22 ديسمبر، 2024 8:20 م

الاديان السماوية و الوضعية ، اجمعت على حرمة الانسان واحترام خصوصيته ، ثم جاءت التشريعات والقوانين والدساتير لتؤكد ذلك وتمنح ذلك الحق قدسية وتفصيلا اكثر ، واذ التزمت البشرية في الدول المتحضرة بتلك القوانين ، فذلك لأنها ادركت ان الحياة ستكون اجمل في حالة احترام البشر للخصوصية …

اما في الدول التي لازال الدين الاسلامي في حياتها يمثل الموجه الاول للثقافة ولحياتها الاجتماعية ، فهي بالرغم مما انجزته من قوانين وتشريعات ودساتير ، الا ان ذلك لم يكن له اثر في تفعيل احترام الخصوصيات والتميز والفردانية . ولعل اهم مرتكزات أولئك المنتهكين للخصوصيات من المسلمين انهم يرتكزون على آيات قرآنية اهمها تلك التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وكثير من الآيات الاخرى التي تحض على ابداء النصح ، ومنها :

( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)

( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)

( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)

حتى تخيل بعضهم ان الله ارسله شرطيا او سلطة تنفيذية تقوم بمراقبة ومعاقبة الاخرين المسيئين ( على حد اعتقادهم ) ، او على الاقل القيام بدور الداعية الاسلامي المحرض على المراقبة والتدخل بشؤون الاخرين في ادارة حياتهم . المشكلة انهم هم انفسهم يقومون بالأعمال نفسها لكنهم لا يتلفتوا لأنفسهم وهم على اقل تقدير يتناقلون الاخبار بينهم ويتوجهون بالنقد والتقويم ويلمزون الاخرين في وسائل التواصل الاجتماعي مثلا … يحمل كل واحد منهم ميزانه الخاص به ، يزن فيه امور غيره ويقرر ان كانت حلالا ام حراما ، مقبولة او غير مقبولة ، صحيحة او غير ذلك على حد وزنه للأمور …

ان العصر التأسيسي للإسلام قد تطلب امورا كثيرة منها الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ذلك لان المجتمع كان يراد له ان يُنظم بشكل معين يتيح له نشر الدعوة الاسلامية ، والانطلاق الى افاق ابعد جغرافيا وعقائديا ، اما حال المجتمعات الان ، وحتى الاسلامية منها ، فانها تقوم على مبدأ المواطنة ، والتعددية ، واحترام خصوصيات الاثنيات والديانات والفردانيات … حتى اصبحت الحرية مقدسة في بعض المجتمعات …

وربما يحتج قسم من المسلمين ان الانفلات سيعم دون مراقبة للسلوكيات الاجتماعية والشخصية ، ويتناسون ان المجتمع سينشغل بالمراقبة وفي ذلك مضيعة للوقت المخصص للانتاج والابداع ، فضلا عن ان المراقبة لا تمنع الافراد عن الاتيان بتجاربهم الخاصة وانما ستؤدي حتما الى اخفاء كثير من السلوكيات خوفا وليس اقتناعا ، وسيكون المجتمع منافقا مرائيا …

ويعتقد كثير من المسلمين ان الحق معه في ابداء النصح والتوجيه والنقد الى الاخرين من بقية الديانات ، ثم حصل انزياح في المفهوم فاصبح المسلم و بعنوانه كمسلم فقط هو ايضا يهتم بشؤون غير المسلمين الاخرين … ويتعدى انتهاك الخصوصية لدى البعض حتى يشمل المسلمين انفسهم ايضا .

ومن هنا يصبح لزاما على المسؤولين عن تطبيق العدالة وان لا يسمحوا وفقا للقانون بانتهاك خصوصية الاخر تحت اية ذريعة او مسمى …