إننا نفتقر الى قدر من التأمل المطلوب حينما نقرأ فصول تأريخنا، وهذا الافتقار الى وقفات التأمل في ثنايا التأريخ قد لازمنا في حياتنا أزاء ما نصادفه ونشاهده من وقائع وأحداث، وقد انعكس سلبا على جميع مجريات حياتنا الشخصية والاجتماعية وتوجهاتنا الفكرية وتطلعاتنا السياسية.
هنالك حقيقة، علينا ان لانغفلها، وهي أن كل مَن يُعارض خصومه في الحكم، فانه يتهمهم بشتى التهم، ويجد الذرائع المختلفة لالصاقها بهم، وقد لا يتوفر عليها دليلا، وهذا ما حصل فعلا من التشهير والاساءة ليزيد ابن معاوية ومرحلة حكمه ، لإيجاد التبرير المقبول لما قام به الامام الحسين في حركته ضده ، وهذا الكلام لايعني تنزيها لشخص يزيد و تصرفاته، ولكن لو افترضنا ان الامام الحسين هو الذي كان على رأس السلطة، فليس هنالك ضمانة انه لايفعل هو او اتباعه ما فعله يزيد (وقد سبقه أبيه الامام علي حينما استأصل شأفة خصومه ومناوئيه بالقوة ونزيف الدم والعنف المفرط وخاض حروبا متعددة للاجهاز عليهم وتصفيتهم بحروب بلغت من الضراوة قدرا كبيرا من البطش) كما انه ليس من المؤكد ان ينجح الامام الحسين في تأسيس دولة مستقرة وان ينجح في ادارتها وتوفير اسباب العدل والامان والرفاه النسبي في ربوعها وبين اهلها فيما لو كانت مجريات الأمور قد آلت اليه.
إنّ شواهد التاريخ تؤكد ان يزيد كان قد أقام أساس دولة او حافظ عليها على أقل تقدير لتكون دولة عظمى في ذلك الوقت متمثلة بالدولة الاموية والتي لاتزال آثارها شاخصة.
إنّ الهدف الرئيسي من قدوم الامام الحسين الى كربلاء، وهذا لايمكن لاحد إنكاره، هو طمعاً بالسلطة، متناسياً العواقب التي ستلحق به وباهل بيته وبأصحابه المخلصين له، حينما دفع بهم الى القتل والهاوية رغم تحذير العقلاء له من تبعات حركته، بل أعتبرها العقلاء انها عملية تمرد وإنتحار شنيعة، ولم يجدي معها نفعاً مهما غلب عليها الجانب المأساوي، ويكفي دليلا، انه اصطحب أفراد عائلته معه لا ليتركهم في العراء وان يعرّضهم للاذى ونيران الحرب انما لقناعته ان الامر صائر اليه لامحالة بعد ان راسله ابن عمه مسلم بن عقيل بان الامور تسير لصالحه، وقد يكون الامام الحسين قد تجشم الصعاب الجسام من أجل حلم كان يراوده وسعى جاهدا لتحقيقه، لذا استسهل المخاطرة لاجله، اما الشعارات التي رُفعت بان حركته كانت لدرء الظلم ورفع الفساد، فما أكثر الشعارات التي ينادي لها اصحابها ثم لاتجد لها حيزا للتنفيذ، علماً انه لم يسجل التاريخ القديم او الحديث فائدة من هذه الحركة، بل انها قد اختطت طريقا الى إنتفاضات لم تنجح جميعها لان جميعها كان يغلب عليها الجانب العاطفي والحسابات المرتجلة وليس التخطيط العسكري الدقيق، حينما سارت على هدى حركة الامام الحسين متأسية بخطواته بعد ان اتخذته عنوانا لحركتها.
إّن الجانب المأساوي قد أضفى على حركة الامام الحسين ذلك البعد المهم وكانت الاضافات والقصص والمبالغات طيلة الازمان السابقة في اوساط مُشايعيه واتباعه قد خلقت ركاماً من الروايات التي يغلب عليها التأثير العاطفي والوجداني، وكلها تصب في تبرير ما قام به الامام الحسين والتنديد بما حصل له من قِبل خصومه.
وهنالك نقطة هامة، صحيح ان الامام الحسين هو ابن الامام علي وحفيد النبي محمد، إلاّ ان سيرته وحياته لم تكن بارزة و لم يكن له فيها انجازا مهماً، رغم تقدم عمره في ذلك الوقت لغاية تأريخ واقعة الطف، ورغم الامتيازات التي كان يحظى بها لانه من اهل بيت النبوة و قد تربى في كنفهم و احضانهم، لكنه لم يرقى لعمل مقارنة له مع سيرة أبيه الامام علي.
بالمقابل، هنالك رجال قدّموا الكثير لشعوبهم من الانجازات العملية جرّاء خطوات تحركاتهم، فهذا نلسن مانديلا والمهاتما غاندي ومارتن لوثر كنگ وغيرهم الكثير، فان انجازاتهم تزخر بالعطاء ويلمسها الجميع، وهذا ماتريده الانسانية وتسعد به المجتمعات البشرية، خلافا لما تركته حركة الامام الحسين من الثارات التي أضحت سببا لاشاعة الفتن بين اطراف متغايرة في التوجهات ضمن الدين الواحد، مما خلق الخصومات و العداءات، والتي اصبحت وبالا على مجتمعنا، وعلى مدار سنين متعددة وستستمر وهي كالجمر الذي يستعر بين فترة واخرى مهما هدأ وخمد وخفّ أواره وانطفأت شعلته، ورغم اننا نعيش في زمن يبتعد كثيرا عن أيام الامام الحسين، إلاّ اننا نعيش افرازات ذلك العهد المرير، المشوب بالحقد والمضرج بالدماء.