18 ديسمبر، 2024 11:45 م

واقع الحال والإبداع !!

واقع الحال والإبداع !!

الإبداع لا يعبّر عن واقع حال , بل نظر وتبصر في مفردات الواقع وعناصره الكفيلة بصياغته والإنتقال به إلى واقع أفضل , وتحقيق الحركة والتوثب والقدرة على التبدل والتواصل مع آليات المكان والزمان.

أما القول بأن الإبداع تعبير عن واقع حال , فهذا يعني الترسيخ والتسويغ والتجميد والإستنقاع والتفسخ والذبول.

ويبدو أن القائلين بذلك يمثلون النمطية التي مضى على سكتها المفكرون والفلاسفة بإجتهاداتهم وتفسيراتهم وتأويلاتهم وتحليلاتهم , المنطلقة من الترسيخية والتسويغية والتبريرية , وإستحضار ما يلزم لتحنيط الواقع الذي من المفروض التصدي له وتحريك مياهه الراكدة.

وقد لعب المفكرون دورهم في تركيد الأمة وشل قدراتها , ولا تجد عندهم إلا أنهم يعبّرون عن واقع يمعنون بترسيخة وإغلاق منافذ الجريان اللازمة لحركته.

فالمبدع يحرّك ولا يُسكّن , وعليه أن لا يبحث عن المسكنات والمخدرات والتأوهات والبكائيات والرثائيات , وإنما من واجبه ومسؤوليته أن يمنح الطاقة المعنوية للأجيال لكي تتوثب نحو مستقبلها الأفضل , بدلا من تقديم نصوص ذات طابع ترقيدي لإرادة الأمة وتقريمٍ لعزيمتها.

فالإبداع الحقيقي يمنح الأمل والقوة والقدرة على الحياة , ويتمكن من تثوير الواقع وضخه بالمفردات السلوكية الكفيلة بدفعه نحو السامقات وأخذه إلى ذرى الغايات.

والإبداع ثورة بكل معانيها ومقتضياتها الساعية للتغيير , وبدون قدرات التغيير والتثوير فأن الإبداع يفقد جوهر معناه , وتنتفي الحاجة إليه , لأنه سيكون معوقا ومدمرا.

وواقع حال الأمة أن المبدعين يدمرونها وينقضون عليها برثائياتهم وبكائياتهم , ودفق أحزانهم وأسفهم وتحسرهم وجلدهم لذاتهم الفردية والجمعية , وبهذا يساهمون في تحطيم وجودها ومنعها من تنفس هواء الحرية والقوة والرقاء.

فالذي يقدم نصوص بكائية ليس بمبدع!!

والذي يكتب نواحيات ورثائيات ليس بمبدع!!

المبدع أن يكتب بمداد العزيمة والتحدي والإقدام!!

فهل لنا أن نُبْدِعْ؟!!