23 ديسمبر، 2024 6:42 ص

وأين العراقيون الإيرانيون في جنيف؟

وأين العراقيون الإيرانيون في جنيف؟

في سوريا حاكم بلا حكمة ولا حكومة ولا محكومين. فلا يملك أي قدر من الحكمة من يريد أن يحكم شعبا لا يريده، وحين يتظاهر ضده يرميه بالبراميل المتفجرة، ويستقوي عليه بالأجانب، إيران وحرسها الثوري أو حزب الله ومليشيات العراقيين الإيرانيين وروسيا. ولا حكومة تلك التي لا تجيد غير قتل معارضيها واغتيالهم وحرق منازلهم ودك مدنهم وقراهم، ولا تنحني إلا للأجانب ثن تتغنى بالسيادة ولا تستحي.
أما المحكومون، وهم الضلع الثالث الأساس الضروري لكل نظام حكم، فلا وجود لهم في سوريا. وتظاهراتُ السوريين تحت القنابل هاتفين بسقوط النظام دليل على ذلك.
وبرغم ذلك فإن الولي الفقيه و(أولادَه) الميامين، حسن نصر الله وقاسم سليماني ونوري المالكي وإبراهيم الجعفري وهادي العامري والبطاط وأبا مهدي المهندس، يرون فيه غير ما يرى السوريون والعرب والعجم أجمعين.
وبرغم كل ما استطاعوا أن يُعدوه، من قوة ومن رباط الخيل، لم يُسكتوا الشعب المقهور، ولم يوقفوا هزائم الحرس الثوري أمام بنادق صيد العصافير التي يحملها المقاتلون المعارضون.
ولئلا تقع الواقعة فيسقط الأسد المُدجَّن تحت أقدام مواطنيه، كما سقط من قبله حكامٌ، مثلـه، بسكاكين المنتفضين ومسدساتهم فتفقد روسيا مصالحها في المنطقة كما فقدتها وتفقدها إيران في المنطقة، لم يجد بوتين بدا من النزول إلى ساحة المعركة، وقبل فوات الأوان.
مناسبة هذا الكلام هو الانسحاب (البوتيني) المفاجيء من سوريا. ومهما قيل عن هذا الانسحاب فإنه حقق نبوءة كثيرين من الكتاب والمحللين العرب والأجانب، وأنا منهم.
فقد توقعنا، جميعُنا، من أول أيام دخوله العاجل، ” أن يعيد، وبسرعة، حساباته، وأن يدرك أن الخروج العاجل من سوريا، بأقل خسارة ممكنة، وبأي ربح ممكن، أسلم له ولنظامه وأنفع وأضمن للكرامة”.
وقلنا، جميعُنا أيضا، إنه ” سيبدأ الافتراق عن الحلم الإيراني بالنصر العسكري على السوريين، وسينفرد بالمداولة حول الملف السوري مع أميركا وحلفائها، ويقبل بالحل الذي يبغضه الولي
الفقيه وحسن نصر الله وبشار والمعسكر العراقي الإيراني “. وحدث ما توقعناه، وبأسرع مما توقعنا.
أما في هذا المقال فكل ما يعنينا، كعراقيين، من الدخول والانسحاب الروسييْن الصاعقين هو موقف المعسكر العراقي الإيراني الذي أثبت في هذا الموضوع، كما في مواضيع عديدة أخرى، مدى تورطه في التبعية لنظام الولي الفقيه، وغوغائيته، وسطحيته في تقدير الظروف، واختيار المواقف.
فزعماء هذا المعسكر كابروا، وتجاهلوا حقيقة أن التدخل الروسي كان إعلانا رسميا عن الفشل العسكري الإيراني في سوريا، ومحاولةً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل فوات الأوان، بعد أن عجز قاسم سليماني، بكل ما حشده من حرسه الثوري ومن قوات رديفة لبنانية وعراقية وأفغانية ويمنية، عن منع الزمن من أن يحفر لبشار الأسد نهايته الواقعة لا محالة، رغم ما كان يبدو غير ذلك في ظواهر الأمور.
