18 ديسمبر، 2024 9:43 م

وجنت على نفسها براقش

وجنت على نفسها براقش

ونحن نطلع على قرار تبني الأمم المتحدة ( وهو قرار غير ملزم ) ، بشأن وضع آلية لتقديم التعويضات لأوكرانيا عن الخسائر التي تكبدتها جراء النزاع مع روسيا ، والذي صوت إلى جانبه 94 دولة، وعارضت 14 دولة، بينما امتنعت 73 دولة أخرى عن التصويت ، والحالة هذه لم تسعفنا الذاكرة الا باستذكار المقولة العربية الشهيرة “على نفسها جنت براقش” .
ومن منا لم يعرف هذه المقولة التاريخية ، الا اننا وللتذكير ، سنسلط الضوء على واحدة من الروايات التي تشرح سبب ظهور هذه المقولة ، فقد اختلفت كتب التراث حولها ، حتى قدّمت ثلاث حكايات، كما قدمت العديد من الصيغ لهذه المقولة الشهيرة ، ولكن المعنى واحد ، والقصة وما فيها ، ان “براقش” ، يعود الى اسم ( حاشاكم الله ) ، الى كلبة ، تسببت في مقتل قومها ، وكانت تعيش في قرية صغيرة تحرسها ، وتحرس المساكن من اللصوص والأعداء، فكانت الكلبة تقوم ” بالنباح ” كلما اقترب العدو ، لتحذير أهل القرية ، وفي إحدى المرات، هاجم أعداء أشداء القرية ، فقامت براقش كعادتها” بالنباح ” لتحذير أهل القرية للخروج من مساكنهم والاختباء ، وبالفعل هذا ما حدث ، فقد كان العدو أكثر قوةً من أهل القرية ، مما دفعهم للخروج من المنازل والاختباء في مغارة قريبة حتى يخرج العدو من قريتهم ، وبعد بحث الأعداء عن أهل القرية ولكن دون جدوى ، وعندما هموا بالخروج من القرية، نبحت الكلبة ” براقش ” فرحًا بخروجهم من قريتهم وسلامة أهل القرية.. وعلى الرغم من محاولة صاحب ” الكلبة ” إسكاتها، إلا أن العدو انتبه إلى نباحها وهاجم المغارة واستباح أهل القرية فقتل منهم الكثير، كما قاموا بقتل الكلبة “براقش”.
والحال هو الحال ، ينطبق على الأمم المتحدة ، ولكن مع اختلاف في النوايا ، فقد تعودنا على سماع نباح ” براقش ” ، ومنذ تأسيسها ولليوم ، وهي تدافع للتغطية على الجرائم التي ترتكبها الولايات المتحدة و ” ربيباتها ” ، وما يرتكبوه من ” استهتار ” بكل الأعراف والقوانين الدولية ، وسرقة مقدرات الشعوب ، وتدمير قدراتها ، ونهب ثرواتها ، والتي أودت حتى الان بمئات الملايين من الناس الأبرياء ، والذين قتلوا او شردوا بمباركة كريمة من هذه المنظمة ، التي أقل ما يقال عنها ، بأنها تساير القتلة وقطاع الطرق ، ولم تنصف يوما ومنذ ولادتها أي من الشعوب المستضعفة التي ترنو للاستقلال والحرية من استعباد الدول الاستعمارية العضوة فيها .
واليوم لم نفاجأ ، بالقرار الجديد الذي يوصي بإعداد سجل الأضرار التي ألحقت بأوكرانيا جراء “الأعمال المخالفة للقانون الدولي من قبل روسيا الاتحادية”، ووضع آلية لتقديم التعويضات عن الخسائر ، في إشارة واضحة لا تقبل التأويل أو التسويف ، إلى أن الدول الغربية تسعى لاستخدام الأصول الروسية المجمدة لتمويل توريدات الأسلحة لأوكرانيا، واقل ما يقال عنه هو ان الأمم المتحدة تشرعن “النهب السافر” ، خصوصا واذا ما علمنا انه في أكتوبر الماضي ، قدر البنك الدولي الأضرار الناجمة عن القتال في أوكرانيا بنحو 350 مليار يورو ، ( وهو يقارب المبالغ الروسية المجمدة ، لدى الدول الغربية ما مجموعه 330 مليار دولار من الأصول الروسية ، وفي بريطانيا 18 مليار ) ، وأكد المستشار الألماني أولاف شولتز ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن كييف لا تستطيع تحمل النفقات الضرورية وحدها ، واقترح السياسيون تطوير “خطة مارشال” لأوكرانيا بمشاركة الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع (G7) والمؤسسات المالية والمنظمات الدولية والمستثمرين من القطاع الخاص.
