غريب أمر البعض ممن كان وما زال يعمل معك ومعنا، او ما يطلق عليهم تجاوزاً زملاء، ولا سيما في محيطك الوظيفي مهما كانت توصيفاتهم الوظيفية. فلا هناءة لهم الا بالتجريح والنيل من زملاء ارفع مستوى منهم من النواحي كافة. فهم، ولانهم فاقدون لخصال بعيدة عن مبادئ واعراف وقيم السلوك الاخلاقي والمهني السوي، يحاولون ومن باب الحسد والشعور بالنقص تلفيق المثالب والاستغابة ووضع العصي بين دواليب نجاحك، فهذه وحدها تحك جربهم وتستهويهم.
يخرجون من عندك بعدما يكونون قد نعموا بعطائك وتكريمك، فيتصيدون لك لتوهم وكأنهم تعرضوا منك للشتم والمهانة. تهدي اليهم زهرة فيعيدونها عقرباً. تقول في مدحهم، ما أنبلهم، فيقولون فيك ما اقبحه وما ادناه.
وهنا عليك ان تكون من ذوي المناعة، فلا تكفر بعمل الخير تأتيه بلا ثواب، ولا يثنيك جحودهم على الاستمرار في اتيان المكرمات – فمن يفعل الخير لا يعدم جوازيه، والمعروف لا يضيع بين الله والناس- وان شبه لبعضهم ان ذلك شأن ممكن . فالدنيء الوضيع الأصل، لا تعتقد ان بامكانك ان تحرره من فرصة ولو ادخلت يدك في فمه حتى الكوع من كرم وسخاء، انه كالمصاب باللوكيميا، مهما حقنته بالدم الاحمر، تخثر هذا الدم واصبح ابيض.
الحاقد الحاسد لا يقتات الا بحقده وحسده، انه يسعى الى خيراتك، ويذهب الى خصومك ليدس ويفتري، فيصور كرمك الذي يتهافت عليه، يصوره تبذيراً، ويتحدث عن خدماتك التي تؤديها للناس فيصفها بانها مبالغة في التودد الى الآخرين، واذا كنت خطيباً وكان هو عّيياً لا يعرف كيف يتكلم، قال عنك انك تزيدها في الكلام، واذا كان جاهلاً وكنت انت مثقفاً، قال انك تمارس عنجهية على من هم دونك علماً وتلك معرة لا مكرمة. واذا كنت قمة في الثقافة والتفوق قال هذا فشل وبين التفوق والفشل دائماً خيط رفيع -تأمل الاجتهاد العبقري- الى ما هناك من مبررات في قاموس التافهين الفاشلين الضفادع الذين لا يبلغ نقيقهم مسامع النسور لتفاوت المسافة بين المستنقعات والقمم الشواهق في مسابح الفضاء.
هذا الصنف من الناس يحاذر ان يدخل مستشفى الامراض العصبية حتى لزيارة مريض خوفاً من ان يستبقوه هناك كنموذج أمثل لتعليم طلاب الطب بامثال حية.
انه مرض الغيرة والتفاهة وعقدة الدونية، وهو فتاك مثل مرض العقل وكلاهما الجنون، الا انه في العقل جنون يمسح الادراك، اما هو في الغيرة فادراك يحركه الجنون. ويظل هذا من شره، اكثر الجنونين خطراً لانه ادراك مخرب يسير بشهوة ويقف بشهوة، واذا كان عاصمه في مرض العقل انك تحجر عليه. اما مرض الغيرة والحسد فأي شيء يأخذ عليه الطريق.
ان المجتمع مليء بهذا الصنف من الناس، انه داء من اللؤم يلتمس شفاءه المرحلي بالشتم والنميمة،كما يتوسل المصاب بالجرب الحك المستمر فيدخل اظافره في كل انحاء جسده الدامي دون ان يبرأ.
هؤلاء يتصدون للكبار حتى يتشرفوا برد او حتى بشتيمة كبيرة يشعرهم بانهم شيء في المجتمع، ولكن يستهين بهم الكرام ازدراء… فتتعزز في نفوسهم العقد.. ويتأكد شعورهم بانهم نفايات وحثالة، ولو نظروا الى المرآة لما رأوا وجههم.
وحتى تنجح في ان لا تحقق اغراض خصومك وحاسديك، يجب ان يكون لك جلد من ماء، لان بعض هؤلاء عندهم اساليب تتلاعب باعصابك فتفلها اذا كانت من حديد وفولاذ وتنسّلها اذا كانت من كاوتشوك، الا انها تعجز عنها اذا كانت من ماء فتتكيف مع شكل الاناء الذي توضع فيه دون ان تنفعل وتتحطم.
والوجه الآخر ان لا تجيء على ذكر هؤلاء الحاسدين، فلا تعطيهم ثانية من وقتك واهتمامك، لان هذا ما يجعلهم يصلون الى غايتهم وهي ان يشغلوك ويوتروك. فاذا بعثوا اليك بمن ينقل نميمة فأقفل باب الحديث متذرعاً باعمالك الكثيرة، وان لا وقت لديك للتوافه، وكذلك اذا حملوا لك قصاصة لمطبوعة ذمتك او نالت منك، فليس كالتجاهل في اتلاف اعصاب خصومك الذين يسعدون اذا اهتممت بكلامهم ثانية واحدة.
