خِليلٌّ أرسلَ ليَ طرفةً زَرَعَت في فؤادي بسمات, فحَنَفَ إليكمُ الفؤادُ وحَلَفَ أن يُشاطركُمُوهما : (الطرفة والبسمات), وما النَّبض إلّا همساتٌ معطراتٌ بلينِ حرفٍ وإبتسامات, ولَمَساتٌ من باقياتٍ صالحات,تنفعُ في هذهِ ذكرياتٍ طيباتٍ, وتدفعُ في الأخرى شررَ نارٍ كأنَّهُ جمالاتٌ, ولا ضيرَ في أنّها بسماتٌ سجلاتِ زعيمِنا المُفدى منتقاة, خُطَّها بمداده على جفونِنا في الحياة, فَأطَّت بها عيونُ فجرِنا بدمعٍ مكنونٍ في الحدقاتِ, لكنها بسماتٌ, نحنُ ندعوها بسماتٍ, ففيها رسماتٌ ظاهراتٌ من بسمات, فَلْنَخلعْ عليها – ولو كَذِباً – ونلْبِسْها بردةَ البسمات. وإليكم الطرفة بعد تهذيبٍ لها وتشذيباتٍ:
أيامِ ما كانتِ المسبحةُ في أناملِنا المرتجفاتِ, تُعَدُّ في دستورِ الزعيمِ المُفدى من المحرَّماتِ, وأيامَ أن كانَ إطلاقُ اللحىً دنيئةً موبقةً من المهلكاتِ التي يرتعشُ من تضاريسِها زعيمُنا المُفدى وما أحاطَ به من حرسٍ حمّالين للسنبلاتِ , فتراهُ مُستَنفراً لأجلِها جواميسَ(الأمنِ) ونسانيسَ (المخابراتِ) بل وبنجمِ الشّعرى تراه يستهدي وماحول النجم من مَجرَّاتٍ وعلامات..
في تلكمُ الأيامِ كانَ هناكَ صديقاً من جيرانِنا عَفويَّ اللفظِ بهيُّ القسمات. يُدعى خُضيْر: شابٌ طريٌّ نقيُّ الطّوياتِ. أطلقَ خضيرُ لحيةً طويلةً ليخفيَ آثاراً في حنكهِ من جراحات, إثرَ سقوطهِ من سُلَّمٍ كثير الدرجاتِ على كومةِ أخشابٍ وأسلاكٍ شائكات, وإذ أنا ذاهبٌ إلى عملي عند إشراقةِ شمسِ من السبتاتِ, وإذ كنتُ راكباً دراجةً هوائيةً وَرِثتُها عن أبي عن أبيهِ عليهما من الرّحمنِ رحمات , (بِسكِلتة) هي وصيةٌ خصَّني بها – فأنا البِكرُ – مِمّا خلفَهُ لنا من التَّركات, أما الورثةُ فمانالَهم من شيئٍ إلّا خزائنَ قَفَشاتٍ كان أبيهم يترنَّمُ بهنَّ في مقهاهُ لاذعات. وإذ كنتُ أقودُ دراجتي ذاتَ سلاسل مُقرقِعات, ومثقلاً بآهاتِ رزقٍ مُفَرقِعات وَواهاتٍ ببسماتٍ مُبَرقَعَات، وإذْ بسيارةِ (لاندكروزر) كخنزيرٍ ضلَّ طريقَهُ قدمَ من براري أو غابات, فترجَّلَ منها ثلاثةُ رجالٍ بستراتٍ حالكات، كدُبَبٍ قُطبياتٍ منذُ شهورٍ جائعات! رجالُ رعبٍ ما رَأَتْ عيناي مثلَ شواربِهُمُ مدمدمات, يَصطَفُّ عليها سِربُ صقورٍ جارحات, سألوني :
أينَ بيتُ خضير ؟…
فأرشَدتُهم إليهِ بتوجسٍ وأنفاسٍ مُختَنِقات. سألوني عن خُلُقهِ؟ عن دينِهِ وعمّا خُفِيَّ فيهِ من مُنكرات؟..
وبينَما أنا معهم في هات, وخُذ وهات, وفكري يَضربُ أخماساً بأسداسٍ بل سبعاتٍ بتسعات! إلتَقطتُ أنفاسي فتأمَّلتُهم بِحِسٍّ وحِدسٍ إستخباريٍّ وبثبات , وأسررتُ لنفسي:
مؤكدٌ أنَّ هؤلاءِ مُخابراتٌ أو لعلّهم إستخباراتٌ ؟نعم, هؤلاءِ مخابراتٌ ؟ والله إنَّ هؤلاءِ لرجالُ مُخابراتٍ, وإنَّ هدفَهم هو المسكينُ (خضيرُ) لإعتقالهِ لِما أنبَتَ على فكّهِهِ المُثلث من شُعيرات، فظنّوهُ متطرفاً في دينهِ وكافراً بالاحزابِ ونافِراً من الأيدلوجياتِ ..
أنا – شخصياً – مغرمٌ ولهانٌ بفنِّ المخابراتِ, وأملكُ من داخلها وبتفاخرٍ وأنَفَةٍ أصحاباً ضباطاً لا ضابطات, وأحلامي في الليلِ كلها هلوسةٌ هذهذات :
(فهد واحد يُنادي: لقد عثرتُ على الدجاجاتِ,حَوَّلْ؟)..(شهابُ إثنان يُنادي: أُستِلمَت. شاغِلِ الهدفِ في الحفرياتِ حَوِّلْ, الفَلّاحُ قادمٌ إليكَ بالسُّنبلاتِ,حَوِّلْ).
