23 ديسمبر، 2024 5:55 ص

وانك لعلى خلق عظيم 

وانك لعلى خلق عظيم 

“وانك لعلى خلق عظيم “
كانت نشاطات ومؤتمرات الاتحاد العام لنساء العراق, لها نكهة خاصة دائما, حيث تبدع الرفيقات فى الفكر والتنظيم وتجديد الولاء والتاكيد على الانتظام فى مسيرة الحزب الموفقة, بقيادة القائد الملهم, الرجل الذى لم تنجب وسوف لئن ينجبن “ماجدات العراق” رجلا مثله, رجلا ولا كل الرجال. ان اللمسات الرشيقة تجدها مجسمة فى وجوه الرفيقات , حيث افضت المساحيق والمكياج على وجوهن جمالا وسحرا, والعطور الفاخرة جاذبية لذيذة, والحقيقة ان الصورة تتكامل بالفساتين والاسمبلات بمختلف الالوان والموديلات التى قد وصلت توا من باريس ولندن, او قد جاوا بها فى الايفادات العديدة المتكررة فى مختلف انحاء العالم, يمثلون نساء العراق فى المؤتمرات التى تعالج وضع ومشاكل المرأة فى العالم العربى والعالم.
ان جلسات المؤتمر تقوم فى القاعة الكبيرة فى الاتحاد العام لنساء العراق الكائن فى الوزيرية, وتاخذ فى هذه القاعة, فى منتصف المسرح صورة كبيرة للقائد الضرورة والتى تشرف على الاحداث والناشطين, هذه الصورة, نوعيتها, شكلها وحجمها, انها اللمسة الرقيقة الحساسة والتى قيمتها النوعية والامال المرتبطة بها والمعلقة عليها تمثل فى واقع الامر, بالنسبة للرفيقات الحزبيات النشيطات اهم ما فى المؤتمر. وكيف لا , والقائد الملهم سوف يحضر بعض جلسات المؤتمر, ويجب على الرفيقات ان يكونوا, ليس فقط فى حفظ نصوص الادبيات الحزبية, وانما ان يكونوا جميلات, جذابات مثيرات, يمثلون الماجدات العراقيات بما يرضى القائد ويفتح شهيته ” للعلم” والجمال.
ان حضور القائد للمؤتمر يعطى الموتمر من جوانب متعدة قيمة اضافية, وبشكل خاص بالنسبة للرفيقات الحزبيات, المتقدمات فى التدرج الحزبى او الحديثات العهد, الجميع يعمل فى الحصول على فرصة من هذا اللقاء, انها فرصة لها اوليات وتاريخ. القائد فى سعادة ورضا, محاطا بالجميلات, هذه تقرا له الشعر وتصفة بسيد الرجال وتتغنى بقدراته ورجولته وامكانياته الفريدة فى نشر الحب والسعادة, وتشير الى هدفها فى انجاز مشروع دكتوراه عن حياته وفكره فى الجامعات البريطانية, وتلك ترجع نسبه الى الرسول الكريم, وتؤكد على ضروره العمل على توثيق ذلك فى المصادر التاريخية, وثالثة تتغنى بجماله وحسه المرهف وقدرته الخارقة فى قراءة الاخرين, وتعنى بذلك, ارجوك, اقرأ , فأنا هنا!! ان القائد المصاب بداء العظمة والعبقرية, هو مصاب ايضا بمرض عضال, فهو نرجسيا واقع فى غرام مع نفسة, وبالرغم من سماعة لكلام الرفيقات الانتهازيات مرات كثيرة ومن جهات مختلفة عديدة, الا ان مثل هذا الكلام حينما يصدر من فم جميل وقوام رشيق, من امراة جميلة تنشد ليس من اجل الدراسة فحسب وانما اللقاء بسيد الرجال. فيكون له وقع اخر ويكون مفعوله كالدواء: ” واسقنى بالتى كانت هى الداء”!! وتتصاعد الرغبة فى سماع الكثير واعادته . ان الجراعات العلاجية التى تلقاها القائد, عملت على استرخاء العقل والجسم, واصبح فى احسن حالاته, ويقوم بتلبية رغبات النساء , فى الايفادات, الدراسة, مراكز وظيفية افضل, والعلاج فى الخارج على نفقة الدولة.
انها فرصة, وفرصة ثمينة, وكما جرت العادة واصبحت تقليدا, من انها تفتح افاق كبيرة تختصر فى لحظة قصيرة من الزمن عمل وجهد عشرات السنين. واذا عدنا الى منطق النساء الرفيقات, فهم فى سلام ووئام مع انفسهن, انهم يبذلون جهودا كبيرة للحزب ويحضرون ويحضرون اجتماعا وندوات, وعلية فلا بد ان يكون لها مردود اضافى, لاسيما وهم على علم بمجريات الامور, كيف تشغل المناصب وترسل الايفادات وتتم الترقيات وتخصص السيارات, والتجارة والمقاولات ووو…الخ. ان الانتماء الى الحزب, فى دولة دكتاتورية, يتسلط فيها على رقاب الجميع شخص مشكوك فى امره نفسيا اجتماعيا ومهنيا, لايمكن ان تكون العقيدة والنظرية هى الدافع الاساسى, المثالية ونكران الذات. ان الاتحاد العام لنساء العراق هو احد مكونات ومفاصل هذا الحزب والنظام والدولة, ويعمل بشكل واخر على دعم الحزب والقائد من خلال تجنيد النساء بوعى منحرف ونفوس ضعيفة ذليلة انتهازية .
