22 نوفمبر، 2024 3:27 م
Search
Close this search box.

وتذكّرت اصدقائي التورغينفيين

وتذكّرت اصدقائي التورغينفيين

تم افتتاح تمثال للكاتب الروسي ايفان سرغييفتش تورغينيف ( 1818 -1883) في موسكو , وذلك بمناسبة مرور قرنين على ميلاده , وقد افتتح التمثال في حينها الرئيس الروسي نفسه , وهو آخر تمثال لتورغينيف في روسيا , و يختلف هذا التمثال عن التماثيل الاخرى له تماما , اذ ان النحّات قدّم لنا تورغينيف في شبابه , عندما كان عمره 30 عاما فقط, وهو تمثال في غاية الرشاقة و الجمال , ويقف تورغينيف الشاب في حديقة بيت والدته , ويمسك بيديه عدة اوراق , وخلفه البيت الروسي الارستقراطي للوالدة , حيث كان لتورغينيف هناك غرفة خاصة يسكن فيها , اذ انه غالبا ما كان يزور البيت ويبقى فيه عدة أيام .
تذكرت الاسماء العزيزة على قلبي وانا أتأمل هذا التمثال غير الاعتيادي للشاب الرشيق تورغينيف , الاسماء التي ترتبط بتورغينيف نفسه , اي اصدقائي (التورغينفيين !) الراحلين , ولكنهم دائما وابدا في وجداني وتفكيري , ومنهم الدكتور محمد يونس , استاذ الادب الروسي في جامعة بغداد , وزميل العمر كله , منذ معهد اللغات العالي في الوزيرية , وعبر القسم الداخلي لجامعة موسكو والدراسة معا في كليّة الفيلولوجيا هناك , الى العمل معا بعد التخرّج في قسم اللغة الروسية في كليّة الاداب اولا , ثم في كليّة اللغات بجامعة بغداد , هذه المسيرة المشتركة , والتي استمرت منذ ( الشباب الى المشيب !) , و من (فجر الحياة حتى المغيب!) يا أبا جاسم الحبيب …
كتب محمد يونس اطروحة الماجستير في جامعة موسكو عن تورغينيف في الستينيات , وأصدر كتابا بالسبعينيات في بيروت عن تورغينيف , وهو اول كتاب عراقي شامل عن هذا الكاتب الروسي الكبير حسب علمنا المتواضع , ولا يزال هذا العمل العلمي الرائد – ولحد اليوم – واحدا من المصادر العربية المهمة حول ادب تورغينيف , بغض النظر عن كونه قد صدر قبل حوالي نصف قرن تقريبا , وليس ذلك بالقليل . وبالرغم من ان محمد يونس ابتعد قليلا عن تورغينيف وكتب اطروحة الدكتوراه في جامعة موسكو عن تولستوي , الا انه كان مشرفا علميا لاول شهادة ماجستير يمنحها قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , والتي كتبها آنذاك طالب الدراسات العليا حسين عباس ( الدكتور حاليا والقائم باعمال سفارتنا في كييف باوكرانيا , ونحن في اواسط عام 2023 ) , وكانت هذه الاطروحة عن الادب المقارن بين الكاتب الروسي تورغينيف والكاتب المصري محمد عبد الحليم عبد الله , ولم يكن هناك تدريسي آخر في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , يمكن ان يكون مشرفا على اطروحة تتناول هذا الموضوع عدا محمد يونس.
ومن بين الاسماء العراقية العزيزة ايضا , والتي تذكرتها امام تمثال تورغينيف , اسم الدكتورة حياة شرارة , زميلة العمر كله كذلك , وهي البروفيسورة الاولى في تاريخ قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , فقد خططت حياة شرارة لترجمة المؤلفات الكاملة لتورغينيف عن الروسية , واستطاعت فعلا ان تنجز ثلاثة اعمال كبيرة من تلك المؤلفات واصدرتها في بغداد رغم كل الصعوبات الهائلة آنذاك , التي كانت امامها في ذلك الزمان الجهم , وتذكرت طبعا اصرارها على انجاز تلك الترجمات , وتذكّرت ايضا , انني لم أؤيدها في ذلك , و قلت لها , ان هذه الاعمال مترجمة , فقالت ضاحكة , انها ستطلّع على تلك الترجمات بعد انهاء العمل ( ..كي لا تؤثّر تلك الاعمال على ترجمتي ..) , واستمرّت ام مها فعلا في تنفيذ خططها , ولكن…..
ومن بين الاسماء الحبيبة لي اسم غائب طعمة فرمان , التورغينفي العتيد والاصيل , لأن اسمه يرتبط بترجمة المؤلفات المختارة لتورغينيف بخمسة اجزاء , والتي صدرت في موسكو بالنصف الثاني من القرن العشرين , وتذكرت كيف تعجب غائب عندما حكيت له قصة حياة شرارة واصرارها على ترجمة مؤلفات تورغينيف , ولكن تواضعة العظيم منعه آنذاك من ان يقول لي , انه يترجم مؤلفات تورغينيف المختارة بناء على تكليف من دار رادوغا للترجمة والنشر في الاتحاد السوفيتي .
وتذكّرت طبعا الدكتور أكرم فاضل , الذي ترتبط باسمه اول ترجمة عربية لرواية تورغينيف ( الاباء والبنون ) , والتي صدرت في بغداد عام 1950 , وتذكرت نقاشي ( الحاد!) مع المستشرقة الميرا علي زاده في المؤتمر الثالث لمترجمي الادب ( موسكو 2014 ) حول ذلك , اذ انها اعلنت امام اعضاء المؤتمر بعد ان القيت كلمتي عن المترجمين العراقيين وتورغينيف , ان محمود احمد السيد وليس اكرم فاضل هو اول عربي ترجم رواية تورغينيف ( الاباء والبنون ) , وقد قلت لها , ان المستشرقين السوفيت يشيرون الى هذه المعلومة , ويقولون , ان محمود احمد السيد قد نشر في احدى الصحف المصرية خلاصة لتلك الرواية في عشرينيات القرن الماضي , وان القارئ العراقي لم يطّلع حتى على هذه الخلاصة ولا يعرف طبيعتها , وأضفت , ان نشر رواية تورغينيف تلك ( وليست خلاصتها ! ) قد صدرت كاملة ولاول مرة بالعربية في بغداد عام 1950 , وان هذه حقيقة كان يجب على المستشرقين السوفيت ان يعترفوا بها في حينها , وان الاستشراق الروسي المعاصر يجب ان يصحح الان تلك النظرة غير الدقيقة للمستشرقين السوفيت …
الرحمة والذكر الطيب لاصدقائي التورغينفيين – محمد يونس وحياة شرارة وغائب طعمه فرمان وأكرم فاضل …..

أحدث المقالات