23 ديسمبر، 2024 3:02 ص

واحسرتاه حتى تموت الطائفية وَيُذرُّ فوق رمُوزها الترابْ !

واحسرتاه حتى تموت الطائفية وَيُذرُّ فوق رمُوزها الترابْ !

قد ينطق الشاعر بألوان من الشعر بما يحث على الحياة , ويمتنع عن شعر لايحسن الى قومه ولا يأبه لوحدتهم لكي لا يقترن اسمه بالغراب . وهذا , طبعا , بعد ان يخرج ببطء من بيئته بنصف جودة الشعر فيلقى ثواب القرّاء وثناء النقاد معا لنسيجه الشعري, ثم يلي ذلك إعجاب الكبار بحكمته واسف الحاسدين على بقائهم خلفه في طابور الشعر .
ثم يخطوا بشعره وبكفه سيف العدالة والمرؤه وبالأخرى الحب والحكمة , فتغتسل من الذنوب لتجتمع بها كل عطورالأرض , فيلتف حوله أبنائه وأخوته في الدين والوطن لأنه من صلصال لاينبغي أن يورث الكراهية ولاكبائر المذنبين الأولين من أهله.
وقد تجسّد الشاعر, منذ القدم , بالمرآة التي لاتزيّف الحقيقة , لذلك ينظر اليها الناس بأعين جاحظة كما تفعل عند القراءة , وبقلب وعقل مفتوحين كما يتعاملون مع المال والحلال. لإن الشاعر والكتاب والمال تحيل الجميع الى الشعور بقضية واحدة وهي ” الفضيلة ” التي يدعوا اليها الله والتي تنقل السعادة حتى نهاية العمر الى الصدور لتحدث ضجة ليست بالخفيفة في الروح فتتساقط منها الذنوب والأفعال الدنيئة فيتحرر القلب منتشيا بأسمه تعالى («قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ » (يوسف/33).
ثم يوسع الشاعر الخطى فيدخل من باب الى آخر في بيئته , عال الرأس , مليئ بالفخر , يعج بأثقال الحق والوفاء حتى يخلده اهله وتنشأ في ظل تراثه الأجيال مسجلة نماذجا اخرى من الأدب تحث على تحرير الإنسان من الظلم والعبودية وتدفعه أحيانا الى الإستشهاد في سبيل الله والوطن ورفع راية الحق فوق قمم المجد.
من أمثلة هذا الشاعر الكثير في تراثنا العربي العريق, وكذلك من التراث الأوربي ولا مجال لذكر الأسماء.إلا أن مظاهر جنوح الشاعر عن ذلك تكمن في تحشيد الناس على مناصرة ظلم الأعداء والأستقواء بهم على أبناء جلدته وفقدان الحماسة لقضاياهم المصيرية أو التخلي عنها , بل وتنكيس راية الدفاع عنهم على العكس من شعراء العربية الخالدين إذ قال قائلهم :
متى ننقل الى قوم رحانا….. يكونوا في اللقاء لها طحينا
بينما يتخلف , للأسف , شاعرنا الكبيرسعدي يوسف كمثال حديث امام هذه السلسلة من الحقب التي يمر بها الشاعر فينكفئ , بعد أن كان ممن ليْسَ لَهُم كِفَاءُ ,على وجهه مرة بالطائفية الممقوتة ومرة بالكفر . وقد أعلن ذلك بقصيدته ” عيشة بنت الباشا ” عن أم المؤمنين التي جعل منها رمزا ايروتيكيا وصنما في آن واحد ومن دون إعتبار للنبي الكريم (ص ) , وكان القصد واضحآ في قصيدته إذ يقول :
لكنّ عائشةَ الجميلةَ ، سوفُ تُعْلي أن ناعمَ شَعرِها سيظلُّ أحمرَ

سوف تُعْلِنُ أنها ، أبداً ، محاربةٌ …

لقد قهرتْ نبيّاً في السريرِ

وهاهي ذي ، على جملٍ ، تقاتلُ .

إن عائشةَ الـحُمَيراءَ

النبيّةُ

بعدَ أن ذهبَ الذكورُ الأنبياءُ إلى الهباء …

ففي هذا التشبيه الممقوت والأنتقال من عيشة الى عائشة المستلة من التراث العراقي:
طلعت الشميسه
على قبر عيشه
عيشه بنت الباشا
تلعب بالخرخاشه
صاح الديك بالبستان
الله ينصر السلطان