حضر القائد لاحد المؤتمرات, وكالعادة كان كل شىء مهىء ومجهز بشكل جميل, فى دخول القائد الباب الرئيسى للاتحاد, وقع نظرة لبضع لحظات فى اثناء سيره نحو القاعة على لافتة كبيرة جميلة بخطوط الخط العربى الرائعة, وكان الشعار الذى تحمله هذه اللافتة “وانك لعلى خلق عظيم”. دخل القائد القاعة ووقف الجميع والتصفيق يتعالى ترحيبا به واحتراما له. كانت الجلسة الاخيرة للمؤتمر التى ختم بها اعماله, وبدأ المشاركون بالموتمر بالانصراف والخروج من القاعة, لم يبقى فى القاعة الا القائد وكبيرات القوم من الرفيقات المتقدمات فى الدرجات الحزبية. وكالعادة جرى ما كان يحصل من اطراء واعجاب ولوعة وحنين. كان القائد “الضرورى”, يسمع ولكن ليس بذلك التركيز والانسجام وتلك النشوة المعهودة. وبعد دقائق سئل رئيسة الاتحاد عن الشخص الذى وضع اللافتة الكبيرة فى مدخل البناية, واذا بصمت يخيم على الجميع, ان مثل هذا السؤال لم يكن متوقعا, واخذت السيدة الرئيسة تتلعثم فى كلامها, تجد صعوبة بالغة فى التعبير, وكما يبدو فانهم على علم بمزاجيات القائد ويمكن ان يتحول فى ثوان الى وحش كاسر. واخير قالت الرئيسة, بنوع من الاعتذار والاسف, تشاركها احد المقربات: نعم, نعم, انها بنت صغيرة; فقيرة, قمنا بتعينها فى الاتحاد لمساعدتها, انها تحضر لنيل لشهادة بكالوريا المتوسطة. فقال القائد, احضروها. لقد تحول صمت النساء الى رعب وخوف, ماعسى ان يعمل بها,ماذا الذى حصل وماذا قامت به ليسترعى اهتمام القائد ويطلب مجيئها, انها اسئلة لا يملكوا جوابا لها, ولذلك فانهم فى قلق كبير. احضرت البنت, انها بنت صغير فقيرة تشاهد مثلها يوميا الالاف من البنات فى المدارس والمعامل والمكاتب. سالها القائد, هل انت اختيرت هذه اللافتة وانت التى اختيرت المكان لها. قالت له نعم سيدى والخوف والرعب تقرئه فى وجهها. اخذ يسألها عن اهلها وعائلتها واين تسكن, واخذت تسرد له: ان ابوها عامل نجاره, واخوتها كلاهما فى الجبهة, وان امها مريضة جدا ,الا ان تكاليف العلاج باهضة ولا يستطيع والدى تأمين النفقات, ونحن نسكن فى محلة القاهرة فى بيت صغير بالايجار. ان الوضع العائلى والمادى الذى تعيشه البنت, يمثل نموذجا لشرائح واسعة من الشعب العراقى فى سنين حرب الخليج الاولى المدمرة التى كانت البداية لكوارت اخذت تلاحق الشعب العراقى بوتار سريعة شديدة القسوة الى يومنا هذا.
ان القائد القابع على رقاب العراقيين, فى يده الحل والفصل, هو العراق وخزينة العراق ويستطيع ان يفعل ما يشاء بما يرفع من قيمته وينشر عنه صورة مبدئية مطرزة بالكرم والرحمة وحب الناس. ان اللافتة والشعار الذى تحمله كانت اية قرأنية فى حق الرسول الكريم, وكان وقعها عليه مؤثرا جدا, وتصور انها تقال فى شخصه وهو جدير بها, ولماذا لايكون فى منزلة الرسول الكريم وقد تبصر وعاض السلاطين مرات عديدة ووجدوا ان نسبة يرجع الى نسب النبى الكريم وال محمد, ولماذ لا يكون فى منزلة الرسول الكريم, او انه نبى فعلا, جاء ليصلح العراقيين, ليعلمهم ويرشدهم الى لبس الاحذية بعدما كانوا حفاة, ويعلمهم غسل الاسنان واهمية اكل الطماطة: هذه السذاجة وفقدان الوعى “تكبر فى عين الصغار” وتتحول وتصبح احد المنجزات الحضارية الكبيرة كالحضارة السومرية والبابلية او المنجزات والاكتشافات الطبية الرائعة.
كان القائد سعيدا جدا باللافتة ومحتواها وانعكاسها علية بوصفة كالرسول الكريم, وعلية فقد كان كريما جدا مع البنت وجاء اولا باخوتها من الجبهة وينسبون فى احد المعسكرات فى بغداد, وانهى وضع الاب كعامل اجير, وكذلك منحهم بيتا فى بغداد وانهى بذلك حالة الايجار, ولم ينس الوالدة المريضة حيث امر بنقلها الى مدينة الطب, ولم ينسى التلميذة الفقيرة وامن لها موضوع المدرسة لسنين لاحقة.
هكذا كان يحكم العراق , الوعى المنحرف والامراض العضال للرؤساء التى تسيطر على سلوكياتهم وسياستهم, دون ان تكون ابسط مقومات الرقابة والمسؤلية , تقود بالضرورة الى كوارث تقضى على البلد والدولة والمستقبل.