كثير من الكتاب الوطنيين, اشاروا الى الأدوار السلبية للأعلام الذي يتغذى على المعانات الفكرية والسياسية والثقافية للعراقيين , وتبنى مهمة تدمير الوعي الجمعي وتشويه الرؤيا لحقيقة المتغيرات والتحولات التي تتحكم سلباً او ايجاباً في مصيرهم , وكبس رمـد المقالات والتحليلات والتنظيرات البائسة داخل بصيرتهم , ثم الأدعاء بأن الأمر دفاعاً عن قيم ومباديء وطنية انسانية , وسائل لغايات راكدة في مخيلة القوى التي لا ترغب ان ترى العراق واقفاً على قدميه .
لم تكن ثمة اشكالية , اذا ما تعلق الأمر بجهات موتورة مشبوهة العلاقات والنوايا , معروفة بأرتباطاتها وتاريخها ودمويتها , كما هو الأعلام السلفي التكفيري والقاعدي البعثي , لكن ما يثير غضب الرأي العام ورفضه , تلك الأشكالية التي تتعلق ببعض الكتبة القادمون مع التيار الآسن لثقافات ازمنة الأنحطاط التي افرزت قطيعاً من فاقدي المصداقية والموضوعية والقدرة على مراجعة واصلاح ثقوب الذات , فأكتسبوا مناعة غريبة ضد الشعور بالمسؤولية والأحساس بوخزة الضمير واصبحت انشائياتهم منزلقاً, هبطت قيمتها وتراجعت اسعارها في اسواق الرزق الحرام , مما اضطر اغلبهم الى اعتماد القبض على حساب ( القطعة ) وجعل نتاجاتهم ( مقالاتهم ) خاوية الا من التكرار الممل للأشاعات والأكاذيب والرخيص من بذاءات التشهير والتسقيط .
اضافة للتجارب التاريخية , فالواقع الراهن, اثبت الكثير من النوايا ورعب التراجع بأتجاه مستنقعات الردة, فاذا كان الوجه الأخر لعملة التكفير يدعي الأنتماء للتيارات الأسلامية وحق تكفير الآخر ــ المختلف ـــ حـد شرعنة ابادته والتمثيل به جسدياً وسياسياً وفكرياً واخلاقياً وتبرير تفجير الأبرياء, حيث تجمعاتهم ومراكز عملهم ودراستهم واماكن عباداتهم,هذا الأنحراف والسذوذ والسقوط ( كفر التكفير ) حتى وان تسلفن بهتاف (اللـه اكبر ) يسمى اعلاماً, فماذا نسمي من يدعي العلمنة والليبرالية واليسارية , وتلك مسميات ابتكرتها وعبرت فيها البعض من شعوب الأرض عن ثورات وتحولات ثقافية وعلمية واجتماعية وصناعية وسياسية , جعلت منها في طليعة التطور الحضاري , كيف نفهم محاولة تسفيه تلك القيم والمباديء, ليجعل منها بعض المقلدين وجهاً خبيثاً لعملة التكفير والألغاء .
كل يوم ان لم يكن كل ساعة ودقيقة , تصفع مشاعر الناس وذائقة الرأي العام , مقالات وتحليلات وقصائد وكاريتير واناشيد , تتبادل المفبرك من الأشاعات والأكاذيب , تعيد بها جلد العراق وتدمير عقل العراقيين وتشويه وعي الرأي العام , وتدعوا الى العجز والأرباك والأحباط ووأد المبادرات الجماهيرية الذكية في مهدها ثـم ومن داخل معبـد صحيفـة المدى البغدادية تهتف ” سلاماً يا عراق ” تماماً كما يهتف الوجه الآخر ( اللـه اكبر ) وهو ينحر ضحيته .
