23 ديسمبر، 2024 12:11 ص

وجنت على نفسها اوكرانيا

وجنت على نفسها اوكرانيا

أعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في اجتماع مع رئيس لجنة التحقيق الروسية ألكسندر باستريكين ، أن الاستخبارات الأوكرانية هي التي خططت للهجوم الإرهابي على جسر القرم ونفذته، وأن الهجوم استهدف موقعا حساسا في البنية التحتية الروسية ، واسراع الكريملين الى نفي التصريحات حول عما إذا كان الهجوم الإرهابي على جسر القرم يندرج ضمن دوافع تفعيل العقيدة النووية الروسية بالقول ، ” إنها صيغة خاطئة تماما للسؤال” ، يضع امام الرئيس الروسي أمام مهمة صعبة ، هي الاستجابة الى المطالب الشعبية والقيادات العسكرية والسياسية ، بضرورة تغيير صفة العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا ، الى حرب روسية ضد الإرهاب .
صحيح انه وبعد يوم واحد من حالة الطوارئ على جسر القرم أي ( بعد انفجار شاحنة قادمة من البر الرئيسي إلى شبه جزيرة القرم ) ، تمت استعادة روابط الطرق والسكك الحديدية مع شبه الجزيرة ، بالإضافة إلى ذلك ، تم تنظيم معبر مجاني للجميع ، لكن في الوقت الحالي ، لن يكون من الممكن الوصول بسرعة إلى شبه جزيرة القرم – حيث يتم فحص السيارات المارة بعناية لضمان سلامتها ، وأفادت لجنة التحقيق الروسية أنها توصلت بالفعل إلى معلومات حول الشاحنة المنفجرة وصاحبها.
ووفقا للبيانات الأولية للجنة التحقيقية ، فإن الشاحنة التي انفجرت ، مسجلة باسم سمير يوسوبوف ، 25 عاما ، من سكان كراسنودار ، عمل عليها عمه ويدعى ماهر ( والذي منذ الحادث لم يتصل باهله ) ، كان الرجل يعمل في نقل البضائع ، فقد تم اعدادها في بلغاريا ، ووصلت إلى جورجيا، ومنها إلى أرمينيا، ثم إلى أوسيتيا الشمالية في روسيا، قبل أن تصل إلى إقليم كراسنودار المحاذي للقرم جنوب غربي روسيا، وتلقى سائق الشاحنة ( وهي من طراز ProStar دولية تحمل لوحات Kuban ، وكانت محشوة بما لا يقل عن 100 كجم من المتفجرات) ، تلقى أمرًا لنقل البضائع في 6 أكتوبر من شركة TEK-34 لنقل أفلام علب التغليف من (Armavir ) إقليم كراسنودار إلى سيمفيروبول.
فإن حادث تفجير جسر القرم ، يجمع عليه الكثيرون بانه محاولة غربية مكشوفة لهزيمة روسيا ليس من الخارج ، هذه المرة ، ولكن من الداخل الروسي ، ومحاولة هز صورة الرئيس بوتين ، لذلك يحاول الغرب على الرهان الرئيسي لضرب ثقة الشعب ببلدهم وبرئيسهم ، الذي تشير معظم استطلاعات الرأي العام الى ارتفاع شعبيته لدى المواطنين الروس الى نسبة تصل الى 81 بالمئة ( بالمقارنة مع الرئيس الأمريكي جون بايدن الذي تدنت شعبيته الى ماضون الأربعين بالمئة ، وهو على أبواب الانتخابات البرلمانية النصفية ) ، والانفجار على جسر القرم دليل واضح للغاية ، وبحسب الرواية الرسمية ، فقد انفجرت شاحنة قادمة من البر الرئيسي إلى شبه جزيرة القرم ، وانتشرت مقاطع فيديو لخزانات الوقود تشتعل ، انتشرت كهشيم النار وبسرعة في كافة ارجاء العالم ، وهذا كل ما في الأمر ، وبعد كل شيء ، صمد الجسر نفسه ، وتم إطلاق حركة المرور عليه مرة أخرى ، لكن التأثير الإعلامي والنفسي مهم دائمًا ” للإرهابيين ” ، ولهذا يختارون شيئًا يحمل معنى رمزيًا ، وهذا يعني شيئًا بسيطًا – لقد تم الاستفزاز لرفع الأسعار.
