وئام كريم الموسوي حين تتفتّح القصيدة بأنوثة الجنوب وروح بابل

وئام كريم الموسوي حين تتفتّح القصيدة بأنوثة الجنوب وروح بابل

 

من ضفاف الفرات إلى عرش اللغة، تمضي وئام كريم الموسوي بخطى ناعمة وواثقة، كأنها تمشي على جمر القصيدة بلا وجل، وتلثم لهبها بابتسامة شاعرة، عارفة بأن الحرف حين يكون امرأة، يصبح أكثر دهشةً، وأكثر وفاءً لجوهر المعنى.

وُلِدت في الحلة، مدينة الضوء والطين والتاريخ، يوم 23 نيسان 1989، وكأنها جاءت لتكتب في سجل الشعر اسماً جديداً لامرأة تعرف كيف تجعل من الكلمات معبراً إلى الروح، لا مجرد زخرف لغوي. درست في كلية الآداب – قسم الآثار الإسلامية، وفي كل أثر كانت تبحث عن ظل أنثى تُمسك القلم قبل أن يُمسكها القدر.

بدأت وئام تكتب الشعر مبكرًا، وفي مراحل الدراسة الأولى كانت تحمل دفاترها كما يحمل العاشق محبوبته، تهمس بالقصيدة كما يهمس النهر لشطّه. ولم تكن مجرد شاعرة تقف على المنصات، بل كانت مشعلًا ثقافيًا يتحرّك في المشهد، تؤسس، وتجمع، وتلهم.

قصيدة على هيئة ظل

حين أصدرت مجموعتيها الشعريتين:

“أنت هنا ربما أنا هناك” (2015).

“قريبًا كظلّي” (2015).

جاء صوتها الشعري مختلفًا، يجمع بين الرقة والوجع، وبين الأنوثة الشفيفة والتحدي الصامت. قصائدها كانت تراوغ المعنى، لا لتبتعد عنه، بل لتستدرجه إلى بوح أنثوي شفيف، بعيد عن الضجيج، قريب من عمق الذات. كتبت عن الحب كما يُكتب عن الخسارة، وعن الغياب كما يُكتب عن الولادة، فكانت قصائدها تمسك بتلابيب الزمن، وتفلت من قوالبه.

قال عنها أحد النقاد: “وئام لا تكتب الشعر، بل تنسج وشاحاً من الضوء، وتلقي به على وجه العالم، كأنها تستعير من الآلهة لسانها ومن الطفولة نبلها.” وقال آخر: “ما تكتبه وئام هو شعرٌ يتكئ على الحواس، ويغترف من الرؤيا، لا من البلاغة، ومن هنا تأتي فرادة تجربتها.”

امرأة بمشاريع ثقافية

وئام لم تكتفِ بالكتابة، بل آمنت بدور الكلمة في التغيير، وفي زمن عزفت فيه كثيرات عن الثقافة، أسست ناديًا ثقافيًا نسويًا حمل اسم “عشتار”، وهو أكثر من اسم إلهة قديمة، بل كان رمزًا لعودة الكتاب إلى مائدة الفتيات، وعودة القراءة إلى الوعي الاجتماعي. ومع فريق من الشابات، فتحت نوافذ الكتاب، وعادت تتلو على الحضور ملخصات كتب عربية وعالمية، فتسرب الحنين إلى الورق في قلوب الجيل الجديد.

لم يكن “نادي عشتار” مجرد نشاط نسوي، بل كان ثورة ناعمة، ونقطة ضوء في المشهد الثقافي البابلي. فقدّم النادي جلسات نقدية، وندوات ثقافية، وسلّط الضوء على أسماء نسائية عراقية في ميادين الأدب والفن والمعرفة.

سبع أرواح لرواية واحدة

حين صدرت روايتها “سبع أرواح” سنة 2018 عن دار آشور بانيبال، أثبتت أن صوتها لا يُحبس في بيت القصيدة فقط، بل يتسع لحكاية طويلة، فيها من التشظي بقدر ما فيها من التماسك، ومن الدهشة بقدر ما فيها من الجرح. كانت الرواية بمثابة تمرين على السرد بعيون أنثوية حاذقة، تستبطن الداخل وتفتح أفقًا روائيًا جديدًا في تجربتها الإبداعية.

حضور إذاعي وتلفزيوني متألّق

وئام كريم لم تكن غائبة عن المنابر الإعلامية، بل شاركت في برامج إذاعية وتلفزيونية، وقدّمت محتوى ثقافيًا بروح شاعرة ومفردات مثقفة. كما كانت ضيفة في عدد من اللقاءات التي أُجريت معها على القنوات الفضائية العراقية، حيث تحدّثت عن الشعر، والمرأة، والثقافة، بلغة راقية بعيدة عن التكلف، فيها من الوعي بقدر ما فيها من العفوية.

احتفاء نقدي بمكانتها الأدبية

يرى بعض النقاد أن وئام تنتمي إلى جيل يتجاوز النسوية الضيقة نحو “الكتابة الكونية”، التي تحتفظ بجماليات الأنثى دون أن تحبسها في قالب جنساني. ويُجمع أغلب من قرأها أو سمعها في مهرجانات الشعر أنها تكتب بنبرة غير مُقلّدة، وفيها خصوصية الصوت والتجربة، وقدرتها على تمرير الفكرة الكبيرة في جملة قصيرة، والإحالة إلى فلسفة العزلة من خلال مشهد بسيط، أو مفارقة شعرية.

وقال أحد الأدباء في جلسة نقدية عنها: “إذا كان الشعر ماءً، فإن وئام تصبه في كؤوس مختلفة، مرةً كدمعة، ومرة كابتسامة، ومرة كشرارة تقودنا إلى المعنى.”

الشاعرة التي عرفت كيف تكون هناك… وتظل هنا

وئام كريم الموسوي، ليست فقط صوتًا شعريًا نسويًا جديدًا، بل هي تجربة متكاملة تنمو بلا صخب، وتثمر بلا استعراض. في كل قصيدة لها ظلّ خفيف من وجع الوطن، وفي كل مقالٍ بصمةُ امرأة قرأت، فكتبت، ثم نهضت لتُنير دربًا لغيرها.

وفي زمنٍ تتكسر فيه الأحلام على قارعة الحروب والمخاوف، تظلّ وئام مثالًا لشاعرة لم تكتفِ بكتابة الحزن، بل صنعت من كلماتها سلمًا للصعود، ومن ظلّها طريقًا للحضور.

“أنا هنا… ولكنك لا تعلم أن ظلي سبقني إليك.” من إحدى قصائدها.

أحدث المقالات

أحدث المقالات