لا يهم ان يخطأ المرء , او يرتجل موقفاً , ثم يراجعه عبر الحوار البناء مع الآخر , او منحازاً بنوايا حسنة , ثم يراجع نفسه على محك ردود افعال الرأي العام والتجرد في قراءة الرأي الآخر , ليعيد تقويم قناعته ان كانت عكس التيار الوطني , اما ان يحاول خداع النفس والكذب على الذات والأصرار على تضليل الرأي العام او الأكتفاء, بأن القطيع الذي ينتمي اليه راضياً عنه مباركاً سلوكه معجباً بأنشائياته مكرماً صلافته , ثم الأستعانة بشرطي الثقافة ( الرقيب ) للتحقيق مع مقالة ووجهة نظر الآخر ومنع مرورها الى صحافتة ومواقع قطيعه , فتلك قضية تشير الى اشكالية تؤكد اشكالية اخرى , ولو دققنا الأمر عبر تشريح عدد من المقالات لواحد من كتاب القطعة وتابعنا هواها وجربنا رائحتها , لأدركنا المؤخرة التي ينقل منها اسهالاته الفكرية والسياسية , فيصبح العتب باطلاً والجفاف الأخلاقي قد احتل مكان قطرة الغيرة والمتبقي من الخجل .
البعض اكتسبوا خبرة فائقة في تطوير اعلام الأشاعات وفبركة الأكاذيب وحشو المقالات والتحليلات بذات المواد المكررة بعد تغيير الماركة التي يحددها لهم صاحب الأمتياز الجديد ودافع الأجر , ثم تمريرها نهجاً موسمياً يغرده ذات السرب المشرنق ايديولوجياً وعاطفياً وتنظيمياً من داخل ثكنة الأنضباط المطلق , انها شبكة علاقات ابوية شبه عشائرية تضحك على ذقنها من خارج المتغيرات الهائلة للحراك العراقي حتى وصل الأمر, وبعد كل انتكاسة اضافية, يسارعوا لتعليقها على شماعة الرأي العام العراقي ( المتخلف !!! ) , فقط لأن وعيه قد تجاوز سكراب المتبقي في مقابر الأستنساخ الأيديولوجي لهياكل تجاوزها الواقع العراقي, تعيد اجترار اوهامها بمكاسب قد تسقط من بين انياب قوى الردة .
الأعلام المخصي , رسمي كان او معارض , لا زال يراوح حول نقطة ضعفه وهزالة ادواره وامعيته وببغاويته , فاقد موضوعيته وقد تخلى عن وظيفته في صدق التعامل مع الرأي العام , يرى الواقع بنصف عين , يتجاهل ما هو ايجابي في وعي الناس وتماسك المجتمع والمتواضع من خطوات اعادة البناء والمتغيرات الحسنة في علاقة المواطن مع تجربته وامله وجهده في اغناء التجربة الديمقراطية , بذات الوقت يرون السلبيات ( ولا ننكرها عليهم ) بضخامة تفوق احجامها , يستعيرون احياناً عيون الفضائيات المشبوهة لرؤية الواقع الوطني , فهم ممزقون بين عجزهم ورؤية الحقائق التي يفرزها حراك الواقع على اصعدة الوعي والمعرفة والتجربة وفرض المتغيرات والتحولات النوعية , انهم عنيدون في ثباتهم على مواقف ومفاهيم ومنطلقات استهلكت وقد تجاوزتها عملية اعادة بناء العقل العراقي واتساع دائرة وعي الرأي العام , انها المساحة تتسع حد التيهة بين ضيق افقهم وفضاء التحولات في وعي العراقيين وقدرتهم على اعادة تقييم تجاربهم بما يسهل عليهم تحقيق انجازات اضافية .
بين العورة والعورة , لم تجد عملة الأعلام الوطني من يتعامل معها وبها , وتجاهلها يشكل جزءً من غياب او تغييب الوطنية العراقية , لكن النهوض العراقي الحاصل , ورغم كثافة التعتيم , سيجعل من الأعلام الوطني والثقافة الوطنية بشكل عام , قادرة عن رفع الغطاء عن ملفات فضائح الفساد والأرهاب التي يتجاهلها او يتستر عليها سلفيي اعلام الردة بوجهي عملتة .