5 نوفمبر، 2024 6:33 ص
Search
Close this search box.

“وارسو” وفضائيات السياسة الناعمة

“وارسو” وفضائيات السياسة الناعمة

منذ الاعلان عن قرب انطلاق فضائية (MBC) الخاصة بالشأن العراقي والممولة من المملكة السعودية وصفحات مواقع (التواصل) الاجتماعي “الفيسبوك وأخواتها” في حرب “لا هوادة فيها” بين المؤيدين والرافضين لتلك الفضائية التي يديرها ويشرف عليها عراقيون يقيمون خارج البلاد منذ سنوات اغلبهم هاجر بعد العام 2003، الرافضون لتلك الفضائية يَرَوْن فيها سياسة “ال سعود” التي ذبحت “عُبَّاد الله” وصدرت لنا الإرهابيين بجميع مسمياتهم مع سياراتهم المفخخة والأحزمة الناسفة والدور “السلبي” الذي ادته الرياض من خلال دعم جهات سياسية “لتخريب” تجربة مابعد التغيير،.
لكن المؤيدين يَرَوْن عكس ذلك فهم يجدون فيها “ضالة” المشاهد التي افتقدها بسبب عجز الفضائيات ووسائل الاعلام التي تمولها الاحزاب عن تقديم مادة “دسمة” بعيدة عن “التهريج والإسفاف”، وقد يذهب اخرون ابعد من ذلك ليصفوها بالصوت الذي سينصف الهوية المذهبية، واعني بها “السنية” على وجه الخصوص، وهذه حقيقة يعمل الكثير على تجاهلها لكنها واضحة، على الرغم من وجود بعض الاستثناءات للرافضين الذين يعتقدون بان السعودية تدفع الاموال و”الهبات” من دون مقابل، ولكنها مع مرور الوقت “ستكشف” عن نواياها كما حصل مع فضائية الحرة الاميركية التي “استغنت” عن غالبية موظفيها في بغداد بسبب عجزها عن إقناعهم بالمشروع الذي تأسست من اجله.
ولان بلادنا ابوابها مفتوحة امام الجميع وسماؤها متاحة للترددات بأنواعها “المرئية والمسموعة” وحتى الزيارات المفاجئة، يدفعني ذلك لعدم الوقوف بالضد من افتتاح اي فضائية او وسيلة اعلام تسعى لنقل سياسة مموليها “لجمهورنا” ومنها (MBC) العراق، التي استغلت الفراغ الذي احدثه غياب وسيلة الاعلام التي تمثل “مفهوم الدولة” بجميع مكوناتها، وخاصة بعد تحول شبكة الاعلام العراقي الى منبر “للتصارع” السياسي بين الخصوم وانشغالها بالبحث عن موظفين موالين لاحزاب السلطة بدلا عن الكفاءة والخبرة فأصبحت مؤسسة حزبية “تعاقب” جميع من يغرد خارج سرب ادارتها التي تبحث عن البقاء في المنصب وليس تقديم وسيلة اعلام قادرة على منافسة الفضاء المفتوح وايصال رسالة “تجذب” المشاهدين ولا تنفرهم، فكانت احد الأسباب التي دفعت المواطنين “للتصفيق” لتلك الفضائية التي اختارت السعودية لانطلاق حفل افتتاحها رغم انها مختصة بالشأن العراقي، حتى اصبح الاطفال يتغنون بإعلاناتها الترويجية ويرددون “لمتنا تكمل بلمتكم”.
وبنظرة سريعة الى الاحداث قد نسجل تزامنا بالتوقيت بين انطلاق تلك الفضائية ومؤتمر “وأرسو” الذي عقد في بولندا تحت شعار (الامن والسلام في الشرق) بمشاركة نحو 63 دولة وبطلب مسبق من قبل واشنطن وإعداد مباشر من كبير مستشاري البيت الأبيض وصهر الرئيس الاميركي “الصهيوني” جاريد كوشنير، ومبعوث السلام الاميركي في الشرق الاوسط جبسون جرينبلات، وبدعم من السعودية وبعض دولة الخليج على رأسها “البحرين وعمان” ليكون الهدف الأساسي من المؤتمر الذي غابت عنه الصين وروسيا وقاطعته ممثلة الاتحاد الاوروبي فيدريكا موجريني، هو “التطبيع” مع اسرائيل التي مثلها في المؤتمر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وإيجاد تحالف جديد بين العرب والصهاينة لابعاد الأنظار عن القضية المصيرية للعرب المتمثّلة بفلسطين و “صرف” الأنظار عن تحريرها من الصهاينة بخلق عدو مزعوم وجعله الهدف، لتكون ايران هي الضحية وبخنجر عربي يحمله صهيوني، ليخبرنا وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو في كلمة له بالمؤتمر بان “واشنطن تدعو الى عهد جديد من التعاون في الشرق الاوسط” وهو يقصد بذلك، التعاون بين القادة العرب والصهاينة من اجل تجاهل القضية الفلسطينية.
لكن حتى في المؤتمر الذي يروج للصهاينة لم يتمكن نتنياهو من السيطرة على عقده الكراهية التي تسيطر عليه، ليبلغنا في احد تصريحاته، بان “البولنديين تعاونوا مع النازيين، أعرف التاريخ ولا أغيره، إنما أكشف عنه”، وهو ما اثار حفيظة الدولة المضيفة وحكومتها ودفعت وزارة خارجيتها الى استدعاء السفيرة الاسرائيلية، في حين رد ممثلو الدول العربية المشاركة بالمؤتمر بعقد اجتماع مع نتنياهو على طاولة مستديرة يناقشون فيه مصير الأمة العربية وتحالفهم المستقبلي الذي يكرر مرة اخرى بيع فلسطين بعد ان بيعت في نكسة حزيران وبتآمر عربي ايضا.
الخلاصة.. ان الحرب التقليدية وتجييش الجيوش والطائرات والمدافع لم تعد اسلوبا مناسبا لتحقيق الأهداف التوسعية والسيطرة على البلدان، انما السياسة الناعمة باستخدام جميع الأساليب مرة بمؤتمرات حوارية تحت عناوين “السلام والأمن” ومرة أخرى باستخدام الخطاب الموجه للشعوب والجماهير عبر محطات وفضائيات تلبي رغبات المشاهدين بأسلوب تفتقر له وسائل الاعلام الداخلية او تعجز عن تحقيقه، لتصل في النهاية لهدفها بخلق رأي عام مساند لتوجهات الدولة الراعية والممولة، من دون إطلاق قذيفة واحدة.. اخيرا… السؤال الذي لابد منه، متى نصحو من غفلتنا؟..

أحدث المقالات

أحدث المقالات