ليس جديدا القول إن ما يشهده العراق الجديد اليوم من أزمات سياسية حادة تنعكس بقوة على المجتمع وعلاقاته، ما هو الا بسبب ” تقاسم الحصص”، ويسمونها “المحاصصة” و”التوافق” بين الأطراف التي تعاونت مع الولايات المتحدة لاسقاط نظام صدام سيء الصيت. لكن أن تستمر هذه الأزمات باستمرار الصراع على حجم الحصص، والقبول بسياسة الأمر الواقع “وهذا هو الموجود” أو ما عبر عنه النائب النافذ عن ائتلاف دولة القانون “سامي العسكري” بقوله في مقابلة لا تنقصها الصراحة مع قناة البغدادية: “إنها من مفارقات العملية السياسية”، فهو ما لا يمكن قبوله من شخصية مثل “سامي العسكري” ناضل منذ عقود من أجل التغيير.
أعرف “سامي العسكري” جيدا، وأعرف زوجته المجاهدة التي تعرضت كثيرا لمضايقات من البعثيين في أثناء دراستها الجامعية وصلت حد الاعتداء قبل أن يصبح صدام رئيسا، عندما كان معظم “الصدريين الحاليين” الذين يجادلونه الآن عن الفساد، اما في الأصلاب، أو بعثيين.
وأقر له ولشقيق زوجته أم ياسر الطاهرة، بالفضل أنهما كانا ممن ساعدني كثيرا لايصال (أموال) الى أسرتي وأسرة زوجتي (عوائل شهداء وسجينات صدام) في البصرة، في ذلك العهد المقبور.
لكن مع الأسف، لا يوجد تواصل بيني وبين أبي ياسر، عدا أنني التقيته في سنوات هجرتنا الطويلة مرتين فقط: مرة بعد سقوط نظام صدام، ومرة بعد إعدام صدام، وتناقشنا عن طريقة إسقاط وطريقة إعدامه حديثا لم تنقصه الصراحة إذ كان “سامي العسكري” كعاهدته صريحا واضحا شفافا لا يختبئ كالكثيرين، خلف مجاملات “إيرانية” أو “حوزوية” (مولانا وجنابكم)، فيما يهم يلسعون.
وأعترف أنني أحب “سامي العسكري” وأنني أثق به، رغم كل ما قيل أو يقال عنه، مذ خرج أو أُخرج من حزب الدعوة بسبب نشاطه “المستقل” من أجل التغيير عندما إجتهد مخلصا، وأدرك وهو المهندس الذي يفهم لغة الحساب، أن معادلة التغيير في العراق يجب أن تقوم على أسس “علمية”، منها “اختراق المجتمع الدولي” الذي كان كله مع نظام صدام.. وطبعا كنت أنا من معارضي هذه النظرية.
وسامي العسكري الذي يوصف بأنه الأقرب الى المالكي، لم يكن يوما من جوقة “الطبالين” المحيطين به، وهو يرفض لنفسه كما أعرفه، أن يكون “رادودا” يرقى المنبر ليمجد به كما يفعل غيره، همهم الوحيد كسب رضا “الحجي”، شأنهم في ذلك شأن “الصدريين” المسبحين دوما بحمد “سيدهم القائد”. فالعسكري يقول ما يؤمن به فقط، حتى وإن كان ذلك لا يتفق مع المالكي.
كما لا يدعي العسكري أبدا، وهو المناضل العتيد ضد نظام البعث، أن العراق الجديد، لا يتعامل مع بعثيين، غير أنه يبرر ذلك بأنها ضرورات العملية السياسية، طبعا بوجود “الراعي الأمريكي” ومعادلة “تقاسم الحصص”. وقد أعلن بكل صراحة أنه لا فضل لأحد على أحد في التغيير “لأن أمريكا هي أسقطت نظام صدام”.
وإذ لم يبرئ “العسكري” إئتلاف دولة القانون الذي ينتمي له من شبهات فساد منتشر في العراق الجديد، فانه كان واضحا أيضا في ذكر أسماء متهمين بالفساد وبالقتل والارهاب يصرخون ليل نهار مطالبا بمحاسبة المفسدين والارهابيين.
كما لم يبرئ “العسكري” أيضا المالكي والكثير من مسؤولي ائتلافه في السلطة أو البرلمان من تحويل مكاتبهم الى “بيت ثان” لهم، بتعيين أبنائهم وأصهارهم وأقاربهم معهم، منتقدا هذه “الظاهرة” وداعيا الى تفاديها.
لكن هل يكفي أن يتحدث “العسكري” بصراحة من دون أن يعمد الى البحث عن “آليات” جديدة للتغيير كما كان يفعل في أثناء إقامته بلندن؟
وهل مجرد الظهور في فضائية تبحث عن حوار لا تنقصه الصراحة – مع أن سامي العسكري أقر بأن لكل مقام مقالا – والاعتراف بالأمر الواقع، يغير من هذا الواقع السيئ وينقل العراقيين الى ما يمكن بالفعل تسميته بالعراق الجديد؟!
وأين المواطن المقهور من كل هذه السجالات؟!
مسمار:
سامي العسكري تحدث في قناة البغدادية ردا على جواد الشهيلي، وسيرد حازم الأعرجي على سامي العسكري. وكانت مريم الريس ردت على كاوه محمد أمين، وهذا رد على الريس، وعزت الشاهبندر يرد على الشهيلي وصباح الساعدي، والثاني رد على سعدون الدليمي ومكتب سعدون الدليمي (لا الوزير وكالة) يرد على الجميع، وهؤلاء تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى، كل يرد على الكل.
معذرة يا سيدي
وأين صاحبي حسن؟!