18 ديسمبر، 2024 8:44 م

واقع صادم ومخيف في طوارئ مستشفيات بغداد

واقع صادم ومخيف في طوارئ مستشفيات بغداد

لعل الحظ العاثر هو من يوصل المواطن إلى طوارئ المستشفيات ، وهذه ليست فرية أو تجني على مستشفياتنا الحكومية أو بهدف الإيقاع بأحد أو التشكيك بالوضع الصحي القائم حاليا ، بل هو نقل لما موجود فعلا في الواقع الفعلي بعيدا عن المجاملات ، وهذا الواقع ليس وليد اليوم ولكنه اخذ يتفاقم منذ بداية العام الحالي مما لا يسمح بالسكوت والتفرج عليه ، وبإمكان أي مواطن أو مسؤول أو منظمة من منظمات المجتمع المدني التحقق من ذلك عند زيارة المستشفيات بعد أوقات الدوام الرسمي ، أو عندما تواجه حالة طارئة تستوجب المراجعة ومنها مثلا مستشفى الكرخ العام التي رافقت فيها مريضا قبل أيام ،والمواطن قد يجد نفسه مضطرا لمواجهة هذا الواقع لان اغلب المستشفيات الأهلية تمتنع عن استقبال الحالات الطارئة أما لعدم تكامل ملاكاتها أو خوفا من المشكلات وارتفاع نسبة الوفيات فيها للحالات الطارئة سيما التي يتأخر إيصالها بسبب الازدحامات وقصور خدمات الإسعاف الفوري ، وواقع الطوارئ في المستشفيات يعكس التردي الواضح في الواقع الصحي في العراق ، وقد خصينا الطوارئ هنا لا لأسباب ذاتية ولكن لان ما يجري فيها عكس ما يجري في اغلب دول العالم التي تولي اهتماما بالغا للطوايء والإسعاف لأنها حلقة مهمة في إنقاذ الحياة وتقليل نسبة الوفيات من الحوادث والحالات الطارئة ، وبلدنا أحوج ما يكون لإيلاء هذا النشاط استحقاقه من العناية والاهتمام لأسباب عديدة أبرزها الوضع الأمني وما يتبعه من أضرار بشرية تتطلب النقل الفوري والعلاج السريع وكثرة حوادث السير وانتشار الفقر الذي قد يضطر العوائل لنقل مرضاهم إلى المستشفيات وبعضهم في النفس الأخير لمحدودية إمكانياتهم في ولوج القطاع الطبي الخاص وعدم نظمية العمل في المراكز الصحية والمستشفيات ولمحدودية أو عدم كفاءة غطاء التامين الصحي وشموله لنسبة بسيطة من السكان ، ودون أية مبالغة ورتوش ننقل واقع أداء الطوارئ في المكان الذي اشرنا إليه والذي تم الاطلاع عليه عصرا أي ليس في أوقات الذروة لان الوضع يزداد سوءا عند زيادة عدد المراجعين ، كما إن هناك زخما اكبر بكثير من الحالات الطارئة على مستشفيات أخرى في بغداد ( الكندي ، اليرموك ، مدينة الصدر وغيرها ) وهي ربما تعيش ذات الواقع أو أكثر منه بسبب الزخم :
الاستقبال : لا توجد أية معالجة لموضوع استقبال الحالات كتوفر طواقم لديها النقالات والعربات والكراسي المتحركة فهناك خلط واضح بين عمل رجال الشرطة من حماية المنشآت وبين عمل الصحة فالحراس هم يقررون لمن يسمح بوقوف سيارته أمام الطوارئ ، ولا يسمح لأية عجلة بدخول الطوارئ عدا سيارات الإسعاف مما يضطر المرافقون إلى حمل مرضاهم أو نقلهم للداخل بطريقة ( السحل ) ، ومن باب المحافظة على امن المستشفى فان الحراس لا يسمحون لأية سيارة بالوقوف أمام المستشفى حتى وان كان السائق هو المرافق الوحيد للمريض أو المصاب في وقت لا يتوفر فيه موقف للسيارات إلا بعد مسافة 500 متر على الأقل .
معاينة المريض : تتوفر غرفة واحدة للأطباء وهم من المقيمين الدوريين داخل الطوارئ ويتجمهر فيها الأطباء ويتبعون إجراءات الفحص الروتينية الخاطئة في بعض الحالات كقياس ضغط الدم والطبيب جالسا خلف المكتب والمريض في وضع الوقوف والمرضى الآخرون ينتظرون دورهم في الطابور ، ورغم وجود سرير للفحص إلا انه لا يستخدم قط وفي حالة حاجة المريض القصوى للفحص الدقيق يطلبون من مرافقي المريض نقله إلى أسرة موجودة في الردهة ثم يزوره الأطباء للفحص بعد انتهاء الطابور ، والطبيب لا يقيس الضغط أو النبض أو تخطيط القلب أو العلامات الحيوية الأخرى بل يكتبون ورقة عادية صغيرة ليس فيها اسم أو أية إشارات ليقوم بهذه المهمة الممرضون الذين يحتاجون إلى وقت للعثور عليهم لان عددهم قليل أو إنهم يتكدسون في مكان محدود ، والأجهزة المجهزة لردهة العناية غير المركزية التي تراقب وتقيس العلامات الحياتية أما عاطلة أو إن قراءاتها خاطئة ولا يتم التعويل عليها ، وفي الحالات التي يحتاج فيها الطبيب المقيم الدوري لاستشارة الطبيب المقيم الأقدم فيتم استدعائه من الردهات الداخلية أو من دار الأطباء ووصوله ( إن حضر ) يستغرق وقت طويل بالنسبة لحالة طارئة