18 ديسمبر، 2024 6:52 م

واع/الفتنة بين العالم الافتراضي والواقعي

واع/الفتنة بين العالم الافتراضي والواقعي

/اراء حرة
من محاسن التي ذكرت في اختلاف الرأي كثيرة، وقيل (الاختلاف في الرأي لايفسد للود قضية)، يستشهد بها الكثيرين عندما تدور رحى المناقشات الساحنة والحادة لتهوين الاختلاف وتلطيف الاجواء، رغم ابتعاد تلك الحوارات احياناً عن المنطق السليم لمفهوم الحوار واهدافه ، المواطن العراقي في ازمة كورونا واوامر الحظر ، قد نفض عنه ولو لحين عبء السجالات والنقاشات في الامور السياسية التي طالما تميز بها بشغفه اللامنتهي في جولات الحوارات لتبادل وجهات النظر بالتحليل والتأويل للاوضاع والقضايا السياسية في كل الاوقات وكل الاماكن ، انطلاقاً من البيت ومكان العمل والمقهى والمطعم الى اي مكان يتواجد فيه اكثر من شخص، واحيانا تتعالى الاصوات وتتقاطع الاراء والتوجهات والافكار الى حد الخصام و(الزعل) رغم النوايا الحسنة وروح السماحة التي يتمتع بها المواطن ، الا ان الاعتداد بالراي يفرض نفسه في الكثير من الاحيان، ولكن في السنوات الاخيرة برزت من خلال منصات التواصل الاجتماعي حالة الانقسام والاستقطاب والتخندق في مواقف الكثيرين وعملت على افساد علاقة المواطنة بيننا من خلال خلق الفتنة وعلى مستويات ونواحي عديدة ، وكثير من تلك الصفحات هدفها الترويج لالاصطفاف السياسي على الاساس الطائفي والعرقي ، حيث تستخدم الكثير من مساحات منصات التواصل الاجتماعية في الهدف او الغرض غير المخصص لها ، حيث بدلاً من استغلالها للتعارف وتبادل الافكار والاراء بايجابية لمناقشة الاوضاع الصعبة التي نعيشها وطرح المقتراحات والحلول بروح وطنية متجاوزة حدود الهويات الفرعية والتركيز على الانتماء الوطني للعراق ،وبعيدا عن المنشورات الانشائية والمثالية الزائدة غير الواقعية التي تترجم مواقف بعض الناشرين كانها اعلانات مدفوعة الثمن في التعظيم والتبجيل من ناحية والتسقيط والتخوين من ناحية اخرى ، وبدأت تطلق مسميات في توصيف الاتهام بالانتماء لهذه الجهة في مواجهة الاخرى ، اعتبرت تلك المنصات قاعدة لانطلاق موجات عاتية من الاشاعات والاخبار المزيفة والمضللة للتسقيط والفتنة ، والمصيبة الكبيرة حجم و اشكال التفاعل الاني والكبير معها من الاخرين باعتبارها حوارات واقعية وليس حوارات في عالم افتراضي ، وانا اقصد الصفحات بمسميات وعناوين وطنية مختلفة وهي بالحقيقة ابعد ما يكون عن الوطن والمواطن، والتي تحولت في ذهن المتابعين من عالم افتراضي الى واقعي ودون وعي لعواقب تبني جميع ما يتداول على تلك الصفحات كحقائق متيقن منها ومحاولة نشرها بين الناس ، مما جعل الخلافات تتوسع الى حد استخدام تلك الصفحات اساليب التهديد والتصفية والتشهير البعيدة عن المصداقية والحقيقة والموضوعية ، وساحات لصراع الاراء السياسية بفرض الرؤية الفردية ومحاولة تعميمها رغم تناقضاتها وعدم واقعيتها ومحاولة تحويلها الى تفكير جماعي ، يتبنى اهداف معينة بعيدة عن الواقع لتحويره وتزوير الحقيقة الصائبة وذلك بممارسة سيل من سبل التضليل لتفقد الحقائق مكانها او وزنها ، ليصاب الكثيرين بعدوى مرض نظرية المؤامرة التي يروجون لها دون اسباب وحجج مقنعة، وكان ولازال الفيسبوك بشعبيته الطاغية وتجدد وتحديث صفحاته من الصباح الى المساء بحوارات الناس المختلفة والاخبار ومعظمها سياسية ، ولكن منها بدرجة امتياز في خلق الفتنة المجتمعية رغم مصاعب الحياة وقساوة المعيشة للمواطن في ظروف الاقتصادية القاسية وجانحة كورونا ، مما يعكس تدهورا واضحاً في اخلاقيات الناشرين في هذا العالم الرقمي ، في غياب مقياس معرفة واقعية ما ينشر من كتابات او صور او فيديوهات ، اصبحت للاسف كوباء لعدوى الكثير من الامراض المجتمعية وانتشارها على المستويات كافة، حيث صرح الاسبوع الماضي فيسبوك بانها حذفت 5,4 مليار حساب مزيّف في هذا العام لحتى الآن ، وعلينا تصور العواقب الوخيمة التي يمكن ان نصل اليها بالتاثير السلبي على اللحمة الوطنية والتعايش السلمي الذي نحن بحاجة ماسة اليه في ظروفنا الحالية .