22 ديسمبر، 2024 3:00 م

واشنطن والرياض ( الثابت والمتغير في حرب غزة)

واشنطن والرياض ( الثابت والمتغير في حرب غزة)

هناك من يغفل حجم وطبيعة الدور الذي تضطلع به الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الجارية على غزة، لأننا دائما ما نرى في الواجهة المعني الأول الرئيس نتنياهو ومن خلفة إسرائيل، لكننا لم نفهم طبيعة ما يجري من أحداث في المنطقة بشكل عام، وخاصة الدور الأمريكي الذي تخطى بكثير ما كان متوقعا، فمنذ بداية حرب غزة بعد عملية ٧ أكتوبر والولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية كانت تراها مهمة لتحقيق تطلعاتها في منطقة الشرق الأوسط، وهذه الأهداف تتلخص في :-

١. تقديم الدعم العسكري الكبير لإسرائيل بغض النظر عن تأثير هذه المساعدات على طبيعة علاقاتها مع حلفائها العرب، وتحشيد الرأي الداخلي الأمريكي لمساندة إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ضد محاولات الإبادة التي تتعرض لها حسب وجهة نظرها، وتبرئة ساحتها مما ينتج عن هذه الحرب، وسرعة تصريح الرئيس بايدن عن براءة تل أبيب بعد قصفها مستشفى المعمداني في غزة خير دليل على ذلك .

٢. إعطاء إسرائيل الضوء الأخضر في القضاء على حماس في غزة حيث شارك الرئيس الأمريكي ووزير الدفاع وعدد كبير من ضباط الجيش في وضع الخطط العسكرية المناسبة لتحقيق هذا الهدف وهي فرصة كانت واشنطن تنتظرها منذ فترة طويلة .

٣. السيطرة على حدود هذه الحرب والعمل على عدم توسعها وهذا ما نراه من خلال الرسائل التي بعثتها واشنطن لطهران وحلفائها في المنطقة، وكذلك الأوامر التي صدرت للدول الحلفية لها وعدم تخطيها حدود الإدانة والاستنكار لما تقوم به تل أبيب في غزة، وهذا كان واضحا في طبيعة الدور الذي تلعبه كل من الاردن ومصر والمملكة العربية السعودية.

أن ما يهمنا في هذا البحث هو العرف السائد في تصدر المملكة العربية السعودية في الملفات الإقليمية، وقيادة الدول العربية في ما تراه مناسبا لها، إلا في هذه الحرب التي غابت الرياض عنها بشكل تام، وقد فرض هذا الغياب تساؤلات عدة بشأن الموقف السعودي، كغيرها من بلدان العالم غير المعنية بالقضية، مكتفية ببيانات الإدانة والشجب والاستنكار، يرافق ذلك غياب ولي العهد محمد بن سلمان عن المشهد بشكل لافت للنظر ومثير للجدل، والذي دائما ما تميز بحضوره في مختلف المحافل والملفات الإقليمية، فما هو سر هذا التراجع في الموقف السعودي؟ وأين الرياض مما يجري في غزة ؟ وما هي الغاية من هذا السكوت ؟ وما هو السبب في عدم تصدي المملكة العربية السعودية لقيادة الرأي العربي ضد المجازر التي تقوم بها إسرائيل ؟.

لقد كان الموقف الرسمي للملكة العربية السعودية يتمثل في موقف ولي العهد محمد بن سلمان والذي جسده بنفسه في القمة الخليجية ورابطة الآسيان، عندما أعلن عن رفضه استهداف المدنيين ومساويًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولم يشر لجرائم الاحتلال أو قتل المدنيين في غزة، أو لحق الفلسطينيين في طرد الاحتلال من أراضيهم.

إضافة إلى ذلك؛ نقلت وكالة الأنباء الفرنسية إن المملكة العربية السعودية أبلغت واشنطن عن تعليقها محادثات التطبيع مع إسرائيل، بسبب القصف المستمر على قطاع غزة، لكن اللافت للنظر ما نقلته صحيفة “فايننشيال تايمز” البريطانية التي تحدثت عن أن المملكة لم تعلق محادثات التطبيع مع تل أبيب رغم عدم وجود اتصالات بشأنها، لكن الأولوية الآن التعامل مع الأزمة الحاليّة، ليكشف الموقف السعودي إزاء القضية الفلسطينية برمتها، وأصرار الرياض على موقفها والذي ترجم بشكل فعلي في قمة السلام التي عقدت في القاهرة لبحث تطورات الحرب في غزة، والتي غاب عنها ولي العهد السعودي عكس ما كان معمولًا في السابق .

هذا التغيير في التوجة السعودي يتفق مع ما فسره رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام مصطفى خضري، والذي أشار إلى أن ولي العهد السعودي يخشى أمرين:-

الأول:- أن يتدخل لدعم غزة ولو بإدخال المساعدات فيفقد علاقته مع بايدن ونتنياهو .

والثاني:- أن يظهر كحليف منتظر للكيان الصهيوني فيتصادم مع الرأي العام العربي والإسلامي ويفقد فرصته في الترويج لنفسه كقائد إقليمي، لذا ارتأى أن يترك الصدارة ذات التكلفة العالية، وفضل الجلوس في مقاعد المتفرجين .

هذا التوجة السعودي ضحى بأهم ملف في المنطقة واختارت المملكة عدم الوقوف في ظهر الشعب الفلسطيني من أجل المصالح التي تربطها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وطبيعة العلاقة الجديدة مع تل أبيب، والذي تراه الرياض هو الطريق الاسلم للمملكة التي يريدها ولي العهد السعودي في ظل رؤيته الجديدة، والتي لا يمكن أن تكون بمعزل عن واشنطن، مهما كان حجم الدعم المقدم من المحور الروسي _ الصيني، على الرغم من أن المرتكزات التي يستند إليها كل من بايدن ومحمد بن سلمان لم تعد كما كانت في السابق إلا أنها سوف تبقى محافظة على طبيعة العلاقة بين البلدين .

ماجستير علاقات دولية
مختص بالعلاقات الأميركية-السعودية