بين الفينة والأخرى يطل علينا بطل من أبطال مجالسنا الثلاث، او مسؤول من مسؤولينا الذين تسنموا زمام أمور الرعية تحت غطاء حرية الرأي وعن طريق صناديق الاقتراع، على شاشة إحدى الفضائيات خلال لقاء او برنامج يهدف الى وضع المواطن في موقع الرقيب على من خولهم في أمره وأمر بلده بما يحتويه من خيرات. وقطعا تكون الأسئلة المزمع طرحها عليه مهيأة قبل أوانٍ، يكفيه لتحضير الإجابات كما يشتهي ان تكون، ولايفته حتما ان يتأبط مستندات لها من صحة الصدور حقائق تتراوح نزاهتها بين 0 % و 100 % والنسبة الأخيرة وضعتها كي لاأظلم (حظي وبختي).
لكن الذي يحدث عادة ان يتشعب الحديث ويخرج من مبتغاه وهدفه المرسوم، ليتحول الى تهجمات لزملائه في المهنة، ورفاقه في الدرب، إذ يبدأ بكيل الاتهامات على (ربعه) دون (وجع گلب) ويأتي بالقديم والجديد من ماضي صحبه وحاضرهم، وكأنه موكل بفضحهم وشر غسيلهم على مرأى السامع والمشاهد على حد سواء. وقطعا سيلقي هذا بظلاله على ما يخص المواطن من الحديث او اللقاء ويهمشه أيما تهميش، فيصبح اللقاء إلقاء ضوء على ذاك النائب او المسؤول، ليلقي الضوء بدوره على شخص ثانٍ يعلق عليه سيئاته وإخفاقاته في واجباته.
في بلد الحضارات والنفط ومراقد الاولياء المقدسة، لاينكر ان مفردات الحيادية والإنصاف كانت مغيبة لعقود خلت، في وقت كانت تحل محلها أضدادها، الى ان اشرقت شمس الحرية التي كنا نظن انها غير قابلة للكسوف، وبها انطلقت الحريات بجميع اشكالها، أولها التعبير عن الراي، وحرية النقد وغيرها من نعم الديمقراطية، الأمر الذي أطلق العنان للسان الشعراء والكتاب والنقاد في البوح بما يختلج بخواطرهم من آمال وما يعتمل في نفوسهم من آلام. وكان بذلك متنفسا لهم. فمنهم من أعاد توثيق احداث كان فوه مكمما عن البوح بها، فأطلقت الحرية فاه فاستذكرها بتفاصيلها وحيثياتها، وأرخها كشاهد للتاريخ، ومنهم من وجد في الحرية ضالته بعد كبت خانق، وإحساس حانق، ففتحت قريحته في البوح بمسميات جماليات الحياة، ومايهوى وما يعشق.
ومنهم من اتخذ لنفسه موضع الرقيب وموقع الناقد، فأصبح رقيبا على أفعال معيته. لكن الأمر المنكر أن تأخذ الحرية اتجاها تتبلور فيه الأحقاد الشخصية والغايات النفعية الخاصة او الفئوية الدور الاول في اهتمامات هذا المسؤول او ذاك، وبذا تبعد الهوة والفجوة بينه وبين أداء واجبه إزاء المواطن. كما تفقد اللقاءات والاستجوابات والمساءلات فحواها، فتتشظى الغاية المرجوة منها والتي قد تكون تصويب خطأ او تقويم خطل او تعديل نهج، انحرف عن جادته بتأثيرات عديدة وإعادته الى الاتجاه الصحيح بما يصب في مصلحة المواطن.
هو اقتراح يشاركني فيه العراقيون نطرحه أمام المسؤولين عنا في مفاصل البلد، مفاده وفائدته تصب في مصلحة الجميع، خلاصته: لاتجعلوا اللقاءات المتلفزة معكم منصة لإطلاق صواريخكم الهجومية ضد بعضكم، ولا تطلقوا سهامكم من المحطات الاذاعية، لتصيبوا بها زملاءكم في المهنة, فهي اولا وآخرا لاتقع إلا على رأس المواطن، وقد قيل سابقا: “إذا رميت يصيبني سهمي”