19 ديسمبر، 2024 7:21 م

وجهة نظر حول مترو بغداد

وجهة نظر حول مترو بغداد

بعد اهمال ونسيان امتد لأكثر من اربعة عقود ، تم تسليط ألأضواء مجددا على مشروع مترو بغداد، فقد صدر عن مجلس الوزراء بيان تضمن توجيهات رئيس مجلس الوزراء في المضيّ باستكمال المشاريع التي تأخر الشروع بها وبضمنها مشروع مترو بغداد، مشيرا الى موافقة المجلس على إدراج (إعداد التصاميم والإشراف على تنفيذ مشروع مترو بغداد) ضمن جداول الموازنة الاستثمارية لأمانة بغداد لعام 2023 بكلفة كلية مقدارها 913804000000  فقط تسعمئة وثلاثة عشر مليارًا وثمانمئة وأربعة ملايين دينار، بعد استكمال متطلبات الإدراج من قبل أمانة بغداد وتثبيت تحمل المستثمر لاحقًا كلفة المشروع كاملة(. وفي اليوم التالي نشر السيد امين بغداد على صفحته في الفيسبوك خبرا عن ترؤوسه اجتماعا موسعا ضم الدوائر المعنية في الامانة ومستشار رئيس الوزراء واحدى الشركات الاستشارية المتخصصة في مجال النقل والقطارات لبحث تنفيذ مشروع مترو بغداد لغرض التعاقد مع شركة استشارية عالمية لتقديم رؤية متكامله لتنفيذه .

من خلال ما صدر من مجلس الوزراء من توجيهات وما اعلنه السيد امين بغداد على صفحته، تقفز الى الواجهة عدد من الملاحظات  نذكرها قبل ان نبدي رأينا الذي ليس بالضرورة  ان يتفق مع ما تم طرحه من قبل دولة رئيس الوزراء ولا مع ما ذهب اليه السيد امين بغداد.

اول هذه الملاحظات ، التباين  في ما ذهب اليه بيان مجلس الوزراء وما نشره السيد امين بغداد، الاول تحدث عن موافقة على تخصيص مبالغ لأعداد التصاميم والاشراف على التنفيذ لمشروع مترو بغداد، واول ما يتبادر الى الذهن ان ذلك يعني المضي قدما في اكمال الدراسات الاولية التي تمت من قبل شركة سيسترا الفرنسية المتعاقدة مع امانة بغداد والمنجزة عام 2014، الا ان ما ورد في التصريح اشتراط لمجلس الوزراء (تحمل المستثمر لاحقًا كلفة المشروع كاملة)، اي ان هنالك مستثمر سيتكفل انشاء وتشغيل المشروع

الملاحظة الثانية حضور شركة متخصصة في مجال النقل والقطارات أجتماع امين بغداد بالدوائر المعنية في الامانة

من الملاحظتين اعلاه ، تبرز عدد من الاسئلة على ضوء معرفتنا التفصيلية للمشروع بحكم كوننا من العاملين عليه منذ عام 1982 بنسخته القديمة والتي انتهت الى اعداد تصاميم نهائية لاغلب قطاعاته،  ومساهمتنا التفصيلية لفترات تفعيله من قبل هيئة التصنيع عام 1989 والمحاولات اللاحقة والتي انتهت عام 2002 بقيامنا اعداد مواصفات مكائن حفر الانفاق على مذكرة التفاهم التي اقرتها الامم المتحدة عام 1997 تمهيدا لتنفيذه، مرورا بكل اللقاءات مع الجهات الاجنبية التي كانت تزور العراق بخصوصه ،  وكذلك كوننا عضوا في اللجنة المشرفة على اعمال النسخة الثانية التي تعاقدت عليها الامانة مع شركة سيسترا والتي اقتصرت على اعداد تصاميم عامة وفقا للعقد المبرم معها، تتلخص هذه الاسئلة بما يلي :- 

1-                      تتصف مشاريع المترو بالضخامة من حيث الكلف التنفيذية التي تتراوح بين 150 مليون دولار وتصل احيان الى 400 مليون دولار ، اضافة الى مدة التنفيذ التي تعتبر الاطول بين كل مشاريع النقل العام ، فمثلا الفترة التخمينية للمرحلة الاولى للنسخة الاولى كانت 7 سنوات، رغم احتواءها على ميزة تداخل الاعمال التي تفتقدها النسخة الثانية من المشروع مما يعني فترة تنفيذ اطول خصوصا انه تم اضافة تمديد بطول 11 كم لربط  قضاء الكاظمية بالشبكة، وبالتالي هل يتمكن العراق بوضعه المالي المربك من القيام بهذه المهمة ام مجرد فورة عاطفية يتم صرف مبالغ غير قليلة ثم يتم وصعه على الرف كما حدث له في المحاولتين السابقين التي تعني خسارة مالية غير مبررة .

2-                      كل انظمة المترو في العالم تم تنفيذها على شكل مراحل ولم تعتمد على مخطط مسبق لكل المدينة ، بل رؤى عامة او خطط عامة دون الخوض في وضع تصاميم قد تكون كلفها غير مبررة، حيث لا يمكن التنبوء باستخدامات الارض المستقبلية مع مدة التنفيذ الطويلة ، لذلك الحديث عن شمول 80% من بغداد بمخططات المترو ستكون غير موفقة، سيما وان التخبط في هذا الموضوع سبق ان كلف العراق ملايين الدولارات لشبكة بنفس المسارات ولنفس عدد المحطات ،

3-                      مشاريع المترو هي الاكثر ملائمة للمناطق كثيفة السكان، في حين ان مدينة بغداد تعاني تشوها في الاستخدام ، امتداد افقي يختلط مع بناء عمودي من غير تخطيط مدروس، مع ان لكل نوع من الكثافة السكانية هنالك نمط من انواع النقل العام المعتمدة.  

