23 ديسمبر، 2024 8:28 ص

هيروشيما ناغازاكي

هيروشيما ناغازاكي

شهر آب شهر مزعج في كثير من بداياته. فيه تزداد الحرارة بشكل هستيري وتتوقف نسمات الهواء وتهب الرياح الشرقية ويطبخ البشر فيه طبخاً بلهيب حرارته المرتفعة بالتزامن مع طبخ الرطب. وهذا الارتفاع الأزلي الكبير للحرارة ظل تقليداً في العراق لم يقوى على مكافحته احد ممن تصدى لا سابقا ولا لاحقا وظل الجميع يحظى بنعمة المشاركة بهذا الطبخ مع سائر المخلوقات في خطوة مواساة من الفرد العراقي لكل الأحياء من حيوان ونبات. حرارة الصيف وحدها سبب كاف لاشعال ثورة كاقتحام سجن الباستيل، انما في بلدي نتظاهر فقط عندما تطلب منّا ذلك الاحزاب ومتى ما شعرت بان الجو لم يعد يلائمها فتسرع لتقديم بعض القرابين والأضاحي من فقراء لا يصلحون للحياة لتستنزل بعض الموارد والمواقع في كروشها المتخمة. وحين تصل الرسالة للمنافسين يحمل المتعبون أشلاءهم لمقابر لم تشبع ولن تشبع من اجسادهم الرخيصة ولا من سذاجتهم.
آب برياحه الشرقية يحمل إلينا من أقصى الشرق حكاية قديمة لم تندمل منذ ان ألقى طيار أمريكي اخر العلوم والتكنلوجيا الامريكية الى الشعب الياباني قبل ٧٣ عاما مضت. حين كانت الحرب قد اوشكت على النهاية وسحق الرايخ الألماني بأحذية الجيش الأحمر السوفيتي ومسحت المدن الألمانية بطائرات الحلفاء وجنودهم القادمين من نورماندي. وحين علقت جثة موسوليني في شارع إيطالي بلا محاكمة بل بمحاكمة فقد سألوه من انت قال موسوليني قالوا له هذا يكفي لاصدار حكم الإعدام عليك، ولم ينتظروا طويلا مسلسل مما يبحثون فيه عن دليل لإعدامه وهو وحده اعظم دليل. ولم ينتظروا صبيحة عيد ليعلقوه فتهتز المشاعر الدينية للشعوب المؤمنة التي ترى في هند آكلة الأكباد سيدة صالحة لانها ذكرت ألفاظا كالتي ذكرها فرعون موسى قبل الهلاك مع ان رب موسى نفسه لم يقبل من فرعون وقال له ساخراً أالان وقد عصيت من قبل؟ ولم لا فالله نرسمه كما نشاء ولم ينته بعد زمن الاله من تمر الذي نأكله حين نجوع. ديننا هو ذاك الدين حتى أوشك ان اقول ان الدين هو ذاك الدين لولا بعض الاستثناءات النادرة. وعلى كل حال لنعد والعود على بدء أحمد، لاننا من طائفة اقوام يستوطن فيهم فقدان الذاكرة.
مسحت مدينتان بقضها وقضيضها من على الوجود بسلاح دمار شامل لا لشئ فقط لان امريكا العظمى ارادت ان ترهب العالم بأنها تمتلك سلاحا لا يضاهى، وكانت المرة الوحيدة التي استخدمت فيها القنبلة الذرية على طوال التاريخ ولكنها لم تمنع من إنتاجها ولا زيادة مخزونها. ولاني ساذج الفهم لا ادري كيف لسفاح ان يأمر الناس بالكف عن الجريمة كما لا افهم لمتجلبب بجلباب التقوى والدين والورع كيف له ان بسرق ويزني ويضرب وصايا موسى العشر عرض الحائط. الا ان يكون موسى له دين غير دين العمائم واصحاب المنابر.
واذا كنت قد فهمت ان البعض يقبل توبة هند وفرعون حين نطقا الشهادة قبل ان يلتف الحبل على عنقيهما، فلا افهم كيف يصبح ابو لهب سيدا مرضيا وهو لم يعتذر عن نيرانه التي احرق بها المستضعفين وبحثت طويلا لعلي اجد موظفاً أمريكيا ولو كان صغيرا يعتذر عما حصل او حتى يفكر بالاعتذار او حتى احد يطالبه بذلك فلم اجد ولكنّي وجدت جمعا كبيرا مثل زبد البحر يُؤْمِن بان امريكا تدافع عن حقوق الانسان وتسعى للحفاظ على حرية الشعوب وتمنع انتشار الأسلحة النووية وأنها سبيل الخلاص لنا من شرور أنفسنا. حين وجدت ذلك ادركت ان هيروشيما وناغازاكي يستحقان الموت فهما قرابين الآلهة والسادات التي حين تريد ان تضخم كروشها وتشبع غرائزها بتملك كل شئ لابد ان تقدم قرابين من فقراء افضل مكان لراحتهم هو المقابر واسألوا مقابرنا التي لم تشبع بعد من الامتلاء بهم في ثورات موسمية.
حين نقبل بابن اوى واعظا وبأمريكا خلاصا للبشرية فلنرفع حناجرنا بأعلى ما يمكننا كما يفعل اصحاب الحماسة والانفعال الديني ونردد
عاشت آلهة الموت
وافرحي يا مقابر الارض وشرعي أبوابك لنا