر المسألة )).
ومن هنا أوجه دعوتي إلى أخوتي أساتذة ومشايخ الحوزة العلمية وأئمة المساجد وجميع المثقفين وطلاب العلم وأنصار الدين أدعوكم جميعاً للمساهمة في تبليغ وتدريس وتعليم مسائل صلاة الجمعة وفقه الجمعة لجميع المؤمنين لكي لا يكون لمثل هذه الشبهات أي سبيل بين المؤمنين ولكي نكون جميعاً ممن عمل بما أمرنا الله سبحانه ورسوله والأئمة((عليهم الصلاة والسلام)) وولينا المقدس الطاهر شهيد الجمعة حيث قال:(( الدين بذمتكم والمذهب بذمتكم )) وكذلك قال:(( لا تقولوا قولاً ولا تفعلوا فعلاً إلا بعد مراجعة الحوزة الشريفة)).
وقال أيضاً أن الحوزة ينبغي أن تكون هي الأميرة في الدين إذا كانت على قدر المسؤولية وهي إن شاء الله كذلك ..
وكذلك قال بحق الحوزة:
((من حيث إن كلمة الحوزة هي كلمة الفصل، ولا أقصد السيد محمد الصدر(قدس) وإنما قصدت وقلت الحوزة في كل مكان وزمان، لأنها مهما كان حالها فأنها الأقرب والأفضل والأفهم في فهم الدين، وشريعة سيد المرسلين واتجاهات المعصومين ((عليهم السلام)).
بقيّ الإشارة إلى شبهة أخرى وهي تقريباً في أذهان من يؤمن بالوجوب التعييني لصلاة الجمعة وهي أنه يتعذر عن عدم الحضور بسبب أنه يشك بعدالة الإمام أي إمام الجمعة.
والحق أن هذا ليس سبباً كافياً يعذر به المكلف، على تقدير أن المكلف يعلم وليس يشك بأن إمام الجمعة قد فعل المعصية والحرام والعياذ بالله فهذا الأمر لا يسقط وجوب الحضور ووجوب الاستماع بالنسبة لهذا المكلف نعم يلزمه إعادة الصلاة ظهراً لأن من شرائط الجماعة هو عدالة إمام الجماعة وصحة قراءته وبطلان الجماعة لا يستلزم سقوط الوجوب عنه فتأمل.
والسبب في ذلك أن العدد المعتبر المجتمع بقصد إقامة الجمعة جماعة لا يشترط فيهم العدالة وهذا واضح وجلي لمن راجع الرسالة العملية(( منهج الصالحين )) فإن السيد الشهيد محمد الصدر لم يشترط العدالة في هؤلاء بل ولم يشترط الإسلام والإيمان أقصد أن هؤلاء الخمسة الذين اجتمعوا بقصد إقامتها جماعة لا يشترط فيهم ذلك وإليكم ما جاء في الرسالة العملية(( منهج الصالحين)).
في شرائط العدد المعتبر وكذلك شرائط من تجب عليه.
فقد ورد تحت عنوان الفصل الثالث: في الكيفية في السطر الثاني((… ولا تكون إلا في صلاة جماعة بخمسة أشخاص جامعين للشرائط كما سمعنا. فإن لم يكونوا جامعين للشرائط فهي مستحبة لهم ولا تجب عندئذٍ على غيرهم ..انتهى ))
والشرائط هي وكما ورد في عنوان الفصل الثاني فيمن تجب عليه هي: (( التكليف, والذكورة والحرية, والإتمام(أي أنه يشترط أن يكون صلاته تمام وليس قصر) والبصر فهي لا تجب على الأعمى والقدرة على المشي فلا تجب على الأعرج والقدرة على الحضور للصلاة فلا تجب على المريض العاجز وكذلك القدرة على الحضور من ناحية أن لا يكون شيخاً كبيراً عاجزاً وأخيراً أن تكون المسافة بين الفرد وأقرب صلاة الجمعة مقامة فرسخين أو أقل وهي تساوي 10 كيلو متر و944 متر فإن كانت بهذا المقدار وجب عليه قصد الصلاة وإلا لم تجب. ))
هذه هي شرائط من تجب عليه وكذلك شرائط العدد المعتبر الذي اجتمع بقصد إقامتها جماعة.
فقد جاء في مسألة( 1002):((يجب أن يكون العدد الخمسة الذي تجب فيه هذه الصلاة، كلهم جامعين لهذه الشرائط فلو كانوا أو بعضهم فاقدين لها، وخاصة الإمام الذي يصلي بهم، لم تجب لا عليهم ولا على غيرهم على الأقوى. ))
وهذه المسألة دليل واضح على عدم اشتراط العدالة في وجوب الجمعة التعييني الذي يستلزم وجوب الحضور.
فنقول لهذا الشخص الذي يتذرع بهذه الذريعة وهي عدالة إمام الجمعة نقول لك كما قال شهيد الجمعة الولي المقدس في رسالته العملية يجب عليك الحضور ويجب عليك الاستماع لمضمون الخطبتين.
ولا نقول لك أن صلاة الجماعة تصح في حال(علمك) بعدم عدالة الإمام بل تلزمك اعادتها ظهرا بطبيعة الحال.