زُمّار يا أيقونة الحب والحنين زُمّارُ يا دُرَّة تاج الوفاءِ والإخلاص الذي تَنَسمنا عَبق أريجه خلال العطر الفواح من قارورةٍ إمتَزَجَتْ روائحها بعبق الماضي المًعَتَّقِ بالذكريات التي تأبى الرحيل وحنين الحاضر الذي أقَضَّ المضاجع وأسهد العيون وأدمى القلوب ، هكذا أنتِ أيتها المعشوقة المُلهِمة إجتمعت فيك كُل المتناقضات وإنصهرت في بوتقتك كل الأضداد لتكوني قِبلةً في الألفة والمحبة وآيةً للسمو على كُلِ ما مِن شأنه أن يُعكر صفو الأيام والليالي ، يَحُزُ في النفس أننا لم يصلنا إلاّ النُزر اليسير عن العوائل اليهودية الزُمّارية ولِئَلا تتلاشى وتندثر هذه المعلومات البسيطة آثرنا أن نستعرض ما في جعبتنا ولكن بعد أن نسلط الضوء على قامةٍ عراقيةٍ يهوديةٍ شامخة ٍكان بِحق مدرسةً للوفاء في حياته وبعد مماته إنه الشاب الشاعر والأديب العراقي البابلي اليهودي (أنور شاؤول) الذي وُلِدَ في مدينة الحلة / مركز محافظة بابل عام 1904م إضطر لمغادرة العراق إلى فلسطين منتصف سبعينات القرن العشرين بعد أن تعرض لمضايقات كثيرة سواء من الأجهزة الحكومية أو من الأفراد على حدٍ سواء خاصةً بعد أن تم تدبير تهمةٍ له تصل عقوبتها إلى الإعدام ، أودع إثر ذلك في السجن في زمنٍ كان فيه السيد صالح مهدي عَمّاش وزيراً للداخلية العراقية وقد عُرف عن السيد عمّاش أنه شاعرٌ وأديب له مطارحات شعرية مع كِبار فطاحل شعراء العراق آنذاك فكتب أنور شاؤول أبيات من داخل سجنه وأرسلها إلى وزير الداخلية جاء فيها :
إن كنتُ مِنْ موسى أخذتُ عقيدتي … فأنا المُقيمُ بظلِ دينِ مُحَمَّدِ
وسماحةُ الإسلام كانتْ موئلي …. وبلاغةُ القرآنِ كانت موردي
ما نالَ مِنْ حُبي لأمةِ أحمدٍ …. كوني على دينِ الكليمِ تَعَبُدي
سأظلُ ذَيّاك السموألُ في الوفا …. أ سُعِدتُ في بغدادَ أم لم أُسعَدِ
هَزَّت هذه الأبيات وجدان الشاعر الوزير عمّاش وعلى الفور أخذَ الأبيات وتوجه إلى رئيس جمهورية العراق (السيد أحمد حسن البكر) “رحمهم الله جميعاً” وشرح له تفاصيل الحيف الذي طال الشاعر أنور شاؤول فأمر الرئيس بإطلاق سراحه على الفور وتنظيم جواز سفرٍ له والسماح له بالسفرِ خارج العراق .
