تعود النظرية الواقعية التقليدية بركنيها الأساسيين وهما “القوة” و”المصلحة” لتزيح من جديد كل ما تراكم على مر العقود من بنى نظرية حاولت تفسير العلاقات الدولية الحديثة ..
اليوم تجلت “مصلحة” إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب في أظهار قدرة بلاده على ممارسة أحاديتها الدولية بعيداً عن شراكة أهم حلفائها الدوليين للتوصل إلى بداية أتفاق حول المعضلة النووية المزمنة في شبه الجزيرة الكورية ..
لقد جاءت الخطوة الأمريكية هذه مترافقة مع تباعد ضفتي الاطلسي حول مسائل أخذت نصيباً وافراً من الجدل حول أساسيات العلاقة بين واشنطن وجميع العواصم الأوروبية..
جاء الإتفاق ايضاً بسبب تغير الكثير من قواعد التوازنات فيما يتعلق بقدرة الولايات المتحدة على أن تفرض حضوراً مستداماً وموازياً لنفوذ كلاً من الصين وروسيا في منطقة شمال شرق آسيا التي أصبحت تعكس الآن نظاماً متعدد الأقطاب متوازن بشكل دقيق ..
جاء هذا الإتفاق اخيراً ليكون في يد الولايات المتحدة أوراق أقوى كي تساوم بها إيران حول تعديلات تصر الادارة الامريكية على ادخالها على ملفها النووي أو الذهاب نحو مواجهات مفتوحة على جبهات الشرق الاوسط في العراق واليمن وسوريا ..
في المقابل فقد تجلت ” القوة” الحقيقية لبلد صغير بحجم كوريا الشمالية في القدرة على الجلوس نداً لند مع القوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم مع ما يرافق ذلك من مكسب أساسي يتعلق بإعتراف دولي عريض بنظامها السياسي عبر بوابة واشنطن .. فضلاً عن الضمانات الخاصة بأمن النظام وأمن ترسانته النووية وهي ضمانات ما كان للصين أو لروسيا أو أية قوة كبرى اخرى ان تضفي عليها شيء من الشرعية الدولية دون مصادقة الولايات المتحدة .. تعلم كوريا الشمالية ان توسيع خيارات التحدث مع القوى الكبرى سوف يكسبها في المستقبل القريب المزيد من أوراق القوة .. فللمرة الاولى لن تحتاج بيونغ يانغ ان تبعث برسائل أو مقترحات حلول لواشنطن عبر بكين أو موسكو كما لن تحتاج الى تقديم تنازلات مسبقة لسيؤل أو طوكيو لإثبات حسن النية ..
وأخيراً فان الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري الاحادي المشروط الذي اعتادت على تلقيه ضمن منطق المكوث ضمن معسكر الحرب الباردة سوف يتلاشى مرة واحدة من خلال الاندماج في النظام الاقتصادي والمالي الدولي ..
كل ذلك لان دولة بحجم كوريا الشمالية لا تزال تضع إصبعها على زناد سلاح يناظر ما لدى الكبار في عالم لا يعترف إلا بالأقوياء ..