الدنيا تستعر في أرجائها العدوانية الشرسة وبتفاقم وإزدهار , خصوصا في الدول التي ترفع رايات الديمقراطية , وتوهم الناس بأنها حرية التعبير عن الشرور , وفقا لإدّعاءات الدفاع عن النفس والحفاظ على الحرية والحقوق الإنسانية.
فالديمقراطية بحاجة لقوة تحميها , وسفك دماء ترويها , فالحرب العالمية الثانية نشأت بين دول ديمقراطية , وما يحصل اليوم بتأليب وتأجيج منها , في زمن تمتلك البشرية أفظع أنواع أسلحة التدمير الفائق.
والعدوانية طاقة كامنة في المخلوقات كافة ومنها البشر , وبتزايد أعداده تفاعلت مشاعره العدائية , وتعاظمت حتى إنبعجت في سلوكيات متنوعة , ستتوجها حروب ذات منطلقات فتاكة ومدمّرة لكل شيئ.
وما تقوم به الدول والجهات المختصة إلتفافات غير مجدية حول الموضوع , لأنها لا تجرؤ على مواجهة أسبابها الحقيقية , وأكثرها تريد الإستثمار فيها والتفاعل معها بعقلية (بزنزية) , فمنطلقات الديمقراطية الأساسية إقتصادية , وإن بدت غير ذلك فلتبرير النزعات الربحية الكامنة في معطياتها , ولهذا تجد المنتخَبين , من الأثرياء وأصحاب الإمتيازات الكبيرة.
وما أن يتم إنتخابهم حتى يعملوا بأقصى طاقاتهم للحفاظ على مكتسباتهم الشخصية ولا يعنيهم غير ذلك , فهل وجدتم نوابا حققوا ما ينفع الناس في المجتمعات المراهقة ديمقراطيا؟
أي أنهم يعبّرون عن العدوانية بآليات جديدة , مما يتسبب بتنميتها وتسميم العلاقات الإجتماعية , ووضع الحواجز بين الناس , ودفعهم لمزيد من التصارعات الخسرانية المروعة.
وعندما ينتشر وباء العدوانية تتعطل العقول وتُستنفَر المشاعر السلبية في مرابع النفوس المتأججة , المصابة بالعماء والإندحار الذاتي والموضوعي , فتتحقق مواجهات ضارية بين أبناء كل شيئ واحد , لأن النفوس المستعرة ستندفع نحو البحث عمّا يبرر بشائعها , وتجد أسهل وسيلة للتعبير عن شرورها أن تقرن ما تأتي به من المآثم والخطايا بدين , فتلقي بعواقب ما تقوم به على قوة كبرى تؤمن بها , وتحسب أنها مأمورة لتنفيذ ما تمليه عليها وفق ما ترى وتتصور وتعتقد.
وتلك محنة البشرية الحقيقية التي لن تفلح في الإنتصار على وباء العدوانية , ولن تجد لقاحا يوقيها من أضراره الشديدة.
فهل لنا أن نعي أجيج العدوانية المستعر فينا؟!!