فاعتصم دائماً بالعمل، وحدهم التافهون الحاسدون ينصرفون الى القيل والقال والى الترهات والنقل عن فلان وفلان، ثم انك لا تعرف من اي فئة هو الشخص الذي يحدثك، فربما كان مدسوساً عليك لينقل الى شانئيك انباء تفرح لهم عظامهم، الاعصاب وبرودتها بل ميوعتها في القضاء على الفاشلين الهامشيين ، ان ناجحا لا يحسد ناجحين- وانت سيد الموقف.
ان علاقتك بهؤلاء، انت وحدك تحكم قواعدها، فاذا جئتهم من فوق بقيت من فوق، واذا عاملتهم كند صار ذلك حجم التعامل، وكذلك اذا جئتهم من تحت صرت عبداً لهم، فمن لا يكرّم نفسه لا يُكرم.
واذا كنت عنيداً وقوياً في مواقفك، فليس من الضروري ان تتعرض للانتقام بل ستلقى حتماً من يتفهم حوافز وقفتك مهما كان مدى طغيانه، فتصل وأياه الى قواسم مشتركة في التعامل والحوار، فالمستحيل ليس ابن هذه الارض. أليست هذه القاعدة المفروض نحن اخيار الوظيفة نعمل بها دائماً؟
وهنا لا أخفي اعجابي وتقديري للامام علي الذي قال:
انـي الى الانذال لست براغــــب ولا يهـــوى لصحبتهـــــم قلبــــــــي
ولكنني اصطـاد رزقي بأرضهـم فلا بد للصياد من صحبة الكلـب
فهذه الكلمات، كم اتمنى لو كنت انا صاحبها. فأني لم اكتفِ بترديدها دائماً بل جعلتها شعاراً لي احمله وادافع عنه ضمن محيط عملي الوظيفي، الا انني ميال لنسبته الى قائلة، ربما لرغبة في الهرب – علماً ان هذا العنصر الانهزامي ليس من مكونات عناصر شخصيتي – من احتمال تبعاته وانعكاساته المؤولمة من قبل هذا النفر.
تذكر ان النقد الموجه اليك يساوي قيمتك تماماً، واذا اصبحت لا تنتقد ولا تحسد فأحسن الله عزاءك في حياتك لانك مت من زمن وانت لا تدري، واذا اصبحت يوماً ما ووجدت كتابات شتم وهجاء… فأحمد الله فقد اصبحت شيئاً مذكوراً وصرت رقماً مهماً ينبغي التعامل معه.
ان اعظم علامات النجاح هو كيل النقد جزافاً لك، فمعناه انك عملت اعمالاً عظيمة فيها اخطاء، اما اذا لم تُنقد ولم تُحسد فمعناه انك بمجموعة اصفار الى ما لا نهاية….
انه من الغباء الكبير ان تتأثر بالقول الشانيء المغرض المنحاز، وان تعطي رصيداً للاقاويل وللالسنة الطويلة. فليتكلموا او ليتشدقوا بما شاؤوا، فان هناك على الارض اناساً لا ترتاح الا بالاذى، ولا تتغذى الا بالكيد، ولا تعيش الا بالاستغابة والنميمة، فليكن سواك وقوداً لحفائظها وضغنها، اما انت فاضحك والعالم كله يضحك لك.
فمن عاش اسفل الارض، يظل مناخه حتى ولو اسكنته فوق سطح الارض، فالديدان لا تسعد الا وهي تحت الارض، ذاك مقامه وذاك مستواه، وتلك هناءته، فلن تستطيع انت وانا ان تشفي النفوس التي خلقت لتعيش مريضة ولتموت كذلك.
انه من الكذب الزعم بان هذه الفئة انقرضت من محيطنا الوظيفي، فالصحيح انها لا تزال قائمة وبنسبة جيدة عدا انها مهما امتلكت من قوة وجبروت مدعمة من هذا او ذاك ممن يمتلك الجاه والسلطة والقرار والنفوذ، لا تستطيع ان تلوي عناد رجل مثلي ومثلك صلب المراس ومؤمن بالحق والمبادئ والاخلاق الوطنية.
ان تشغل الناس بك سلباً وايجاباً، محبة او كرهاً، وان تظل على اسلة ألسنتهم، اعجاباً او حسداً، فهذا وحده المعيار والمحك، فوحدهم التافهون بلا اعداء، لانهم لا يغيظون احداً، فان اكبر ارث ونموذج تخلفه لاولادك ومحيط عملك العزة والكرامة، فاذا تخليت عنها فتكون انت محوت اسمك من سجل الاخبار، كما تكون قد عودت من يوتروك بتفاهاتهم ان يمارسوا على سواك مزيدا من التوتر هذا، وبالتالي ان ينسفوا مقومات مجتمع الصالحين المعتصمين بسيادة النفس واحترام الذات.
والكاتب ميلر كان افهم الناس في هذا المجال، فقال بهذا الخصوص:هناك شيء اسوأ بكثير من ان تكون حديث الناس، هو ان لا تكون حديثهم.