وأريد أن يكون الهجوم الأوكراني على جسر القرم ، كرد كييف على آخر نجاحات الجيش الروسي – وهو ما يجمع عليه الخبراء الغربيون ، وهم متأكدون من ذلك ، فكييف اليوم منزعجة بشكل خاص من اختراق اتصالات الأقمار الصناعية Starlink والاستخدام الناجح للطائرات المسيرة بدون طيار ، ولا يمكن المبالغة في تقدير أهمية الهجوم على اتصالات Starlink إذا تسبب في رد فعل مجنون في كييف ، خصوصا وان Starlink ، هي الطريقة الرئيسية للاتصال بين القيادة الأوكرانية والوحدات الميدانية ، وبمساعدة نظام الأقمار الصناعية هذا ، يتم ضبط إطلاق النار ، ومن المفترض أنه يشمل أنظمة صواريخ HIMARS الأمريكية ومدافع هاوتزر M777 .
كما ان التكوين الدقيق لأسلحة الناتو عالية الدقة المرسلة إلى أوكرانيا غير معروف ، وعلى الأرجح ، إنه مجهز بأنظمة تحكم واتصالات خاصة ، والتي تستخدم أيضًا كوكبة القمر الصناعي SpaceX ، وان هذه الأقمار الصناعية تتيح إمكانية استخدام اتصالات Starlink ، التي أرسلها إيلون ماسك الحنون إلى أوكرانيا في الربيع ، ويتم استخدام Starlink الآن من قبل جميع الوحدات الأوكرانية تقريبًا على طول خط الاتصال ، ويستخدم القادة اتصالات الأقمار الصناعية لإدراك الموقف ، حيث كانت هناك حاجة أيضًا إلى Starlink للتواصل مع الطائرات بدون طيار وتلقي المعلومات الاستخبارية العملياتية ، والتي يزودها الناتو الأوكرانيين بكوكبة الأقمار الصناعية.
يسمح استخدام الأوكرانيين لـ Starlink في ساحة المعركة بالحديث عن “أول صراع عسكري عريض النطاق في التاريخ” ، هذا التعريف قدمه الخبير العسكري بريندان ماكورد في مقابلة مع وكس، ووفقًا له ، فقد تم خوض ما يسمى بـ “حروب الشبكة” في وقت سابق في حلف الناتو في أجزاء مختلفة من العالم ، لكن الاتصالات تعتمد على النطاق الترددي المنخفض ونقل البيانات بسرعة منخفضة. الآن نما حجم البيانات التكتيكية بشكل كبير ، الأمر الذي تطلب استخدام Starlink.
وبدأت الانقطاعات في عمل Starlink في نهاية سبتمبر – على الرغم من أن السلطات الأوكرانية لم تكن في عجلة من أمرها لإعلان ذلك، بينما تكتم المسؤول في كييف عن هزيمته ، وسرعان ما أصبح “العمى” للجيش الأوكراني سرا معروفا. ، فقد أدى الهجوم السيبراني على Starlink ، Starlink Hack ، بحسب تعبير خبير الامن السيبراني كريس هولت ، على صفحاتEngadget ، إلى خسارة فادحة في الاتصال على طول خط الاتصال بالكامل: في مناطق جمهورية دونيتسك وزابوروجيه و خيرسون ، وكتب علاوة على ذلك ، بأن الأمر قد وصل الأمر إلى المضحك ، فقد بدأ الجنود والضباط الأوكرانيون ، الذين فقدوا الاتصال بهم ، في الاتصال في ذعر بـ “الخط الساخن” لشركة Elon Musk.