, في هذه الترديدة محاكاة , الأولى لعائشه التراثية والأخرى للسيدة عائشه زوج الرسول(ص) التي يرفعها الشاعر من درجة البشر الى درجة الصنم ( الإله ) فيعبده النبي الكريم , بل وسلطانة على نبوته ( لقد قهرت نبيا في السرير ) وهو تعبير أيروتيكي وتشبب بنساء النبي يستحق أي شاعرعليه قطع اللسان بحسب حكم الرسول(ص) نفسه , ومرة أخرى يشبهها بداعش وهي تقاتل من فوق جمل جديد ( وهاهي ذي , على جمل , تقاتل) !
في هذا البناء الشعري الذي يشبه الى حد بعيد بصيغتين موسيقيتين أو لنقل صوتين , الأول وهو محاكاة لصوت الكورس الذي يبدأ ب ( طلعت الشميسه ) وينتهي ب (تلعب بالخرخاشة) والثاني صوت الشاعر نفسه وهو بهذا يربط بين عصرين الأول هو عصر السيدة عائشة المتوفاة في سنة 58 هجرية وعصر الترديدة الذي يتراوح بين 1913 حتى 1970 حيث تردد الصبية وهم بأعمار السادسة والتاسعة هذه الاهزوجة في دروب البصرة . والسيدة عائشة التي تزوجت النبي وهي في التاسعة من عمرها ترتبط من حيث الأسم والعمر ب ( عيشه بنت الباشا ).
جعل الشاعر هذه الترديدة كحلقة ربط بين تلك الحقبتين من التاريخ لخلق الوقيعة بين من يقف بالرأي المضاد من السيدة عائشة وبين من يناصرها , فيقوم بالحديث بالإنابة عنهم , أي أنه يقف في صف السيدة عائشة من دون أن يفصح عن السبب الحقيقي من وراء ذلك كما تفعل القصائد الدينية الإغريقية , بل حصر دوره بإثارة الفتنة الطائفية بين أبناء الوطن الواحد . فهو, يبدو , يقبل ان يضحي بتراثه الشعري في سبيل قصيدة جدلية تفصله تماما عن مناصري شعره.
ففي القصيدة والمشابهه , دعوة الى حوار وسجال والنبش بالتاريخ لا يودي إلا الى الفرقة والطائفية التي ظلت تنخر في المجتمع العراقي حتى بعد كتابة هذه القصيدة .
نعود الى شاعرنا لنقول له :
– ترى تقاتل من يا شاعرنا الكبير ( بعدَ أن ذهبَ الذكورُ الأنبياءُ إلى الهباء.. ) ؟!
هل هم العراقيون ؟! وهل كانوا يوما على باطل ؟!
وهل تخضبت السيدة عائشة بدمها يوم الجمل ( ياسعدي ) حتى ظل شعرها أحمرا لتقاتل أهلك في العراق ؟!
كيف تجرؤ على تشبيه زوج الرسول بهذه المسميات ياشاعرنا الكبير ؟!

وماقصيدتك هذه , ياسعدي , إلا إستخفاف بالحقائق ونموذج اصلي لقصيدتك النثرية الجائرة عن الساعدي , الضابط العراقي البسيط الذي لم يجد حيلة غير قتال الزناة وطردهم من عرين الحرائر والماجدات العراقيان وهنّ أخواتك , والأجدر ان تضع منديلا على فمك وتبكي عليهم وعلى شرفهم وليس على التراب والطابوق المهدم الذي تفجّر بوجوه أعدائه, وتشفق على جنوح عقلك وشمسك الغاربه نحو الطائفية وإنحسار شعرك حتى تحين ساعة الحوذي ليحملك فوق عربة الموت الى مصيرك المحتوم . وكيف ترى قتال الشتات الزناة وهم يربضون على أسرة الحرائر والماجدات ؟! وهل ينام الحر وضجيعه زانٍ ليعيش حياته غير مكرّم ؟!

وأعلم أن العراقيين سبقوك في احترام السيدة عائشة , ولم ينتابهم الغضب من وقع حوافر جملها في البصرة , بل حملوها على شواربهم من دون ان تصلح شعرها الأحمر, وبقيت كما هي, بنت صحابي جليل وأخت ربيب أمير المؤمنين علي(ع) وزوجة نبي كريم لأمة كرمها الله بالإسلام .

كيف أرهفت السمع الى حكايا الحاقدين ؟ وأسرفت بالتحديق الى الإيرلنديات لتنسج شعرا إستفزازيا بائسا عن زوج الرسول وعمن حارب أعداء الله والإنسانية في سوح الوغى وهو حاسر الرأس بصدر ملؤه الإيمان والمروءة والحرص على أبناء جلدته بعد ان اختار الحاقدين قتال أهل الموصل الكرام من خلال تثقيب بيوتهم , لجعل أسرتهم سوحا لقتال أبنائها ليزيد من إذلالهم وقهرهم وتحطيم كرامتهم مجسدين في ذلك كل قيم الشياطين والبغاة والسفلة .

وكان الأجدر أن تكتب له ولهم شعرا جميلا , خصيباويا , يليق بهم وللشهداء من ابناء وطنهم من الجنوب الى الشمال , شعرآ يشدّ من عزمهم ويرفع معنوياتهم للبقاء على دينهم الذي أراد داعش أن يلوثه بالمسميات القذرة التي أتى بها أسلافهم الخوارج من قبل فتكون بذلك مقتفيا لقول رسول الله صلى‌ الله‌عليه‌ وآله ‌وسلم : « إذا ظهرت البدع ، فليظهر العالم علمه ، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله » . ولكنك حنثت في شعرك , ويبدو أن شعلتة قد أنحسرت وأنثال من زيتها الخطايا والعلل , وتسلقت الطائفية في آخر العمر هامات قوافيه وذوائب نثره !
فواحسرتاه , ياشاعرنا الكبير , حتى يفيق القلب من الكره وتدمع العين بالندم !

فهل , ياترى ,خدعتنا كما خدعنا الكثيرين من قبل , يامن لا نعرف سوى عروبيتك وعراقيتك وجنوبيتك.. ياشاعرنا الذي قرأنا له شعرا عشقناه وفي حقائبنا المدرسية حملناه حتى شق بالنثر صفنا ليتركنا .. وعلى وجع تركناه.
واحسرتاه حتى تموت الطائفية ويُذرُّ فوق رموزها التراب !