18 ديسمبر، 2024 10:43 م

هيا لنلعب أمام قبر أبي!

هيا لنلعب أمام قبر أبي!

ذهب طفل صغير لبيت صديقه، ليلعب معه فقال له:يا هذا لا تصدر ضجيجاً، كيلا يصحو أبي من نومه، فأجابه الصغير:إذن هيا لنلعب أمام قبر والدي لعله يستقيظ، لتنهض معه ذكريات الدفء، والأمان، والبراءة وننتظر عودته من غيابه، مع أننا ندرك أنه لن يعود، والملفت في الأمر أن طقوس وسلوكيات والدي، باتت حضارة أبوية مقدسة، لا يمكن أن تفنى من قبل الأيام، أو تتعرض للنسيان ما لم تفنى من الداخل، وهذا لن يحدث أبداً يا أبي.

مشهد مؤلم لأحد يوميات طفل، يتمنى أن يكون أبوه معه، ليواجه مدرسة الحياة، التي أصبحت كالسفينة المدمرة، يعترضها يومياً عُقد صراخ الأطفال، وموجات الغضب، وجنون فضائيات، وحملات مطالب، لاتستطيع الأم الإجابة عليها أو تحملها، ومازال الطفل الذي بداخلنا يتمنى وجود والده، حيث كان يردد:”الفخر بالماضي لايضمن لك أن تكون شيئاً، لأن قوانين اللعبة تتغير بإستمرار، لذا الإيمان، والكفاح، والثقة بالله هي الحل الأمثل”،وصايا بعطر الحنين، حملناها لترسم قصة طفل صغير، يريد اللعب أمام قبر والده.

أقوال مأثورة عن والدي، كان يترجم ديباجتها بسلوكه” بأن لا تتركوا صلاتكم فهي عمود الدين، ولا تهجروا قرآنكم فهو الشفاء لما في الصدور، وواظبوا على زيارة سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام، ففيها كرامة الدنيا وشفاعة الآخرة، وإنتظروا فرج قائم آل محمد أرواحنا لمقدمه الفداء، وتسلحوا بالعلم وإقرأوا كثيراً، لا لكي يراكم العالم، بل لتروا أنتم العالم، فتلك مهارة لا يتقنها إلا القليل” وما زال صوت والدي يطرق أسماعي، كلحن للخلود لأستقيظ للصلاة فجراً.

طريق مقبرة وادي السلام، يبعث على الراحة والسكون، مع أن ذكرياتك تتلاطم أمواجها، على أرصفة فتحات المقبرة الجديدة، ومع تشابك لوحات أسماء الراحلين عنا في المقبرة القديمة، تبقى أدبيات الدخول إليها خالدة في الذاكرة”فالسلام على أهل لا إله إلا الله، يا أهل لا إله إلا الله، بحق لا إله إلاالله، كيف أوجدتم قول لا إله إلا الله، يا لا إله إلا الله، أغفر لمَنْ قال لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله”.

هيا لنلعب أمام قبر والدي، ولكن هذه المرة بطريقته، وحضارته التي يرتاح لها، دون ضجيج أو زحام، نعم إنه الجسد الذي لا يسكن بقربنا، ولكنه الروح التي تسكن قلوبنا، لذا قرأنا له سوراً من القرآن الكريم، وأولادنا بجانب المقبرة الناطقة بالوجع يلعبون، فتارة يسمعون قرآننا بدموعنا وعبراتنا، وتارة ينظرون لقبور أحبائنا، وبمجرد أن يدركك الوقت، تعرف أن الرحيل قد حان، وأن حياتك جزء من قصة ماضٍ، يفترش الحكمة والصبر بعنفوان قبر أبي رحمته تعالى عليه.