فمن أول دخول الطيران الروسي إلى ميدان المعركة ومباشرته بقصف المعارضة السورية في حلب وحماة ودرعا والغوطة، بذريعة محاربة داعش، خرج فرسان المعسكر العراقي الإيراني إلى الشوارع، مهللين، على شاشات فضائياتهم، للمارد الروسي العظيم الذي جزموا بأنه سيقلب الدنيا في أيام.
حتى أن هادي العامري وأبو مهدي المهندس وواثق البطاط، تشفوْا علنا، بهزيمة أوباما والسعودية وتركيا، وطالبوا حيدر العبادي بترك الحليف القديم، والاستدارة نحو الحليف الجديد، على أساس أن حبيب حبيبي حبيب.
وقد لخص النائب عن منظمة بدر، حسن الساعدي، في تصريح لقناة الغدير التابعة للمنظمة، موقف المليشيات الشيعية العراقية، مجتمعة، من التدخل الروسي، فوصف بوتين بـأنه “الحليف القوي الثابت الذي لم يخن حلفاءه، ولم يغير التزامه بالدفاع عنهم، رافضا مقايضة مواقفه الشريفة بأي ثمن.”
واعتبر تدخله في سوريا ردا على تفرد أميركا في محاربة داعش، والتي ثبت فشلها، وفقا لرأيه، على الرغم من مرور نحو عام كامل على الإعلان الأميركي عن الحرب ضد داعش في العراق.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، رحب كثيرون منهم بهذا “الفارس البطل” المعادي لاميركا. وذكرت وكالة فرانس برس أن البقالين في الأسواق الشعبية العراقية أعلنوا عن أنواع من الأطعمة قالوا إن بوتين يستخدمها في غذائه، وهي التي مكنته من الوصول الى هذه الحنكة العسكرية.
ولم يطل الزمن، حتى تخلى بوتين عن عناده ومكابرته وإنكاره لوجود معارضة سورية معتدلة، وراح يُكثر من مكالماته ومداولاته مع الرئيس الأميركي، من أجل التوافق على حل وسط يسمح ببقاء الأسد فترة (معينة)، حفظا لماء الوجه، وترضية لإيران”.
وهنا جاء الانسحاب ليضيف إلى فصول مآزق الأسد وإيران فصلا آخر ليس أقل ذلا ومهانة مما سبق من فصول. والسؤال المهم، بعد الانسحاب الروسي وبدء محادثات جنيف بالتوافق بين بوتين وأوباما، هو هل سيبقى فرسان المعسكر العراقي الإيراني يرون فلاديمير بوتين بطلا وحليفا لا يخون حلفاءه، ولا يقايضهم بمصالحه؟ وهل سيواصلون الترويج لأصناف الطعام الذي يتناوله، والذي جعل منه بطلا لا يشق له غبار؟
ورغم كل مظاهر الرضا الأسدي بالانسحاب، ومحاولة إظهاره انتصارا بعد إنجاز المهمة، فالواقع الجاري في جنيف يثبت عكس ذلك. فوفد النظام محاصرٌ بأوراق المعارضة، وبضغوط المبعوث الدولي ستيفان ديميستورا، وتوافق الأمريكان والروس والعرب، فكأنه المتهم وغيره القضاة والشهود.
أما الولي الفقيه فلا صوت له في جنيف. وتقول أنباء غير مؤكدة إن حزب الله بدأ يسحب (مجاهديه) من سوريا بالتقسيط، تاركا مقام السيدة زينب أمانة بين أيدي (التكفيريين) ودي مستورا، وقرى (الممانعة) على الحدود السورية اللبنانية وديعة لدى حكومة سورية قادمة لن يكون فيها سفير سوري لإيران، ولا لحسن نصر الله وقاسم سليماني ونوري المالكي وابراهيم الجعفري وهادي العامري والبطاط.
والخط الأحمر الذي رسمه وليد المعلم حول رئيسه لم يعد أحمر، ورئيسُ وفد النظام بشار الجعفري في جنيف لا يملك ما يقوله في مؤتمر صحفي طويل عريض غير بضع كلمات حزينة وبائسة عن وحدة الوطن السوري، وعن ضرورة عدم تدخل جهات أجنبية، وعن حوار سوري سوري، فقط لا غير. ثم عاد الشعب السوري يتظاهر، كما بدأ، ويريد إسقاط النظام. وهذا ما سوف يكون.