ويالِجَمالِها من سُنبلاتٍ! ويا لكمالها من فاقعات: صُفرٌ جافّاتٌ يابساتٌ!مَن إلتَقَمَ منها حَبَّةَ سنبلةٍ, إِحوَلَّ بؤبؤُهُ أو إثوَلَّ سمعُهُ أو إزوَلَّ نبضُهُ ومات. وأنّي لأشهدُ والشهادةُ للهِ بكلماتٍ مسؤولاتٍ :
(إنَّ خضيرَ آدميٌّ مسكينٌ طيبٌ زكيُّ الخلجاتِ) ولا اتمنى أن يُطعَمَ بأوقيةٍ من سنبلات.وأنّي خَشيتُ عليهِ فكذَّبتُ عليهمُ بِحنكةِ المخابرات, وأعلنتُ لهم مستيقناً وبعباراتٍ حاسمات :
يا عَمّي! خضيرٌ هذا فاجِرٌ وهو زيرٌ للنساءِ المومساتِ، هوَ خَمّارُ حارتِنا الأولُ وما لمحتُهُ إلّا مُترنحٌ بقناني مسكراتٍ، سفيهٌ أغبرٌ, ما ركَعَ الأحمقُ للهِ ركعةً واحدةً في صلاة , بل ما فَعَلَ فعلةً من باقياتٍ صالحات, سِجِلُّهُ صحراء مغبرةٌ بسَمومِ السيئاتَ وما فيها نَبتةُ من حَسَنات …
صارَ الجميعُ يضحكُ ثم ركبوا مركبَتَهم وانصرفوا بإرتياحٍ وقهقاتٍ …
أنتصرتُ عليهم أنا فلا نامَت أعينُ الجبناء الواهنات. أفيغلبُني غباءَ ثلاثةِ دببٍ قطبياتٍ! وأنا الخبيرُ بعِلمِ المُخابراتِ!
تركتُ الأمرَ سِرّاً في نفقِ الظلماتِ, وما أخبَرتُ (خضيرَ) لِئلّا يقلقَ وكيلا يخافَ من نائباتٍ قادمات, ولأنّهُ هكذا هوَ علمُ المخابراتِ, تَعَلَّموه وخذوه عني فما عندكم مثلي أصحابٌ مخابرات. إنه علمُ ظلماتٍ بعضُها فوقَ بعضٍ مُتراكمات.
لكنِ خضيرُ أختفى كضفدعٍ في طين السبات، وما عُدّتُ أشاهدُهُ في شغلٍ, ولا في مقهىً ولا في دربونات!
مضى عشرون يوماً فهجَمَتْ عليَّ هواجسٌ مزلزِلاتٌ, فهرعْتُ أسألُ عنهُ، وإذ بأُمّهِ تفتحُ بابَ دارٍ فُرُشُها قَشٌّ وحُصيّات, دارٌ بُنِيَت من أموالِ زكوةِ وصدقاتِ، سألتُها بلهفاتٍ جانحاتٍ:
يا خالةَ, أين خضير بدرُ زمانكِ ونجمُ الأنجم المتلألأت ؟
قالَتْ: أيّة لألأت يا بُنَيَّ! هو مريضٌ من عشرين يوماً فلا نظرات ولا لألأت. ناديتُ عليهِ : خضير! يا أنت يا خضير! فأتانيَ..
وإذ به مُكعكعُ النَبراتِ مُضَعضَعُ العَبَراتِ، كأنَّهُ مُنبَعثٌ من بعد مَمات!
قلتُ له: خير ياخضير! ما خطبكَ كأنّك خفّاشٌ هَرِمٌ عَقَّهُ أبناؤه فنبذوه خارجَ المغارات؟!
قال خضير :
(أسكتْ يا سندَ الخافقِ في الأزمات, قد رزقنيَ اللهُ بفتاة ، جميلةَ الجميلاتِ نبيلةَ السُلالات, أحبَبْتُها حُبّاً جَمّاً يَعدِلُ عشقَ عناترِ الأرضِ للعبلاتِ, فجاءَ أهلُ الفتاةِ قبيلَ الخطبةِ بساعات, يسألونَ عَمّا في…صفاتي…من .. سَوْآتٍ .. مَخفيّات!…
آه، ليتَني أعرفُ من هوَ ذا ( السّافلُ إبنُ السَّافلِ) الذي شَهِدَ لهم عليَّ بأقبحِ الكلماتِ, فأبلغَهُمُ أنّي زيرُ نساءٍ مومساتٍ وخَمّارٌ مُحترِفٌ في الحانات )؟!
وَسوَستُ لِخنَّاسي وهَسهَستُ: وَيْ! وَيْ! وَيْ! بسببِ شغفي لِفن المُخابرات قد أجهَزَنا – يا قريني- على مُستقبلِ خضير المسكين فما عادَ لهُ من مُخرَجات. لكنَّ فِراستي -يا قرين- في فضاءِ المُخابراتِ ماوَهَنَت وستَبقى مُحَلِّقةً رغمَ أنّها ما درَسَت في معهدٍ للمُخابرات.
عاشَ زعيمُنا المُفدى: (ظِلُّ اللهِ في الأرضِ) وسَيِّدُ السّادات, وعاشَ رجالُ المخابراتِ: (رجالُ الظِلِّ للظِّلِّ) حُماةُ قلاعِنا المُحَصَّناتِ وحَمَلَةُ أمناءُ غيارى لسنبلاتِنا الفاقعاتِ المُغَذِّيات .
الخلاصةُ: لا تجتَهدنَّ إن لَم تكنْ لديكَ مُؤهلاتٌ, فتَحرِمُنا من بعدِ ذلكَ أن نَجمعَ رأسينِ بالحلالِ فنبتهجُ بأفراحٍ ومَسرّات.