18 ديسمبر، 2024 8:42 م

وانفرط عقد المسبحة

وانفرط عقد المسبحة

اخذت اغلب دول العالم المتقدمة عقود من الزمن لترسيخ مبادئ الحرية والديمقراطية، خصوصاً من كان منها حديث العهد بهذه المبادئ، وغالباً ما تكون البدايات متعثرة يشوب اغلب مراحلها وفصولها الغموض، وقد يتأسس نظام بركائز خاوية او مغلوطة ولكن بديمومة دوران عجلة التقدم الفكري والمجتمعي سرعان ما يتم ترميم الاخطاء او نسفها بالكامل، وبناء اسس قوية ذات جذور متأصلة من عمق التجربة المريرة والخروج بشكل وقالب نوعي، يصبح مثالاً يحتذى به عند المحيط الاقليمي او الدولي

لم يمض على العراق سوى خمسة عشر عام منذ ان اشرقت عليه شمس الحرية والديمقراطية، فرأيناه يدخل المخاض تلو المخاض في كل انتخابات ومخرجاتها، يعتصره الالم في كل مره كضريبة للمخاض العسير الا ان لسوء الحظ خرجت كل ولاداته ميته والنصف الاخر مشوهه، وكأن الدواء -الحرية والديمقراطية- لا ينسجم مع تركيبته الخارجية والداخلية الا ان الاصرار على الشفاء رغم نوبات الالم كان كفيل لتقبل الدواء رغم مرارته وجهل ماهيته.

بعد عقد ونص من الزمن وصلنا لأعتاب مرحلة جديدة ما ان ابصرت خيوط الضياء واستبشرت بها الوجوه وعاد بريقها، وتلألأت العيون متفائلة بهذه البشائر، الا وقد غطت المشهد سحابة رعد محملة بالنذير عصفت بكل الارجاء منذرةً بخطراً قادم ينسف كل المفاهيم التي ترسخت بشق الانفس ونوبات الالم، الا وهو التفرد بالقرار والسلطة وكأن الاوتار التي تقطعت والعضلات التي تمزقت والدماء التي تناثرت من اجل ان نصل لما نحن عليه الان ما هي الا نزر يسير وليس بذبحاً عظيم، رغم ان العنوان الوطني كان هو الطاغي والمتسيّد، خدع ببريقه من كان هو الوطني بالفكر والمنشأ.

انفرطت المسبحة لا لشيء سوى ان عقدة النقص المتأصلة والمتجذرة اتجاة السلطة ومسك مقاليد الحكم؛ هي من كانت كفيلة لتناثر حبات تلك المسبحة التي بدت للوهلة الاولى انها متشابة لدرجة يصعب التمييز بينها، قد يذهب بعضها بعيداً جداً، محافظاً بذلك على شكله ولونه مقاوماً كل مغريات وعروض الاخر، اما البعض يبقى متعلق بالخيط المقطوع حتى وان اصطف بين حبات من غير جنسه ولونه، لان البقاء اهم من المبادئ بمنظوره فلا مانع من القفز عليها ان وجدت تلك المبادئ بالاساس.

ذهب اغلب المحللين ان التحالفات قبل الانتخابات هشه وصعبة التحقيق؛ لان المشتركات تُبنى على اساس الثقل البرلماني وما تملك من اعضاء ومن يكون صاحب اليد الطولى، الا ان القوى الوطنية صدحت بمشروعها جهاراً متبنيةً الوطنية والشراكة والبرنامج الحكومي الواضح، وهذا ما تفتقر اليه اغلب الاحزاب الحالية فقد اعتادوا الوقوف بالمنطقة الرمادية، فلا يوجد في قواميسهم ابيض او اسود.
ان البقاء في الخانة الوطنية هو الطريق الاسلم والانجح لنقل البلد من دول العالم الثالث الى مصاف الدول الكبرى، فلا ينهض البلد الا بأبنائه المخلصين وليس بسماسرة السياسة ومفتعلي الازمات من اجل المنافع والمصالح الخاصة، ويسير ركب الوطنيين ومعه التاريخ تاركاً النفعيين لمزابله.