وكانت أكثر الانقطاعات الملموسة على وجه التحديد في تلك المناطق التي حاولت فيها القوات المسلحة لأوكرانيا تنظيم هجوم ، وعلى وجه الخصوص ، توقفت محطات Starlink الفضائية تمامًا عن العمل في الجزء من منطقة خاركيف الذي يحتله الأوكرانيون ، حيث حاولت القوات المسلحة لأوكرانيا تنظيم هجوم على LPR ، و صُدم إيلون ماسك نفسه في البداية مما كان يحدث لدرجة أنه رفض التعليق ، بالإشارة إلى حقيقة أن ما يحدث في ساحة المعركة مصنف ، من أن الهجوم السيبراني كان قويًا وفعالًا لدرجة أن سبيس إكس أجبر لاحقًا على التحذير من أنه يكاد يكون من المستحيل استخدام ستارلينك لأغراض عسكرية على الأراضي الأوكرانية.
كما كشفت التسريبات ، أنه يمكن للقراصنة الروس الوصول إلى رموز برنامج Starlink من خلال الاستيلاء على محطات الأقمار الصناعية في الأراضي المحررة من القوات المسلحة لأوكرانيا ، ومن خلال الوصول الكامل إلى الرموز ، يمكن للمتسللين اعتراض إشارات الأقمار الصناعية من المحطات وتشويهها ، وإن هذا وفقا للخبراء سيسمح بتلقي معلومات استخباراتية للناتو وتقديم أفخاخ للطائرات بدون طيار ، HIMARS و M777.
والسبب الاخر الذي دفع المخابرات الأوكرانية الى نقل نشاطهم الى الداخل الروسي ، بدعم وتشجيع كبير من الولايات المتحدة ، لتحقيق أي نصر مهما كان حجمه ، لتتلقفه آلة الاعلام الغربية ، وتسخيره لخدمتها ، هي ان دائرة الخيارات بدأت تضييف على الرئيس الاوكراني ، فقد بدأت حرب التغريدات بينه وبين الملياردير إيلون ماسك ، صاحب الأقمار الصناعية ( Starlink ، والتي تستخدمها القوات الأوكرانية لادامة اتصالاتها غيما بينها وتوجيه صواريخها من خلالها) ، والذي غرد بضرورة وقف الحرب فورا ، والاعتراف بجزيرة القرم بانها أراضي روسية واجراء انتخابات تحت اشراف دولي في الناطق التي انضمت حديثا الى روسيا تحت اشراف الأمم المتحدة ، وصدمه مع العديد من الدول الغربية التي استنكرت تصريحات ” المهرج زيزو ” حول ضرورة توجيه ضربة نووية ” استباقية ” لروسيا ، ليتراجع عن هذه التصريحات فيما بعد ، بسبب الانتقادات الاوربية لهذه التصريحات ، وأخيرا ما كشفه ضابط المخابرات العسكرية الأمريكية جوزيف دوناتو، من أن الجيش اقترح على القيادة السياسية إرغام زيلينسكي على قبول السلام مع روسيا، نظرا لأن الناتو لن يستطيع الاستمرار في تسليحه.
ان التصريحات الروسية والهادئة والغير متشنجة حتى كتابة هذه السطور ، صعبت من مهمة المحللين والخبراء العسكريين في تحديد طبيعة الرد الروسي ، فالرئيس الروسي وخلال لقاءه مع رئيس اللجنة التحقيقية التي شكلها بوتين في حادث تفجير جسر القرم ، لم يشر او توعد بإجراءات جوابية ، لكنه اكتفى بتحديد الجهة التي نظمت هذا الهجوم ، وتأكيده على ان مثل هذا العمل هو ” إرهابي ” واستهدف احدى المرافق الاستراتيجية في البنية التحتية الروسية ، ما جعلهم ( أي الخبراء والمحللين ) الوقوع في خانة التخمين فقط ، ولكن نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف ، أكد أن من خطط ونفذ الهجوم الإرهابي على جسر القرم هو دولة أوكرانيا الفاشلة، وردّ روسيا سيتمثل في القضاء التام على الإرهابيين ، ” وهذا ما ينتظره مواطنو روسيا وهذا الرد المتّبع في العالم”.