18 ديسمبر، 2024 7:51 م

الدولمة واحدة من الأكلات العراقية الشهيرة, وفي الولائم الخاصة تقدم كنوع من ذوق العائلة.

الدولمة ليست أكلة شعبية فحسب، وتسمى سفيرة العراق الى سفرة العالم، ولا تكاد تنافسها أكلة أخرى، ومن متطلبات العائلة والإهتمام بالضيوف، ودون منازع تقدم ساخنة وسط سفرة الطعام، وفي العائلة لها مراسم وأيام خاصة، وتلتقط لها صور وهي في القدر الى حين نزولها الى الصينية، ليراها من يحب العائلة ومن يبغضها، وتُظهر المستوى المعاشي للعائلة حسب مكوناتها.

أصل الدولمة الى حد التشابه مع المحشي المصري، ودخلت للعراق في الإحتلال العثماني، وجرت عليها تعديلات كثيرة من زيادة اللحم المفروم والسمن والضلوع والزند في قعر القدر، وعيدان السلق، وشاع طبخها في لبنان ومصر وفلسطين والجزائر، ويختلف مظهرها الخارجي ومحتواها من عائلة لأخرى، حسب ما تُلَفُّ به محتوياتها، بورق السلق او العنب أو البصل والباذنجان والفلفل، وحسب ما متوفر وإمكانية العائلة، وحتى قدورها إختلفت، وبذلك دخلت صراع المساواة والعدالة، وكل العوائل تعملها ولا عدالة في طبيعة مكوناتها.

رغم الإختلاف عليها، إلاّ أن هناك إتفاقاً على إنها لا تكلف العائلة من أدوات كثيرة، سوى قدر وصينية، وتستخدم للسَفرات والتنزه، وكأنها أكلة جافة يسهل حملها في قدرها، وميزتها بأن لا تقدم بشكل إنفرادي، ودائما ما تجمع العائلة أو مع الضيوف، وما تزال محافظة على قدرها على جمع الأيادي متبادلة متكافلة على مكان واحد، لذا من النادر تقديمها في المطاعم.

إن الدولمة بصفاتها جعلت لنفسها هيبة، بين الأكلات وعلى السُفرات, سواء كانت باللحم أو التمن والخضار، وفي الأحوال كلها تؤدي أدوارها، كأكلة تُعبر عن نفس من يقدمها، وتدل على الإعتزاز بذلك الشخص الذي سيتناولها، والطاهي يتدخل بكل تفاصيلها، ويده معها الى حين إنزالها على مائدة الطعام.

الدولمة منهم من يظنها الدولة، وقد لا يرى حرف الميم، ولكنهما تختلفان في كثير وتتشابهان في أخرى، فالدولمة تؤكل والدولة تبنى أو تهدم، إلاّ أذا إجتمع الفاسدون في أكلها وفرم عظمها، والدولة ثابتة بحدودها ،والدولمة يضاف لها ويُنقص منها ويكبر ويصغر قدرها، ولكن الدولة ثابتة المفاهيم والتقاليد والحدود، ولكنهما تعبران عن اخلاق شعبهما وقيمهم، وتستطيعان جمع من يستفيد من فائدتهما، وللدولمة هيبة بين أفراد المجتمع العراقي، فيما الدولة تفقد هيبتها أن نهبها الفاسدون ومن يخالفون قوانينها، حتى أولئك الذي يعتقدون أنهم يتحركون ضمن سقوف الحرية والديمقراطية، أو إصلاح منظومة فاسدة بمفاهيم وقيم ومنظومة أفسد، ويبدو أن الدولة صارت كالدولمة، تلف وتطبخ وتجتمع عليها الأيادي، إلاّ أن الفرق فيها أنهم لا يتذكرون طعمها.