23 ديسمبر، 2024 12:16 ص

العديد من الحالات النفسية تبدو وكأنها ذات قابلية عالية للعدوى , ويأتي في مقدمتها الإكتئاب , فهو مرض معدي بدرجات متفاوتة , ومتوافقة مع الظروف البيئية التي يتأكد فيها.
وتشترك في إنتشاره عوامل متنوعة ذاتية وموضوعية , فالكآبة كالبذرة تحتاج لظروف بيئية صالحة لإنباتها , وهي قدحة ذاتية تؤازرها الظروف الموضوعية , لتتسع وتكتسح وجود الإنسان الفردي والمجتمعي.
وهذا الطرح ليس بجديد , والشواهد السلوكية عليه متكررة وعبر العصور , والكثير من الأحداث والتطورات ناجمة عن وباء الكآبة , الذي يجتاح البشرية ويدفعها إلى سلوكيات إنتحارية فادحة الخسائر والتداعيات التي تسمى بالحروب , وهي تعبيرات سلبية عن الكآبة الفاعلة في المجتمع برمته.
ومن المعروف أن الرأس هو البوصلة الأساسية للسلوك , سواء كان رأس الفرد أو رأس الجماعة المتمثل بالقائد أو الحاكم والسلطان وغيره من المسميات , فإذا أصيب ذلك الرأس بالكآبة فسيندفع بسلوكيات معبرة عنها ويقوم بتنفيذها أبناء ذلك المجتمع.
وفي التأريخ أمثلة عن القادة المكتئبين الذين أوردوا البشرية الويلات الجسام , ومنهم في الأزمنة الماضية , وبعضهم في القرن العشرين , وها نحن نعايش البعض الآخر في القرن الحادي والعشرين.
فالكآبة من أخطر الأمراض التي تصيب النفس وتمتهن العقل , وتعبر عن وجودها بالسلوك التدميري الفظيع.
فالفرد ينتحر والمجتمعات والأمم تنتحر , ويغفل المؤرخون دور الكآبة في إنهيار االحضارات , فما أن يتمكن منها كرسي مكتئب حتى يقضي عليها وتأتي غيرها لتحل مكانها , وبهذه الآلية تساقطت معظم الحضارات والدول والإمبراطوريات , وهناك عوامل أخرى , لكن الكآبة ذات دور كبير , وتدب في جسد الحالة شيئا فشيئا حتى تلقيها في غياهب حتفها الأليم.
والمشكلة في الكآبة أنها تحجم الرؤية , وتدفع بالمصاب إلى الإندحار في ذاته , فيفقد القدرة على رؤية ما حوله , ويحسب كل شيئ لا قيمة له وإلى زوال , وفي جوهرها تمثل وجه الموت القاضي بالفناء.
ويبدو أن وباء الكآبة يتحقق إستثماره لتمرير مشاريع إفتراسية تدميرية هائلة التداعيات , وذلك بإفراغ المجتمعات من طاقة الحياة , ومدها بأسباب الموت والهلاك والضياع.
فهل من وعي لخطورة الداء الإكتئابي الوخيم؟!!
وهل من فحص سنوي لأصحاب الكراسي العسيرة؟!!
د-صادق السامرائي