قد تتاح فيها ثواني أو دقائق للانتقال من الحياة إلى الموت ، عدا الحالات في الانفجاريات التي تستنفر فيها اغلب الإمكانيات الموجودة لأنها تتزامن مع زيارة المسؤولين ، علما بأنه لا وجود للأطباء الاختصاصيين وعندما تسال عنهم يقولون لك إنهم (on call ) لذلك لا يظهرون للعيان ، ولا نريد الزيادة في الوصف لان هناك أطباء حديثي التعيين وخبراتهم لا تزال محدودة كما إن هناك أطباء ممن يتكدسون بلا عمل فهم يأتون من الردهات الداخلية للتسلية أحيانا أو على سبيل زيارة الزملاء فحسب ، وهذه الملاحظة ليست من باب القسوة عليهم ولكن لكي يكون كل منهم في المكان الصحيح لان المراجع هو إنسان بمثابة الأخ أو الأب ومن الواجب الحفاظ عليه .
الأشعة : هناك جهاز للأشعة في الطوارئ ولكنه لا يعطيك رقاقة شعاعيه ( فلم ) ويطلب منك جهاز الموبايل لنقل الصور عبره ليشاهده الطبيب ، وإذا كان المريض لا يحمل جهاز موبايل فيطلبون من الطبيب مشاهدة الصورة عند التقني ألشعاعي ، علما إن المستشفى تستخدم الأفلام الإشعاعية في العيادة الاستشارية أي إنها متوفرة رغم شحتها وان احتفاظ المريض بالفلم قد يفيده لاحقا في متابعة العلاج بعد زوال الحالة الطارئة .
الرقود : هناك ثلاث ردهات في الطوارئ تستخدم لإراحة المريض وإعطائه السوائل الوريدية أو الأوكسجين ومتابعة علاجه وقد يبقى فيها لحد خروجه أو إحالته للردهات الداخلية من قبل الاختصاصيين ، وهناك مشاكل في هذا الإجراء فيطلبون نقل المريض للردهة ولكن يترك لوحده دون أن يزوره الطبيب أو الممرضة وفي حالة الحاجة لإعطائه الأوكسجين أو المغذي فلك الخيار أن ( تتوسل ، تمنح الإكرامية ، تتعارك ا وان تنتظر على نار) لكي يزودوه بالمستلزمات ورغم إن الأوكسجين مركزي إلا انه ينفذ في بعض الاحيان أو لا يراقب مقدار تدفقه حسب حاجة الحالة من قبل الممرضين وإذا احتاج المريض إلى بخاخ (ventolin) الذي يمزج مع الأوكسجين فان الطريق الوحيد للحصول عليه هو شراءه من الصيدلية الأهلية المقابلة للمستشفى وبسعر 11 ألف دينار لكل علبة رغم إن حاجة المريض قد تكون (سي سي ) واحد فقط ، وعلى العموم فان المرضى في الطوارئ ينتظرون ( التور ) أو جولة الأطباء ليعاينوا الحالات، وهو أسلوب لا يجوز استخدامه في الحالات الطارئة حتى في الصومال ، ولأننا قلنا إن هناك ثلاث ردهات فالأولى للرجال والثانية للنساء ولا تتعجبوا أن تكون الثالثة للسجناء ، ولكم أن تقدروا أي خطر يحدق بالمرضى وتتوسطهم ردهة للسجناء دون أية حواجز أو قواطع في ظل وجود احتمالات أن تحصل محاولات هرب أو انتحار أو مشاجرة وغيرها ، ولكن ردهات السجناء أفضل من ردهات الرجال والنساء من النواحي كافة ، حيث تفتقر ردهات الرجال والنساء إلى النظافة والتبريد والأغطية والوسادات ، وأسرتها هي في الأصل ( فاولر ) ولكنها مصلحة لذلك أي شيء فيها لا يعمل لإسناد الجانب الطبي من حيث عتلة الرفع والخفض ووسائل التعليق وطبلة الطعام أو عتلة السحب وغيرها من الاستعمالات المعروفة للمختصين فهي ( جرباية ) إن سقط منها المريض تحدث له كسور إذا كتبت له الحياة .
الأدوية : لا تتوفر أدوية بالمعنى الصحيح في الطوارئ إذ لا توجد حبوب أو تحاميل أو كبسول أو قطرات فكل شيء مرفوع حتى حبة تحت اللسان او حبة لتنظيم دقات القلب أو خافضة للحرارة والمواد التي قد توجد هي محاليل وابر الزرق ويقال إن تعليمات الوزارة هي التي أوصت بعدم وضع الحبوب والكبسولات وغيرها حتى وان كانت منقذة للحياة أو من أدوية الإمراض المزمنة خشية من أن يتمادى المواطنون ويحولون الطوارئ إلى عيادات خارجية للحصول على الدواء ، علما إن الصيدلية الأهلية المقابلة جدا للمستشفى تباع فيها كل الأدوية التي يطلبها الأطباء وبأغلى الأسعار لأنها تتعامل بأدوية ( أصلية وليست مقلدة ) .
ونكتفي بهذا القدر من الوصف لكي نترك للجهات المعنية الكشف عن بقية المعوقات الأخرى الواضحة للعيان لعلهم يجدون المعالجات ، ولا نستغرب وجود هذه الحالات وتفاقمها يوما بعد يوم لان العيادات الشعبية باتت خاوية من الأدوية وكذلك المراكز الصحية والمستشفيات ، ولا نعلم هل إن البلد فقير وعاجز عن توفير الأدوية لمواطنيه ، أم إننا أسأنا استخدام مقولة المجرب لا يجرب بشكل عفوي أو مقصود ؟ ، ونسال الله العلي العظيم أن يشافي مرضاكم ومرضانا أجمعين .