وقد أوردت جريدة الزمان في عددها (3723) مقالاً بعنوان (طرائف من مؤتمر الأدباء العرب السابع في بغداد قبل أربعة عقود ، أهل القلم يتمازحون ويتآسون على أنفسهم ، للأستاذ مهدي شاكر العبيدي / دمشق) ورد في نهايته ذِكر الشاعر العراقي الراحل أنور شاؤول “رحمه الله تعالى” جاء فيه :
وعجيبة العجائب وغريبة الغَرائِب ، أن كان مِنْ بين أعضاءِ الوفدِ العِراقي الأديب المحامي (أنور شاؤول) صاحب مجلة (الحاصِد) التي كانت تصدُر عام (1928م) وهو شاعرٌ معروفٌ ومن أبناء (مدينة الحِلَّة / محافظة بابل) في الأصل ، ومِن اليهودِ العراقيين ، نَزَح إلى بغداد وأمضَى حياته مسالِماً ، ولم يجد في نفسه رغبة في هجران موطنه والذِهاب إلى إسرائيل ، مُنخَدِعَاً بمغرَيات اليهود وأساطيرهم ، وكان يَغْشَى المُنتديات الأدبية ، وفي مهرجان الشِعر العربي المُقام إثرَ المؤتمر مُباشرة ألقى قصيدة يستَنْكِر فيها الصهيونية ، ويُعْلِنْ عَنْ محبته وإعتزازه بوطنهِ العِراق الذي إحتضنهُ وتربى بهِ ، والذي يستمِع له ساعةَ إنشادِهِ يُصَدِّقُهُ حَتماً ، إذ يتَلَمَس عَفويتهِ وصِدقِهِ وطِيبَةِ نَفسِهِ ، غَير أنهُ غادَر العِراق بَعدَ مُدَّة وَجيزة وذَهب إلى (إسرائيل) ، مُقَدِمَاً هَدِيَتِهِ لرئيسها وهي كِتاب مذَكراتِه في العِراق .
إرتأى أنور شاؤول السفر إلى إسرائيل والبقاء فيها حتى وافته المنية سنة 1984م وعندما أرادوا دفنه فتحوا وصيته ووجدوا مكتوباً فيها :
(أريدكم أن تكتبوا في شهادة وفاتي أنني عراقي وليس إسرائيلي يهودي )
هذه هي كلمات أو وصية الشاعر أنور شاؤول رغم الحيف الذي وقع عليه في العراق ورغم سجنه ورغم تهجيره خارج بلده الحبيب العراق ، أتراها تكون درسٌ لمن أدى معنا قَسَم التخرج أو من بَعدنا ولازلنا جميعاً تحت القَسَم :
بأن نصون العراق عزيزاً موحداً أرضاً وماءاً وسماءاً وأن نذود عنه بأرواحنا ودمائنا حتى آخر قطرة من دمائنا وحتى الرمق الأخير وأن لا نخون أرضه وأهله وتأريخه وجغرافيته وقد جعلنا الله على ذلك شهيداً ….؟؟؟ !!!
أترى وصية أنور شاؤول تكون درساً لمن أساء الجوار في زُمّار وهدم وأحرق وجَرّف بيوت أهلها بعد أن أوغل في أذيته وسرق كل شيء بعد أن تخلى عن مروءته والأدهى أنه أراد سلخ زُمّار من أحضان العراق وأراد أن يتقوقع في حصن قوميته لتكون بديلاً عن الوطن متناسياً ما حَلَّ بالعراق مِن إخوة العراق في القومية الذين كانت بلادهم قواعد للغُزاة ومنها تنطلق حمم الموت على بلادي فكانت لهم يد اليد الطُولى في تدمير العراق شعباً وتأريخاً وجغرافية بعد أن أنفقوا 56 مليار دولار من أجل أن يُحتَل العراق وتطؤه سنابك الغُزاة … أترى الأيام تُصّدِق أم تُكَذِّب صاحب المقولة : ( متى إنتهى العرب إنتهت الخيانة ) أم ستُثبت أنهم (خير أمةٍ أخرجت للناس) رغم أن إخوة يوسف لم تَقَر أعينهم حتى جلسوا على أطلال العراق وفاتهم أن الأيام دُول وسيتجرعوا من ذات الكأس التي جَرَعُونا إياها سُمّاً زُعافاً …وسيشهد قابل الأيام الصراع القومي والإثني بين أبناء القومية الواحدة والمذهب والطائفة الواحدة والدين الواحد والعِرق الواحد … ؟؟؟ !!!
