23 ديسمبر، 2024 10:36 ص

لا يجد العراقي وقتاً للاستجمام، والراحة في كل مفاصل حياته، حتى في بيته الذي يفترض ان يكون مكاناً للراحة النفسية والجسدية معاً، فالحكومة واحداثها تلاحق العراقيين في كل مكان وزمان. لا هروب من السياسة وواقعها المزري، ولامناص من الاخبار التي تشي “بهبطة” ربما يكون مرض “السكر” و”الضعط” اول ثمارها! يخرج الواحد منا الى عمله باكراً، يجد الاخبار والازمات السياسية تلاحقه في كل مكان. يصعد في “الكيا”، يجد الركّاب يتجادلون في السياسة بحدة، وكأنهم “واحد يريد أن يأكل الثاني” وكلً يدافع عن الشخص الذي يراه جديراً برئاسة العراق. فالاشخاص الذين يركبون “الكيا” او المنتدى الاجتماعي كما يسميه صديقي، كلهم محللون سياسيون، وخبراء وتكنوقراط.. تصل الى مكان عملك بعد الخروج من جدال عقيم في “الكيا” اسفر عن صداع في الرأس، “وقهرة” اخذت ثلاث سكائر! تجد صديقك الموظف يصرخ الصرخة تلو الاخرى “كلهم حرامية وخوات…!” يرد عليه الثاني: “بيهم الزين وبيهم الشين” وهكذا تتصاعد وتيرة النقاش الى ان يصل الى الزعل والقطيعة ويتصالحوا اخيراً في “غداء دسم”! ويرجع نقاشهم الى ان تصل للشتائم في ما بينهم، كل واحد يتهم صاحبه بالغباء وانه “مطي” في السياسة، والحقيقة لايوجد “مطي” الا من ينظر صباحاً ومساءً، وبالتالي تجد هذا التنظير عبارة عن شعارات جوفاء. فلا تكاد تصل الى قضية فيها فساد او اللعب في اموال الشعب، تجده اول من يسرق الشعب وينسى نقاشه الذي يصرخ به: “كلهم حرامية”! ترجع الى بيتك حالماً في الطريق بالوصول امام “المبردة” لشدة التعب والنكد الذي تراه في الازدحامات، والكلام في السياسة غير المجدي، تجد احد ابنائك قد شرع بفتح التلفاز وينظر الى برنامج يتكلم عن حلول الازمات في البلاد ويقول صاحبه: لا حل الا ان يحمي الشعب نفسه، ويتعاون مع الحكومة!. لا خلاص من ان يزُل اللسان قائلاً: “شيحچي هذا؟ غير ابن كلب”. تصرخ بأبنك ان يقلب التلفاز، لمشاهدة شيء يقلل من الهموم التي تقابلها في الشارع، فسرعان ما تجد امامك، وانتَ تبحث في القنوات، خبراً عاجلاً مفاده: انفجار سيارة مفخخة وسط جموع الخ.. يمسكك “القهر” لساعات متتالية، ثم تعود لمشاهدة التلفاز آملاً في ايجاد برنامج للترفيه، فسرعان ما ينكشف لك زيف الاعلام وكذب المثقفين من على شاشات التلفاز فتغلقه، حفاظاً على صعود “السكر” وهياج “القولون”! تذهب للانترنيت للتواصل مع الناس والترفيه عن النفس فاتحاً موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) تجد التراشق بالتهم والشتائم البذيئة، فتظن ان المعركة قد بدأت، وان عليك الهروب لئلا تصٌاب بشتيمة في غمار هذه الحرب التي يقودها فرسان الفيسبوك! تذهب “تسيّر” على الناس وتجلس في مضايفهم، لعلك تجد كلاماً تشعر بطمأنينة عند سماعه، فسرعان ما يسألك: “شخبار البرلمان والتقاعد”؟! واذا اردته ان يكون كريماً، ويغيّر الموضوع، يسألك :”شلونها الكهرباء وياكم”! لاتجد بداً الا القيام والخروج للمشي وحدك في الشارع، عسى ان ترتاح وتستنشق الهواء النقي. تظهر امام عينيك بين الفينة والاخرى صور لشباب قتلوا في انفجار او في دوامة الفوضى العارمة التي مرت بالعراق، وكذلك اصوات المولدات، وصياح السواق، على بعض “شوف هذا ابن… شلون كسر علي”. تظن انه لا بديل الا الاطفال فهم البريئين في زمن انتصر به الذئاب، فتجلس معهم، واذا نطقت بكلمة واحدة تغث الطفل، يسحب مسدس ابو الماء من حزامه “ويبلل ملابسك”، فتشعر بالدهشة، وتتغلب “الضوجة” عليك وتتساءل: اين الذهاب من صخب وضجيج الحياة العراقية المضنية؟ ففي خضم هذه الاوضاع المتردية التي تمر بنا، لانجد الا الصراخ: وين اولي، وين اروح؟ عسى ان نجد مجيباً!.