18 ديسمبر، 2024 3:11 م
لهذا المصدر الحسي النفسي -المهم في تكوين الإنسان وتفاعلات قلبه وعقله وروحه- أثر كبير على خصائص شخصيته النهائية وما يبدر منها من تصرفات وما يصدر عنها من أفعال وردود الأفعال ،
الضمير حكمه أشد من حكم الدين في سلطته على الإنسان ومخرجاته النفسية والعملية ، فالدين تأثيره من الخارج ولن يصبح مؤثرا ذاتيا الا اذا تسرب الى الضمير وتشرب فيه ، ولذا فالدين يريد -فيما يريد- ان يهذب الضمير كي يعتدل تصرف الإنسان متبعا خلقا معينا ينأى به عن أذية نفسه والحاق الضرر بالناس والحياة من حوله ، فبغير اقتناع الضمير وتشبعه بإيمان وقناعة نادى بها ذلك الدين او تلك الأخلاقيات فإن الإنسان لن ينصاع ولن يتبع وستبقى التعاليم حبرا على ورق او أصوات منبرية لا تطبيق لها على أرض الواقع ، وحينئذ سينوب القانون الصارم مناب الدين ، او ان يفعل الجزء العقابي من الدين بنوده وحدوده،
اما اذا تهذب الضمير وترسخت قناعات الإنسان وقيمه ومبادئه فلن يصعب على الدين ارشاده ولن تعجز الأخلاق عن توجيهه ولن يتعثر القانون في تهذيبه ، وإذا غاب ضمير الإنسان غاب عنه الرقيب الحي الصارم الذي لا يغفل ولا ينسى ولا يكسل وحينئذ يعيث الإنسان في الأرض فسادا كلما غاب رادع القانون ومانع الخوف او دافع الحياء ،
فالإنسان يلزم نفسه باطاعة ضميره فهو يفعل ما يظن انه الحق وليس بما هو الحق فعلا ، وقد يكون الحق الذي يؤمن به هو الباطل ، فإذا أراد المجتمع او المربون تقويم الإنسان فعليهم العمل على توعية ضميره وأرضاعه قيما تستقر في وجدانه كما يفعل الدين الذي ينفذ -في أغلب تعاليمه- إلى عمق النفس والضمير فيؤسس فيهما تأسيسا يكون ما فوقه تبعا له ،
حتى إذا خلا الإنسان وتهيأت له فرصة استغلال أخيه الإنسان او تخريب الطبيعة او أذى الحيوان بعيدا عن طائلة القانون يبرز نداء الضمير فيراقبه ويحاسبه ويغلبه فيمنعه ، ومن هنا ترسخ قيم الإنسانية بعيدا عن العنصرية ، ومعاني الوطنية بعيدا عن الطائفية وجمال الندية بعيدا عن الطبقية وتعاون صاحب النفوذ و تواضع صاحب الجاه واخلاص صاحب العمل والوظيفة سواء زاد اجره او قل ،
في دائرة الجمارك في مدينة عراقية معينة كنت استخرج اوراق سيارتي للسفر بها إلى بلد اجنبي فاستغل صاحب مكتب العرائض جهلي بالإجراءات وغربتي عن المدينة فأراد ان يكسب مني مالا حراما بالاستغفال فادعى ان علي ان ادفع مبلغ 50 دولارا للترجمة والتصديق وقد دفعت فعلا اضافة للمصاريف الرسمية الأخرى ولكني تشككت في الأمر اذ بدا لي غير منطقي فصعبت علي نفسي ان اخدع فرحت اسأل غير واحد من الموظفين او المكاتب الذين بدا انهم اتفقوا على أن يساعدوا هذا المحتال في فعلته والسبب هو العنصرية فطالما الضحية غريب ونحن أبناء قومية واحدة ولغة واحدة فحلال علينا ، فغلب جملي ،
حتى ظفرت بموظف من جلدتهم ولغتهم نفسها ولكنه استنكر الفعلة وصارحني ان هذا نصب واحتيال وانه إجراء شخصي و غير قانوني ونصحني ان اقابل المدير ففعلت ووجدته خيرا من الاول خلقا ودماثة فأرسل معي موظفا استرد مالي ووبخ صاحب المكتب الذي بدا مذهولا من تكالب بني جلدته عليه وهو المرتجي منهم نصرته ظالما او مظلوما واستغلال هذا الغريب الذي لا يعرفونه ولا يقربونه والمفترض انه خصمهم ويكرهونه ولكنهم خالفوا ظنه ولم يفعلوا ، بل أطاعوا هاجسا وازعا خفيا متحكما آمرا يهدي ويضل ويفجر ويتقي ويحلل ويحرم ويحط بالإنسان -إذا غاب الرقيب- إلى مهاوي البهائم والمجرمين او يرفعه إلى مراقي النبل والشرف ومعاني الإنسانية ،،، انه الضمير.