23 ديسمبر، 2024 4:40 ص

واشنطن وبكين حرب باردة طويلة الأمد؟

واشنطن وبكين حرب باردة طويلة الأمد؟

عنوان المقال مقتبس من تصريح لعراب الدبلوماسية الأمريكي (هنري كيسنجر) خلال مقابلة له مع صحيفة إسبانية فجر قنبلة أسرار حول صراع بكين وواشنطن وفيما يلي نصح التصريح (يرى كيسنجر أن الحرب الباردة بين واشنطن وبكين هذه المرة أكبر وأخطر من الحرب الباردة الأولى وهي حرب طويلة الأمد. لاسيما أن أمريكا والصين تمتلكان موارد اقتصادية متشابهة وهو ما لم تكن عليه خلال الحرب الباردة الأولى، وأن القوتين الاقتصاديتين تحولتا إلى خصمين، معتبرا أنه لا يجوز انتظار أن تتحول الصين نحو الغرب. كيسنجر حذر من خطورة الصراع الصيني الأمريكي الذي يمكن أن يتحول إلى أكبر تحد يواجه البشرية في ظل قدرة البلدين الكبيرة على تدمير العالم. إن تصريحات كسينجر الجديدة هذه تأتي في ظل ارتفاع التوتر بين البلدين حول عدة قضايا خطيرة مثل جزر تايوان وملف التجسس عبر البالونات أو تطبيق تيك توك، والأخطر هو التقارب الصيني الروسي بعد زيارة الرئيس الصيني لموسكو). هذا نص الخبر على شاشة العربية.
تحليل كاتب المقال:
لم يكن انتهاء التنافس بين القوتين العظمى (الاتحاد السوفيتي وأمريكا) مفتاحا للاستقرار في العالم. فلقد ظهرت أنماط جديدة من الحروب ومظاهر عدم الاستقرار السياسي والتدهور الاقتصادي في كثير من أرجاء العالم. وكان لانتهاء الصراع الأيديولوجي بين الشرق والغرب أثره في تقليل الأهمية الاستراتيجية لبعض الدول. بلا شك كانت وماتزال الأداة العسكرية أداة أساسية في تحقيق أهداف التدخلات، مع توظيف أدوات أخرى إلى جانبها دبلوماسية واقتصادية، لكن يبقى العامل الأيديولوجي والعامل الاقتصادي يعكسان نمط إدارة الصراع الأمريكي الصيني.
الجدير بالذكر أن هذه الأحداث لم تكن غائبة عن رؤية مفصلة (لهنري كيسنجر)، في كتاباته للنظام الجديد، حيث يطرح رؤيته في ضوء التطورات الدولية، بالتزامن مع بروز معطيات دولية جديدة مثل الأزمات في بعض الدول العربية كالحرب في ليبيا، وتمدد نفوذ الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، وانتقال عدوى الإرهاب إلى أوربا التي شهدت عدة دول فيها هجمات إرهابية، وكذلك الحرب الدولية وتحالفاتها ضد الإرهاب، وعودة التنافس والتوتر في علاقات الولايات المتحدة مع روسيا والصين.
أما من الناحية الاقتصادية وهي الأهم والأخطر في موضوع الصراع الصيني الأمريكي، بلا شك وجدت التكتلات الاقتصادية تعبيرها الفكري في نظرية التكامل الاقتصادي بالنسبة للصين والولايات المتحدة الأمريكية. وأصبح الاهتمام بها بعد الحرب العالمية الثانية من قبل عدة دول في العالم، حتى بات منتصف القرن العشرين يسمى بعصر التكتلات الاقتصادية.
التنافس الاقتصادي بين واشنطن وبكين:
في عهد الرئيس ترمب كان هناك صراع واضح بين البلدين، حيث كلف الرئيس الأمريكي السابق ترمب في حينها وزير الخزانة بتسمية الصين رسميا (دولة متلاعبة بالعملة) وكذلك تم تكليف الممثل التجاري الأمريكي برفع دعاوى تجارية ضد بكين، في واشنطن وفي منظمة التجارة العالمية، إضافة إلى استخدام كافة أوجه السلطة الرئاسية لمعالجة النزاعات التجارية، إذا لم تتوقف الصين عن أنشطتها غير القانونية بحسب رأي الأمريكان، بما في ذلك سرقة أسرار التجارة الأمريكية، وتطبيق رسوم كمركية على منتجاتها الواردة للولايات المتحدة.
مرحلة انتشار فيروس كورونا:
لقد برز الجدل مع انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19) حول تأثراته على الاقتصاد العالمي وانعكاسه على شكل القوة العالمي. ربما كانت الآراء التي تدور في هذا الصدد حول عدة سيناريوهات وكما يلي:
السيناريو الأول:
ستُسرع أزمة كورونا من تحول القوة من الغرب إلى الشرق (آسيا تحديدا). حيث يرى أنصار هذه الرؤية أن مرحلة ما بعد كورونا يمكن أن تكون بداية نظام عالمي متمحور حول الصين، وستوظف الصين نجاحها في احتواء الفيروس لتظهر في دور القائد الجديد للنظام العالمي.
السيناريو الثاني:
يستبعد فكرة القيادة الصينية للنظام العالمي، بسبب تأخر الصين في إطلاع المجتمع الدولي على حجم الأزمة في الوقت المناسب.
