حين بدأت قراءة كتاب (الإسلام من الثابت إلى المتغير) خيل لي أن الكتاب قراءة علمانية للإسلام، خاصة أنه اعتمد على مصادر أجنبية إنكليزية وفرنسية أكثر من العربية. بلغت الأولى 68 مرجعا، والثانية 50 مصدرا. لكني حين أنهيته رأيته قراءة علمية للإسلام. فالمؤلف الدكتور هادي حسن حمودي (من العراق، ومن مغتربي لندن الآن) يؤمن أن الأديان كلها إنما انوجدت لإعمار الأرض على يد الإنسان ذاته، في إطار الإيمان والعمل الصالح. وأكتفي، هنا، بقراءة تحليلية لغلاف الكتاب، ففيه دلالة بليغة على المضمون.
قراءة الغلاف
صفحة الغلاف الأمامية، وقد علمت أن المؤلف هو الذي وضع تصميمها الأولي، يبدأ أعلاها من اليمين بسماء مظلمة بلون غامق، وكأنه الليل، ينكشف تدريجيا إلى أن يصل إلى يسار الصفحة حيث يبدو ما يشبه الشروق الملون بلون إطلالة الصباح. ومن اليمين إلى اليسار سبعة أهلة تبدأ صغيرة لتكتمل في الأعلى ثم تعود تتناقص في جهة اليسار في قوس يبدأ من عتمة الليل وينتهي عند بزوغ الفجر. في ضمن ذلك القوس عنوان الكتاب (الإسلام من الثابت إلى المتغير) بخط أسود محوط باللون الأبيض مكونا إطارا متعرجا. ثم صورة للقرآن الكريم، وعلى صفحته مسبحة. وفي الأسفل اسم المؤلف، باللون الأبيض، وكأنه سابح في فضاء القرآن وفضاء السماء.
ولاحظت أن البياض المحيط بكلمة (الإسلام) يلتقي مع البياض المحيط بكلمة (المتغيّر) وأما مع الثابت فبينهما فاصل. وكأن المؤلف يؤمن بالتغير المتوازن حسب فروض الأيام المختلفة من جيل إلى جيل، على أن يكون ذلك التغير مستمدا من الثابت المتوافر في عنوان الكتاب. وحسب هذا التشكيل فإن الإسلام من وجهة نظر السيد المؤلف قد وضع الثابت وانتهى منه، ولم يبق إلا متابعة المتغير وإسباغ الصفة القانونية الشرعية عليه.
الغلاف يجمع العلم رمزت له الصورة بالأهلة، وأهميتها للتأريخ لحوادث العالم وأحداثه. واللون المتدرج للسماء يرمز إلى الانتقال من عتمة ألم، إلى انفتاحة أمل. ويأتي اللون الأسود لعنوان الكتاب وإحاطته بتشكيلات لونية بيض ليرمز إلى الجزء الأول من العنوان (من الثابت) ويتحد في هذا التعبير مع الرمز المستفاد من صورة القرآن الكريم. وأرى أن المسبحة ترمز للتغير لأن الذي يستعملها ينتقل من خرزة لأخرى ولا يستقر على واحدة منها، فإذا انتهى من كل خرزها عاد إلى أولها، وكأن ذلك رمز لدورة الحياة وتجدّدها.
هذه المعاني يجسدها النص المنتقى من الكتاب والمنشور في الغلاف الخلفي، وهو: (حين نقول إنّ الإسلام اتّساق في التطور الاجتماعي التاريخي للعرب خاصة، وللناس عامّة، فإنّما نعنِي الانتقال المحكم إلى الجديد، إلى علاقات وأخلاقيات جديدة، إلى أفكار جديدة ومتجددة، بالضوابط الضميريّة والتشريعية.
وبهذا الاعتبار فإنّ الإسلام يرى أنّ رسالة الاستخلاف تتحقق على أيدي النّاس أنفسهم ولا يمكن أن تنزل عليهم بمظلّة من كوكب آخر.
وأنّ المقومات المادّيّة للنظام العام، والظروف الموضوعية للتنمية والتطور التي تواكبها والتي تتحقق هذه المقومات بواسطتها في أنظمة وعلاقات جديدة، لا يمكن أنْ تتهيأ إلاّ بالسّير الموضوعي للتطور الاجتماعي نفسه). ففي هذه السطور القليلة تحليل واف للانتقال من الثابت إلى المتغيّر الذي يتم على يد الناس أنفسهم. وقد ظل السيد المؤلف أمينا على هذه الرؤية حتى السطور الأخيرة من الكتاب حيث قال في الخاتمة:
(ولقد تبيّنّا أنّ تلك المبادئ والقواعد لا تأثير لها ما لم يكن ثمّة إنسان واعٍ يتفهّمها بعمق، وينطلق منها بأصالة وعقل متفتّح لكلّ نافع، سواء كان جديدا أم قديما. وهذا التفهّم والانطلاق لا يتحقّقان إلاّ بالابتعاد عن التسطيح والشعارات الصاخبة، وإلاّ برفض التعصّب والتطرّف والغلوّ، ومقاومة الرّوح العدوانِية. وقد منع النّبيّ من مجرّد إخافة النّاس وترويعهم، ودعا إلى إماطة (أي رفع) الأذى عن طريقهم، وجعل ثواب ذلك الجنّة، فكيف يمكن أن تُنقل تلك القيم السمحة السّامية إلى ممارسات العدوان وقتل الأبرياء وإباحة الدماء).