أولاً : تِعِدَاد اليهود في زُمّار للفترة (1921م – 1952م) :
أرسل لي د. علي شيت محمود الحياني كلية الآداب / جامعة الموصل هذه التفاصيل التي تثري موضوع بحثنا وكما يأتي :
لم يتجاوز عدد اليهود في ناحية زُمّار (10) عشرة أشخاص في الفترة ما بين عامي (1921م – 1952م) وبحسب تعداد النفوس لــ( عام 1947م) بلغ عدد اليهود اللذين استوطنوا ناحية زُمّار (4) أشخاص فقط ، وبإعتقادي أن إستيطانهم في هذه الناحية جاء متأخراً لا سيما في عقدي الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي وقد شهدت هذه الفترة نشاطاً ملحوظاً في عملية تهريب اليهود خارج العراق عن طريق سوريا ونظراً لكون منطقة زُمّار قريبة من الحدود السورية فقد كانت ممراً ومعبراً مهماً ونقطة انطلاق لعمليات تهريب اليهود خارج العراق ، فمثلا وبحسب وثيقة حصلت عليها أنه بتأريخ (13/ 12/ 1945م) قبض مأمور مركز ربيعة على اليهودي المدعو (رحميم بن ناحوم) وهو من أهالي محلة الشيخ فتحي بالموصل في قرية ( تل الهوا ) حيث كان يتجول هناك ولدى التحقيق معه أفاد بأنه منذ ما يقارب ثلاثة أشهر جاء إلى زُمّار واشتغل إسكافياً متجولاً في قراها وتبين أن غرضه من ذلك تحين الفرص للهروب إلى سوريا ، وهناك من الموظفين اليهود اللذين عملوا في هذه الناحية أحدهم يدعى (موشي شاؤول) الذي كان كاتباً لنفوس ناحية زُمّار عام 1945م وربما يكون قد إستوطن الناحية بحكم ظروف عمله ، أما بخصوص أسماء الأشخاص والعوائل اليهودية التي ذكرت في المنشور آنفا فلم أقف على أي منها … إنتهى
أما ما وصل إلينا عن يهود زُمّار فقد سكنت خَمسةُ عوائل أو أكثر من ذلك بقليل من العوائل اليهودية ونستعرض أسماء العوائل اليهودية التي وصلت إلينا وكما يأتي :
1. حزقيل اليهودي :
الذي كانَ يعملُ إسكافيا في زُمّار وذلك بداية الأربعينيات عِلمَاً أنَّ محل عمله كانَ بالقُربِ من مدرسة زُمّار الابتدائية للبنين إلا أنه رحل إلى فلسطين .
2. رحميم بن ناحوم :
وهو يهودي موصلي من أهالي محلة الشيخ فتحي بالموصل جاء إلى زُمّار وإشتغل إسكافياً متجولاً في قراها غرضه الرئيسي من ذلك تحين الفرص للهروب إلى سوريا ومنها إلى فلسطين (كما أورده د. علي الحياني أبا لجين)
3. موشي شاؤول اليهودي :
كان كاتباً في دائِرة نُفُوسِ (ناحية زُمّار عام 1945م) إستوطن الناحية بحكم ظروف عمله
4. زكي اليهودي :
كان موظفاً في دائرة نفوسِ زُمّار قديماً وكان يسُكن في بيت العيسى المحترش ، والسؤال الذي يَطرحُ نفسه اليوم :
لو أنَّ زكي اليهودي لا زال في دائرة النفوس هل سيتمكن أحد من التأثير عليه بغية إدخال أسماء لأناس غير عراقيين ولا علاقة لهم بِزُمّار خاصةً بعدَ أن راجت الأخبار على مواقع السوشيال ميديا أنه تم إدخال (11000) أحد عشر ألف كُردي من أكراد تُركيا وسوريا في 17 سجل مِنْ سجلات دائرة نفوس زُمَّار وتمت إضافة أسماؤهم في البطاقات التموينية عند وكيل المواد الغذائية التموينية “جمعة صالح خالد الشرابي” الذي يُدِير الوكالة التموينية لشخص مُتوفى من أقاربه يُدعى (محمد ملا عبدالله الدعبو) من قرية الشيخان التابعة لناحية زُمّار ؛ الأمر الذي يُحَتِم على الجهات الرسمية مطابقة الأوليات مع سجلات وزارة التخطيط وعرض الأسماء على بيانات الإحصاء الرسمية ؛ خاصةً وأن هذا الرقم سيُسهِم في التغيير الديموغرافي والتأثير على نتائج الإنتخابات المستقبلية وسُيسِهم في التأثير على هوية المنطقة …!!!