ويؤكد القانونيون ، أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن التعويض عن الأضرار التي لحقت بكييف “باطل قانونيا” ، لأن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة من حيث المبدأ ليس لها قوة ملزمة ، ولكن عندما تتعارض، من حيث محتواها مع ميثاق الأمم المتحدة والمعايير الأساسية للقانون الدولي، فإن هذا يجعل هذه القرارات ، وكما أوضح نائب رئيس مجلس الاتحاد الروسي كونستانتين كوساتشوف ، ليست مجرد قرارات تصريحية، بل “باطلة من الناحية القانونية” ، ووفقا له، فإن هذا لن يوقف المبادرين والمؤلفين للسبب الرئيسي الذي بدأ من أجله هذا الإجراء المتمثل بـ “إضفاء الشرعية ” على الأقل على أفعالهم غير القانونية المتعمدة للتجميد والحجز للأصول الروسية ، ثم استخدامها لاحقا وفقًا لتقديرهم الخاص ، وإن الشيء الوحيد المشجع إلى حد ما على الأقل، هو أنه في هذا التصويت، كان عدد الأقمار الصناعية للولايات المتحدة وحلفائها في الناتو ، أقل من نصف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، 94 من أصل 193 ، وإن 94 دولة من أنصار العالم أحادي القطب، أو التي استسلمت تحت ضغطه، لا تزال كثيرة، ولكن لم يعودوا الأغلبية ، ومن المهم تسجيل ذلك ، وهذا يعني وكما اكد نائب مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة ديميتري بوليانسكي ” بشكل عام، يعد هذا إخفاقا تاما بالنسبة لأولئك الذين يفرضون النظام القائم على القواعد على العالم بأسره، فقط هم لن يرغبوا في الاعتراف بذلك بالطبع .
وبات واضحا السبب الكامن وراء المبادرة الغربية ، فهو مرئي بالعين المجردة، حيث يحاول الغربيون من خلال الجمعية العامة إضفاء بعض مظاهر الشرعية على محاولاتهم للاستيلاء على الأصول الروسية المجمدة في الغرب، أو بالأحرى سرقتها ، وسيفعلون ذلك على المستوى الوطني، مشيرين إلى “إرادة المجتمع الدولي” التي يُزعم أنه تم التعبير عنها في الجمعية العامة ، وأن آلية جمع “التعويضات” من روسيا، التي ينوي الغرب تمريرها من خلال الجمعية العامة، تهدف إلى إضفاء الشرعية على مصادرة الأصول الروسية المجمدة ، بإجراءات نعد واحدة من أعظم السرقات في التاريخ.
وهنا نوافق الرأي لنائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف، الذي اكد فيه إنه يجب على الأمم المتحدة ، أن تتبنى قرارا بشأن التعويض الكامل عن الأضرار التي لحقت بالدول من طرف الولايات المتحدة وبريطانيا ، التي لحقت بكوريا وفيتنام والعراق ويوغوسلافيا والعديد من الضحايا الآخرين من الأمريكيين وحلف الناتو ، وكانت الأمم المتحدة ( براقش ) شاهدة على الكثير من جرائم الحرب والانتهاكات لحقوق الإنسان، قدمت الدعم والمساعدة في بعضها، واكتفت بتعبيرها عن قلقها وإدانتها لبعضها الآخر ، ولكن الأسوأ كان خذلانها وغضها الطرف عن جرائم أخرى.
كنا شهود عيان ولا نزال ، على اكبر عمليات تخاذل من أعضاء الأمم المتحدة ، الذين فقدوا أصوات نباحهم ، من اجل درء العديد من الجرائم في المقدمة منها الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني ، والعراق الذي تم ذبحه بسكين ( لم تسنها ) الأمم المتحدة ، ليبقى وحتى يومنا هذا معذبا بجراحه ، وتدميره ، وتشريد شعبه ، ونهب ثرواته ، كل ذلك امام انظار وصمت صوت نباح ” براقيش ” ، ولا يختلف الحال ما جرى ويجري في ليبيا حتى اليوم ، من تدمير منسق من قبل براثن الناتو ، بمباركة مباشرة من الأمم المتحدة ، ولا ننسى ما يجري في سوريا الحبيبة ، وقوافل التهجير للسوريين تنتشر هنا وهناك ، وتدمير البلاد على ايادي المخربين والقتلة وجماعة الانغلو ساكسونية من الإرهابيين ، والذين يعيثون في ارض سوريا الفساد ، دون ان يحرك ذلك شعور الأمم المتحدة أو سماع نباح ” براقيش ” ، الذي من المفترض ان يكون صوتا يشعرنا بالأمان ، لا ان تخدعنا الأمم المتحدة ، ليكون نباحها ، كنباح ” براقيش ” بدلا من تحذير شعبها ، قتلتهم ” بنباحها ” .