السيناريو الثالث:
يرى أن أزمة كورونا ستعزز من المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين، ولكنها ستكون منافسة من نوع جديد حول تحقيق المكاسب النسبية دون أن يكون أي طرف قادرا أو راغبا في تولي موقع القيادة العالمية. (من كتاب الدكتورة مروة فكري: مدخل إلى العلاقات الدولية أزمة العولمة وآفاق العالمية)
حرب الرقائق الالكترونية:
الخبير الاقتصادي (عبدالله الشناوي) يؤكد في تصريحات لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية، على أن حرب الرقائق تمثل نقطة اشتعال جديدة في العلاقات الأميركية الصينية حيث أشار الرئيس الأميركي جو بايدن إلى أن ضوابط تصدير التكنولوجيا ستكون خط الدفاع الأول ضد القوى العظمى المنافسة مثل الصين وروسيا، لذلك يشهد العالم حالياً صراعاً جديدا تم إبرازه على أنه حرب الرقائق، فقد دخلت الولايات المتحدة والصين في منافسة شرسة على صناعة الرقائق، حيث تعتمد أنظمة الدفاع الأمريكية والصينية اعتمادا كبيرا على أشباه الموصلات في الصراع في المستقبل لذلك فإن المنافسة الشرسة المستمرة على صناعة أشباه الموصلات بين الولايات المتحدة والصين لها تداعيات طويلة الأجل في الجغرافيا السياسية.
وتـأسيسا لما تقدم، ونتيجة التحولات الراهنة التي يشهدها النظام السياسي الدولي وتحديدا على مستوى القيادة، والتوجه الانسحابي للولايات المتحدة الأمريكية. سؤال يوجه للصين حول قدرتها على سد هذا الفراغ الأمريكي وتحمل كلفة واعباء قيادة العالم. أو بمعنى آخر هل الصين يمكن لها أن تملأ الفراغ الأمريكي؟
ج/ بلا شك يواجه النظام الدولي الراهن تحديات من بينها وجود مسافة لا تزال طويلة بين القطب الأمريكي والقوى الدولية الأخرى التي تسعى إلى الاقتراب من مستواه وردم الفجوة التي تفصل كلا منها عنه سواء في مجال القوة العسكرية التي لا تزال أطول وأضخم الفجوات القائمة بين الطرف الأمريكي والقوى الكبرى الأخرى باستثناء بسيط لروسيا الاتحادية، أو في مجال القوة الاقتصادية وذلك من خلال تحقيق أكبر نجاحات القوى الدولية الأخرى في الاقتراب من مستوى القوة الأمريكية، أو في القوة العلمية والتكنولوجية.
في السياق ذاته، أن النقاش حول صعود الصين كقطب عالمي يواجه الولايات المتحدة الأمريكية، يتمحور منذ بدايات التسعينيات حول محورين، الأول، مدى سرعة نمو القدرات الاقتصادية والعسكرية الصينية، والثاني، كيف يتوجب على العالم الرد والتفاعل مع هذا الصعود. لقد طرأت تغيرات أساسية في نظرة الصين للمجتمع الدولي في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي بسبب التطورات الداخلية التي أحدثتها فيما يتعلق في هويتها الوطنية وثقافتها الاستراتيجية، ومصالحها الأمنية، بالإضافة إلى إعطاء الأولوية الأكبر لتنمية اقتصادها الوطني.
فقد قامت الصين بالابتعاد عن موقفها الثوري تجاه المجتمع الدولي من خلال إعادة تعريف اهتماماتها الأمنية، وقد عمل هذا التغير على تركيزها على اهتمامات تعاونية أكثر تحافظ على الاستقرار والمشاركة في الاقتصاد السياسي العالمي من خلال المشاركة في المؤسسات الدولية المختلفة. ففي المجال الاقتصادي تعتبر الصين أكبر قوة اقتصادية في العالم. وتعد من الدول التي تشق طريقها نحو التطور، والثروة، والقوة وتقوم بإحداث تغييرات في الاقتصاد الدولي، وقد سجلت الصين أعلى معدل للنمو الاقتصادي منذ انضمامها لمنظمة التجارة العالمية فوصل ترتيب إجمالي الناتج المحلي الصيني في ذلك الوقت المرتبة الرابعة على مستوى العالم.
أما في المجال العسكري تحتل الصين المرتبة الثالثة في ترتيب الدول من حيث القوة العسكرية بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، حيث تعطي الصين اهتمام كبيرا لزيادة التسلح والتطوير العسكري. وفي مجال التكنولوجيا تركز الصين على استخدام التكنولوجيا في تطوير نظامها البيئي. وتؤكد السياسات الصينية الأخيرة على ضرورة دفع عملية التنمية وتركيز الجهود على تسوية المشاكل البيئية البارزة، وزيادة قوة حماية النظام التقني والتكنولوجي.

بقلم: أستاذ الفكر السياسي
الدكتور: أنمار نزار الدروبي