23 ديسمبر، 2024 6:01 ص

نصر العراق على داعش في الفلوجة قد حسم، والنصر في الموصل سيكون مؤكدا، العراقيون شعبا وجيشا يشعرون الان بثقة اكبر بانفسهم وبنصرهم، ولكنهم يتجاذبون الحديث في الفضائيات وفي مجالسهم، عن مرحلة ما بعد داعش، السياسيون يحاولون اثارة زوبعات تتناغم ومصالحهم واهدافهم وواجباتهم المكلفين بها من هنا وهناك عن التقسيم والاقلمة، والنازحون والذين سينزحون مستقبلا، يتسائلون عن موعد عودتهم الى الحياة، فهم الان يتنفسون الهواء وياكلون ويشربون، ولكنهم في الحقيقة خارج الحياة، فـ (ليس من مات فاستراح بميت.. انما الميت ميت الاحياء)، فهم معطلون ومهانون ومؤجلون الى حين..
النصر في الحروب، نصر مؤقت وغير دائم، أما النصر الدائم فهو طي صفحة الماضي واستخلاص العبر والدروس منها والتقدم الى امام، في السياسة كما في العسكرية، لكل فعل ناجح او خائب هناك دروس وعبر، داعش والتطرف في كلا الجانبين، صفحات صراع عسكري واجتماعي وسياسي وعقائدي، وان كنا نحقق نصرا عسكريا، فحري بنا اذن ان ندعمه بنصر اجتماعي وسياسي، وان نتذكر ان من حضن داعش ومن فتح الابواب له هم اولئك الذين وجدوا حكومتهم وبلدهم قد اخرجهم من المعادلة، وان التعامل معهم قد تم على انهم مواطنون من الدرجة الثانية، وانهم مجرمون حتى قبل ان يرتكبوا جرما..
والنصر في الفلوجة، والمحتمل في الموصل سوف لن يغطي عيوبنا ومآسينا ومعاناتنا، واذا كان هروب الحكومة من المظاهرات الى الحرب حلا مؤقتا، فان على من اشار اليها بذلك ان يشير ايضا الى ان القادم هو الاسوأ، ان لم نتدارك تداعيات النصر ذاته..
هناك مشاكل كبيرة وعوائق وتحديات جبارة تواجه الشعب والحكومة، الحرب على داعش هو اهون تلك التحديات واسهلها بحكم الارادة والتحالف الدولي والمشاركة والدعم الايراني، اما الاخريات فانها اشبه بعظمة في البلعوم، فبعد الدور الذي لعبه الحشد الشعبي والميليشيات، هل سيكون من السهل على رئيس الحكومة او حتى اميركا ان تقول لامراء الحروب : شكرا اديتم واجبكم الوطني وارحتمونا من داعش فاستريحوا وعودوا الى اعمالكم المعتادة؟.. من المؤكد ان ليس ذلك ما سيحصل، فلكل من قادة الحروب طموح وأمل باستحقاق يتناسب ووضعه ومشاركته، ولعل قسم منهم يهيء نفسه الان للجلوس على كرسي العبادي والغبان والعبيدي وكبيرهم يفكر في اللحظة المناسبة لاعلان تشكيل الحرس الثوري العراقي على غرار الحرس الايراني..
النصر على داعش اذن، بداية معركة لم ندخلها بعد، وصراع لن يكون سهلا، ولن يكون بمقدور غالبية الاطراف السيطرة عليه وتحديد تاثيراته، والجميع يدرك ذلك ويترقب بصمت الذي لايعرف كيف يتصرف، ولم يعد بامكان السياسيين ولا مستشاريهم استخلاص العبر والدروس لمعرفة ما يمكن عمله، اولا ازاء المناطق التي سيتم تحريرها ونازحيها واعمارها والتعامل مع سكانها بروح المواطنة والقانون، وثانيا ازاء الميليشيات التي تجد نفسها اليوم فوق مستوى الشعب والدولة والقانون، وان لها حقوق اكثر من الاخرين..
ثلاثة عشر عاما مضت، ولم تتمكن مؤسساتنا السياسية او التنفيذية من التخلص من شبح البعث، حتى انهم اتهموا المتظاهرين الذين دخلوا الخضراء مؤخرا بانهم بعثيون، فكم سنحتاج اذن للتخلص من شبح داعش؟.. وكم سيتهم بالداعشية من الذين سيرفعون اصواتهم ضد الظلم والفساد والطائفية والمحاصصة، او حتى من الذين سيطالبون بابسط حقوقهم الانسانية البسيطة مثل الماء والكهرباء؟..
الناس في الموصل وغيرها، كانوا يعاملون باهانة واضحة، وباستخفاف وبانتهاك للكرامة من قبل الجيش والشرطة، وهذا واحد من الاسباب التي دفعتهم الى الحقد على كل ما يمت للدولة ومؤسساتها بصلة، وايضا فسح المجال لداعش للدخول والحصول على التاييد والمباركة من البعض، والمعاملة المهينة السيئة والفساد والتهميش ونقص الخدمات جعل الناس تترحم على ايام صدام، فهل سنشهدهم في المستقبل القريب يترحمون على ايام داعش؟..
تحرير الارض من سيطرة داعش، يختلف تماما عن تحرير العقول، والنصر الحقيقي والدائم في تحرير العقول وازالة افكار التطرف والتشدد والتخندق الطائفي، وهذا لن يكون بالسلاح ولا بالكلمات المنمقة والوعود الخادعة، انما بالافعال والتصرف والسلوك واشاعة مشاعر المواطنة وسيادة القانون وتحقيق العدالة والمساواة والتي تعني القضاء على الفساد والمفسدين وانهاء دور الميليشيات، فهل هناك من يعتقد ان الحكومة الحالية ورجال السياسة وعملاء الاجنبي قادرون على ذلك؟…
جل ما تفكر به الحكومة اليوم هو اشغال الناس عن معاناتهم باسم الحرب ضد داعش، واعتقادها ان تحرير الارض سيعطيها قوة ويعيد ثقة الناس بها، وهذا ممكن ومتوقع ولكن الى اي مدى ستستمر نشوة الانتصار؟..
رئيس الوزراء العبادي قدم رؤيته لما بعد داعش قائلا اننا بحاجة الى مصالحة سماها مجتمعية، وحاول التفريق بينها وبين المصالحة الوطنية التي جرى الحديث عنها منذ عشرة اعوام ولكن ما تحدث عنه لايختلف عما كان، ولن يكون في النهاية سوى كلام ليل يمحوه النهار، فالذي غير قادر على تغيير مدير في وزارة، كالعطار الذي لايمكنه اصلاح ما افسده الدهر..