ان من عجائب الأمور في هذا البلد هو تداخل الخنادق فيما بين الأضداد ، والضد كما هو معروف لا يعرف إلا بالضد ، وهذه القاعدة لم تعد تنطبق على هيئة نزاهتنا ، فهي تلبي قاعدة ماركسية مفادها وحدة وصراع المتناقضات ، لكن هذا الصراع لا ينتج تحول جديد انما صراع يميل تدريجيا لصالح المفسدين ، وبالنتيجة يتعايش المتناقضان في وحدة غريبة لا يعلم مداها الا القضاء .
ان هيئة النزاهة رغم تحفظنا على وجودها ، فهي حلقة مهمة وان كانت اضافية لكشف المستور من كل انواع الفساد ، الا انها فشلت لعاملين اساسين اولهما انها لم تأخذ على محمل الجد كشف الفساد بكل انواعه كشفا قضائيا ، بل ظلت تدور حوله باجراءات خجولة خائفة مما أفقد العملية برمتها اهميتها القانونية وشجعت الطرف المقابل على المضي بفساده وشجعت اخرين لارتياد هذا المضمار المميت ، والسبب الثاني هو ان كل من ترأس هذه الهيئة ولأسباب عديدة كان انهزاميا ، او انه أتبع المثل العراقي القائل (إني شعلية ) كما ويمكن اضافة سبب ثالث ولكن بنوعية اخرى هو ان بعض القضاة العاملين في هذه الهيئة يبتعدون عن قاعدة المسؤولية التضامنية للدائرة الواحدة وللتسلسل الاداري ، بل ولاسباب عديدة اخرى يرمون بأثقال الجريمة على الموظفين الصغار ولا يتدرجون بالتحقيق صعودا إلى الدرجات العليا وفقا للقاعدة المعروفة الكل له دوره ، او حتى اذا تم التحقيق فإن نتائجه لا تلحق بالكبار بل الضرر كل الضرر يصيب الصغار ، وكثيرا من القضايا أصابت الصغار المحدثين ، كما وأن بعض من قضاة هذه الهيئة يوجهون التحقيق نحو الصغار بغية ابتزازهم . عليه فإن من يحارب الفساد تجد في ثناياه الفاسدين .
ان عمليات محاربة الفساد في كافة دوائر الدولة ابتداءأ من التحقيق الإداري الأولي وانتهاءأ بالقضاء مرورا بالنزاهة ، يصيبها الكثير من الشبهات ، وهي تعد بمثابة المشجع للفساد لا محاربته ، ويذكرني هذا الاستعراص بنشاط الشعبة الاقتصادية في مديرية الأمن العامة، التي كانت تبحث هي بأمور الفساد وتقتنص الفاسدين ، وهكذا كانت هذه المديرية يخشاها حتى الأبرياء لانها كانت بالفعل تلاحق التلاعب وتلاحق كل ما يهدد المال العام ، عليه فان ابتداع هيئة النزاهة كان بمثابة ابعاد القضاء عن دوره المرسوم له بموجب القانون الجنائي رقم 111 لسنة 1969المعدل ، كما وأن القضاء لم يعد ذلك القضاء الذي لا يخاف الفاسدين ، فهيئة النزاهة تذكر الجميع بالثل القائل( ردناها عون طلعت فرعون).. وكان الله في العون .