والسؤال الآخر : هل سيتمكن أحدٌ ما أو هل ستتمكن أي جهةٍ مهما كانَ نفوذها مِن رشوة زَكي اليهودي أو موشي شاؤول بورقةٍ فئة (100$) بغية إصدار هوية أحوال مدنية جديدة وقد كثر اللغط وتم نشر جانب مِن الفساد الذي إستشرى في هذه الدائِرة (للأسف) وبلغت المناشدات عَنان السماء نشر جانبٌ منها الأستاذ حَوَّاس الطَرَّاف اللهيبي في مناشدته لوزير الداخلية ومدير عام دائرة الأحوال المدنية في محافظةِ نينوى ، والسؤال الأخير :
هل سيخون الأمانة زكي اليهودي أو موشي شاؤول وهل سيخونون زُمّار وأهلها وأرضها ومائها و….!!!
5. ناحوم وزوجته زريفة :
عائِلة ناحوم وزَرِيفة ومعنى (زريفة) هي الظريفة الجميلة ذات القامة الفارِعَة الباسِقة للأسف لم تَصِلنا تفاصيل عنهم .
6. راحيل وزوجته لَوّة :
عائلة راحيل وزوجته لَوّة للأسف كذلك لم تصلنا أي تفاصيل عنهم .
7. رحميل اليهودي :
ذكر شيوخ زُمّار من المُعَمرين (فتحي الجاجان “مواليد 1932م” وغيره ) : أنه كان هناك رجلٌ يهودي إسمه (رحميل اليهودي) كان يتردَدُ بإستمرارٍ على زُمّار يأتي على حمار من منطقة إسمها (صندول) وهي إحدى قرى دهوك ، كان رحميل يعمل خياطاً يدوياً يخيطُ أسرجة الخيولِ والبِغَال فضلاً عن (بردعة / إجلال) التي توضع على ظهور الحمير كما يقوم بخياطة الراويات (مفردها راوية) لنقل الماء من النهر ، وكان خلال فترة تواجده في زُمّار يُقِيم (مأكله ومشربه ومبيته و…) في بيت الجرجيس وعبدالله الكردي فأقترح عليه أهل المنطقة أن يسكن زُمّار ويستَقِر بها فوافق رحميل اليهودي على ذلك وذهب إلى بيته وإصحطب زوجته (ليلوة) وأخويه (يوسف وخضوري) فجاؤا وسكنوا في بيت عبدالله الكُردِي المُلَقَّب (عبدالله “شلطة بلطة” أبو فوزي) كانت ليلوة تعمل خياطة في زُمّار وتقوم بخياطة الجودليات واللحاف والمخاد ، كان رحميل رجلٌ طيب القلب أحبه الناس كثيراً وأحبهم وبقي في زُمَّار حتى ورود أمر ترحيلهم وبكى بكاءاً مريراً وكذلك هو حال أهل زُمّار الذين بكوا عليه دمعاً عبيطاً .
نقل لنا الأستاذ أحمد إلياس هذه التفاصيل عن رحميل اليهودي وعائلته وكما يأتي :
هو رجل يهودي يسكن (قرية صندول) إحدى القرى التابعة لدهوك (وقرية صندول) كان أغلب أهلها وسكّانها من اليهود ، كان يعمل حائكاً وخياطاً للجلود يعمل قِرَبَاً للماء ويعمل من جلود الماعز الشجوة ويعمل أسرجة الخيل والخِيام والجوادر وكان رحميل يتردد إلى زُمّار والقرى المجاورة لها لكسب قوته وتأمين مستلزمات حياته المعيشة حيثُ كان يأتي على حِمارٍ له قاطعاً مسافاتٍ طويلة كي يصل إلى زُمّار ، وذاتَ يومٍ من الأيام طلب منه المرحوم (عبدالله الكردي) أن يسكن زُمّار بعد أن يصطحِبَ عائلته معه ويواصل مزاولةِ مهنته عسى أن يسهم هذا المقترح في تذليل المصاعب ويُخفِفَ مِن وطأة المعاناة التي كان يجابهها لا سيما مشقة الطريق .
