23 ديسمبر، 2024 11:39 ص

وأخيراً هُـتـكَ سِترٌ الخَضراء

وأخيراً هُـتـكَ سِترٌ الخَضراء

المنطقة الخضراء التي تكونت بعد عام 2003 وكرهها العراقيون على مختلف توجهاتههم, ونسجت حولها القصص الكثيرة حتى تكونت صورة مرعبة في أذهان العراقيين بأنها منطقة خطيرة ومحصنة بجميع أنواع الدفاعات المتطورة ويحميها رجال أشداء وفيها من الأسلحة والمعدات الحربية وأجهزة الإنذار مالايتوقعه عقل, وتضم داخل أسوارها بعض السفارات الأجنبية التي كان لها الدور الاكبر في تمزيق البلد وتدميره ويعيش فيها ساسة البلد ألذين عاثوا في الأرض فساداً وكانت لصراعاتهم وخلافاتهم الحزبية الأثر الكبير في تدمير البلد وتحطيم البنى التحتية, فضيعوا بجدارة جميع خيرات البلد ودمروا اقتصاده بتفضيلهم مصالحهم الحزبية والشخصية على مصالح البلاد والعباد.
كل هذه العوامل رسمت في اذهان العراقيين لهذه المنطقة صورة الحصن المنيع الذي لايمكن إختراقه ولا الاقتراب منه الى أن جاء يوم الثلاثون من نيسان الذي لن ينساه جميع العراقيون حيث استطاع متظاهرو التيار الصدري من هتك ستر هذه المنطقة الخضراء الحصينة بدقائق معدودات وبدون أية اسلحة ولامعدات سوى الأعلام العراقية التي كانوا يحملونها فأسقطوا الكتل الكونكريتية وعبروا الأسلاك الشائكة الكثيفة ودخلوا بسرعة فائقة الى داخلها وتمكنوا من الدخول الى بناية البرلمان العراقي واعتصموا فيه وحاصروا بناية الأمانة العامة لمجلس الوزراء الى أن جائتهم الأوامر من قادتهم بالانسحاب الى ساحة الاحتفالات والاعتصام فيها تلك الساحة التي لم يراها معظم المتظاهرين فقد كانت ممنوعة على العراقيين منذ عام 2003 حيث تم ضمّها الى امبراطورية الخضراء, فاعتصموا وباتوا ليلتهم فيها وافترشوا حدائقها الخضراء والتحفوا سمائها وسبحوا في نافوراتها ولعبوا كرة القدم في حدائقها وتجولوا في شوارعها بكل حرية وسارعوا بالانسحاب منها بعد صدور الأوامر اليهم من قادتهم واعدين بالعودة في أقرب وقت لإكمال مشوار إعتصامهم.
ماأريد قوله في هذه الأسطر القليلة بأن هذا اليوم لم يكن يوماً عادياً في تاريخ العراقيين بالرغم من حجم الإختلاف الكبير في المواقف وردود الأفعال لما حصل فيه بين مؤيد بشدة لما حصل باعتبار ان ماحصل هو رد فعل وانتفاضة شعبية طبيعية تم ممارستها للضغط على الحكومة والبرلمان لدفع عملية الإصلاح المنشود الذي طال انتظاره لسنوات طويلة من التسويف والمماطلة من قبل الكتل السياسية, وبين رافض بشدة ومستنكر لكل ماحصل لأنه تجاوز على هيبة الدولة وسلطتها واعتباره تصرف غير قانوني ويجب محاسبة من قاموا به وخرّبوا الممتلكات العامة واحالتهم للقضاء لأخذ الجزاء العادل وليكونوا عبرة لغيرهم.
أقول بين تأييد المؤيدين ورفض الرافضين وحياد المحايدين فأن الفعل قد حصل وان هذا اليوم لم يكن يوماً اعتيادياً كسائر الأيام وان إسطورة المنطقة الخضراء المحصنة التي أقلقت مضاجع
العراقيين قد سقطت قلاعها وبان وهنها أمام مجموعة من المتظاهرين السلميين الذين لم يحملوا أي نوع من السلاح, وان ماحصل يجب على الحكومة أن تقف عنده كثيراً وتعيد حساباتها بدقة وعليها المسارعة باتخاذ خطوات الإصلاح الحقيقة في ضرب المحاصصة الطائفية التي أوصلتنا الى الحال المأساوي الذي نحن فيه وأن تضرب بيد من حديد جميع رموز الفساد وتحيلهم للقضاء لأخذ جزائهم العادل وأن يتم إعادة جميع الأموال المنهوبة في الداخل والخارج وأن يدرك الجميع بأن ناقوس الخطر قد تم قرعه وحان الوقت لرمي العباءات الحزبية والطائفية والقومية وارتداء عباءة الوطن وتوجيه كافة الولاءات نحو مصلحة العراق والمواطن المغلوب على أمره.