4-                      ذكر السيد امين بغداد حضور احدى الشركات الاستشارية المتخصصة في مجال النقل والقطارات لبحث تنفيذ مشروع مترو بغداد لغرض التعاقد مع شركة استشارية عالمية لتقديم رؤية متكامله لتنفيذه، هنا تبرز  اكثر من علامة استفهام ، بدءا من ماهية الصفة لحضور تلك الشركة المتخصصة، واذا كان حضورها رسميا وهي المتخصصة كما قيل ، فما هي الدواعي التي تدفع للتعاقد مع شركة استشارية عالمية اخرى لتقديم رؤية متكاملة لتنفيذه، رغم ان الامر لا يحتاج الى مثل هذه المهمة، فاما ان تقوم الشركة المصممة بالاشراف اذا كان العقد يتضمن ذلك او تكليف شركة اخرى متخصصة ، اما رواية تقديم رؤية متكاملة لتنفيذه فانها مدعاة لصرف غير مبرر ، علما ان النسخة الثانية المنفذة من قبل الامانة كانت هي الاخرى صرف غير مبرر، سيما انها استخدمت نفس مسارات الشبكة ونفس مواقع المحطات والسبب كما ادعى امين بغداد الاسبق عدم وجود  تصاميم سابقة للمشروع خلال لقاءه من شاشة العراقية مع الاعلامي عدنان الطائي الذي كان يعمل فيها عام 2009، وكا نهذا اللقاء دافعا لكتابة مذكرة من اربع صفحات تم رفعها من قبل احد مؤوسسات المجتمع المدني (المؤوسسة الوطنية للتنمية والتطوير ) الى مكتب السيد رئيس مجلس الوزراء الاسبق عن عدم صحة ما ذهب اليه امين بغداد، (هنالك تفاصيل اخرى )

5-                      تحتاج بغداد الى مشروع مترو ذي مدة التنفيذ الطويلة، لكن ليس من المعقول ان يبقى يعاني المواطن البغدادي عواقب الازدحامات المفرطة والتي تزداد سوءا بمرور الايام والتي يدفعون ثمنها من صحتهم نتيجة الانبعاثات، سيما وان العراق يعتبر ضمن  خمسة دول في العالم هي الاكثر تضررا بنتائج التلوث البيئي، اضافة الى الاضرار الاقتصادية المدمرة، فقد سبق ان اجرينا دراسة تفصيلية للاضرار الصحية والاقتصادية والاجتماعية للازدحامات المرورية ووجدنا ان كلفة الازدحام لمدينة بغداد وحدها يبلغ 45 مليار دولار سنويا ، كما يقضي المواطن العراقي اكثر من 500 ساعة سنويا في الازدحامات وهو الرقم الاعلى عالميا ، كذلك تتسبب تلك الازدحامات بصرف وقود نتيجة دوران المحرك دون حركة للسيارة اكثر من مليار ونصف المليار من الدولارات كوقود ضائع سنويا، اضافة الى كلفة ضحايا الحوادث المرورية التي تقدر عالميا ما بين ضعف الى ثلاثة اضعاف الكلفة الاقتصادية للازدحام .

6-                      التعويل على مشاريع فك الاختناقات لن يكون مجديا، صحيح انه سيسهم في باديء الامر بتخفيف الازدحام على بعض المحاور لكنه سيشكل ضغطا على محاور اخرى، وسيصيح لاحقا جاذبا للسيارات الهاربة من محاور الازدحامات، كما انه سوف يعظم من التشجيع على استخدام السيارات الشخصية بصورة اكثر، مما يعني المزيد من الانبعاثات الضارة ومزيد من الحوادث ، علما ان مثل هذا التوسعات تم التخلي عنه عالميا مع بداية الالفية الثالثة باتجاه تعزيز النقل العام وفق ما اكدته المنتتديات العالمية والامم المتحدة والبنك الدولي.

7-                      النقل العام يكاد ان يكون حساس لموضوع الاستثمار، فقد سبق للدول الاوربية ان قامت بخصخصة مكونات انظمة النقل العام في تسعينيات القرن الماضي، للتخفيف عن كاهلها ماليا ، الا  ان هذه المحاولة باءت بالفشل من خلال تدني نوعية الخدمة وبالتالي عزوف المواطنين عن الاستخدام، وتم التخلي لاحقا عن هذا الامر، لكون ان الفوائد غير الملموسة تتعدى الفوائد المالية ، والتي تتلخص بالبيئة والصحة والاقتصاد ، اذا ما عرفنا ان قطاع النقل مسؤولا عن اكثر من 40% من الانبعاثات االضارة في البلدان النامية وأقل من ذلك بقليل في الدول المتقدمة، وهذا ما يبرر قيام العديد من البلدان من تقديم خدمات نقل عام مجانية لمواطنيها.

نتمنى على دولة السيد رئيس مجلس الوزراء اعادة النظر في القرار وضرورة اخضاعه لمزيد من المناقشة والنضج وعدم الاعتماد على اراء غير المختصين ، سيما وان الدوائر في العراق تفتقر الى المعرفة الفنية التي تتطلب فهم العلاقة بين النقل واستخدامات الارض والتي تعتبر وفق المفهوم العالمي متلازمة حتمية.  

أحدث المقالات

أحدث المقالات