وافق (رحميل اليهودي) على هذه الفكرة وإنتقل إلى زُمّار حيثُ إستقر في بيت (عبدالله الكردي) وذلك في (عام 1938م) بَعدَ أن أتى بزوجته وأسمها ( لي لوة / لِيلوة ) وأشِقّائه ( يوسف و خضوري ) عِلماً أن ليلوة زوجة رحميل كانت ماهرة بخياطة (اللحف والجودليات والوسائد) وكانت تجيد فَنْ التطريز في زمنٍ كانت فيه أجرتها بسيطةٌ جداً والتي غالِبَاً ما تكون عِبارةٌ عن ( بيض دجاج أو كمية من الحنطة أو الشعير) .
كان رحميل يذهب كُل يومٍ على حماره لمزاولة عمله في القرى التابعة لزُمّار ويغيب عن أهله أسبوع وأسبوعين وربما أكثر ثم يعود إلى بيته في زُمّار التي بقي فيها حتى صُدور أمر ترحيل اليهود من العراق حيث رحل عنها (عام 1948م) مُكرَهاً رغماً عنه ليفارق وأهله زُمّار وهم يبكون بدل الدموع دماً تاركين خلفهم في أجمل الذكريات . أه
بعد أن إستعرضنا ما أورده أحمد إلياس عن رحميل اليهودي تجدرُ الإشارة إلى أنهم بعد أن سكنوا فترةً في بيت (عبدالله الكُردي ) إنتقلوا ليسكنوا على مقربةٍ مِن نهرِ دجلة بالقُربِ مِن بيت العم حسين العُكَلة “رحمه الله” وقد أنبأنا الأستاذ إبراهيم الحسين العكَلة (رئيس نقابات العُمّال الأسبق) قائلاً :
كانت جدتي رِفْعَة الموسى المحترش (وتيمناً بإسمها سُمي مورد رفعة) كانت تحكي لنا عن إمرأة يهودية يقع بيتها على مقربةٍ من بيت الحسين العُكَلة إسمها (لولو) كانت رفعة الموسى تُرسل لها وجبة ساخنة من أكلة (الكعوب) التي إقترن إسمها مع عمامنا من عشيرة (اللويزيين) هذه النبتة التي تنبت في موسم الربيع وكثافة الأمطار خاصة في المناطق الصخرية ولها فوائد طبية منها ليونة الأمعاء وإسهالها فضلاً عن قتل الديدان أما إذا تُركت هذه النبتة فإنها تحمل في رأسها أشبه بالزهرة الشوكية ذات لونٍ بنفسجي تحتوي على حبات من كرزات ( السِّسي) كان الأستاذ الحاج أبا عمار يذهب إليها بإناء الكعوب قائلاً لها :
( لولو تَعوبا ) بحكم صغر عمره وصعوبة لفظه لِتَرُدَ عليه لولو :
(إي إنكسح زوعا … خلينو وإنكسح موت ) أي ضعها وغادر
يُردف الأستاذ أبا عمار قوله : أكدت لي الوالدة (رحمها الله) حينما صدر أمر ترحيل اليهود كانت ليلوة ممتعظة وغير راغبة وأرغمت على الهجرة من زُمّار إلى فِلسطين .
ثَانِيَاً : قِصَةُ المثل الشهير (مَغصوب يا سَبتِي) :
رحميل اليهودي وأهله هو ذاته بطل قصة المثل الزُمّاري الشهير (مغصوب يا سبتي) الذي ننقل تفاصيله عن الأسُتاذ الفاضل المحامي (إبراهيم الزيدين) وإليكم التفاصيل :
سكنت عائلة يهودية قرب بيت المختار (عبدالله الجرجيس المحترش) وتحدِيداً في بيت (عبدالله الكُردي) في نهاية ثلاثنيات القرن العشرين وعند حلول فصل الربيع يغادر أهل زُمّار (عِزْبَةَ ) إلى أطراف (الإضويج أو زُمّار) غادر الجميع وبقي (رحميل اليهودي وزوجته ليلوة)لم يخرجوا من بيتهم وما أن إنتصف النهار حتى إفتقدهم المختار وعاد أدراجه صوب زُمّار قاصداً بيت جاره اليهودي ليجدهم جالسين لوحدهم في دارهم ، خاطبهم العم عبدالله الجرجيس مستفهماً عن سبب عدم خروجهم والكل يعلم أنَّ المختار عبدالله الجرجيس صاحب قلبٍ طيبٍ مُحِب للجميع وكما نقول (مِن أهل الله) وكأنه خُلِق في زَمنٍ غيرِ زمانهِ ليستفهم من العائلة اليهودية عن السبب الذي حال دون خروجهم مع بقيةِ أهل زُمّار ؟ فسأل جاره اليهودي :
لماذا لم تخرجوا معنا ؟ ونخشى إن بقيتم لوحدكم فسوف تأكلكم الذئاب والضِباع … !!!
أجابه رحميل اليهودي :
يا صديقي : إن اليوم هو السبت .!!!
ومما لا يخفى على الجميع اليوم أن اليهود يسبتون أيام سَبتِهم ولكم أنّى لعمنا عبدالله الجرجيس أن يُدرك أن اليهود لا يخرجون من بيوتهم في يوم السبت ويسبتون عن مزاولة الأعمال و…
هنا قال المختار عبدالله الجرجيس بضع كلمات تُدَلِل على الفطِرة السلمية والنية الصافية حيث قال :
( سَبت ، أحد ، جُمعة … كُلها نفس الشيء يا الله كَوم “قُم” ثم سحب اليهودي من يده بقوة خشيةً عليه من تداعيات بقائه منفرداً مع زوجته بعد أن غادر الجميع )
هنا إضطر اليهودي للخروج في يوم السبت وهكذا رفع يده إلى السماء مناجياً :
( مغصوب يا سبتي )
كأنه يعتذر لله كونه كَسر القاعدة وخالف طقوس الشريعة اليهودية وأنه غُصِبَ على الخروج يوم السبت فذهبت هذه الكلمات (مغصوب يا سبتي) مثلاً تتداوله الألسن منذ ذاك الحين .
نختم هذا المبحث بما أوردت السيدة (شنوف رحمها الله ) في حديثها عن عائلة رحميل اليهودي) أن رحميل كان يعمل نَدّاف أو كما هو متعارفٌ في زُمّار (منَجِّد) أي يعمل في خياطة اللحف والدواشك والجودليات) ..وسبحان الله القائل في الآية 49 من سورة الشورى في محكم التنزيل ( لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) فإن رحميل وزوجته لم يرزقا بالذرية وعندما إجبرا على الهجرة هاجروا إلى فلسطين مجبرين ، وتردف الجدة شنوف قولها بأن ليلوة زوجة رحميل كانت تبكي ليلاً ونهاراً سراً وعلانية وجهاراً نهاراً حباً وتمسكاً بالوطن رغبة منها بعدم الهجرة التي أرغموا عليها …
تشفع لنا في هذا المقام كلماتُ شاعر القرنين الشاعِرُ المخضرم عبد الرزاق عبد الواحد (رحمه الله)
يا عراق هنيئاً لمن لا يخونك
هنيئاً لمن إذ تكونُ طعيناً يكونُك
هنيئاً لمن وهو يلفظ آخر أنفاسه
تتلاقى عليه جفونُك